الحديث على المشاهد والمعالم الثقافية التي تزخر بها الجزائر تختلف من منطقة إلى أخرى، حيث تعتبر ولاية ورڤلة من أهم ولايات الوطن التي تزخر بهذا الكم الهائل من الأماكن الأثرية التاريخية السياحية، التي يقصدها السياح من داخل وخارج التراب الوطني، حيث تساهم في إبراز العادات والتقاليد الجزائرية وأهم المعالم ذات الطابع الصحراوي. نتطرق في زيارتنا الميدانية هذه مدينة ورڤلة، حيث وقفت “الشعب” على أهم المعالم التي تزخر بها والبداية بقصرها العتيق. يقع القصر ببلدية ورڤلة التي تبعد عن الجزائر العاصمة بمسافة 750كلم، ضمن محيط صحراوي شاسع، يمتاز بوفرة المياه وخصوبة التربة، فضلا عن وجود واد مية المنحدر من الشمال إلى الجنوب، الذي يغذي القصور ويسقي بساتين النخيل، يحده شمالا حي سعيد عتبة وجنوبا منشآت عمرانية، أما شرقا وغربا تحده غابات النخيل. في 05 مارس 1996 تم تصنيف قصر ورڤلة ضمن المعالم الوطنية والتاريخية وتم استحداثه كقطاع محفوظ في 28 مارس 2011، إلا أنه من الصعب تحديد الفترة الزمنية لنشأته، فهو قديم النشأة اعتمادا على الرموز التي اكتشفت على أبواب منازل القصر والتي تمثل آلهة الإخصاب والولادة “تانيت” المرتبطة بالحضارة الفينيقية والمعروفة باسم عشتار أو عشتروت والتي فسرت على اعتقاد السكان. أما عن العصر الإسلامي فكان دخول الإسلام إلى القصر عن طريق القوافل التجارية وكذلك الدعاة الذين يعبرون المنطقة، كما أن سقوط مدينة تيهرت (الدولة الرستمية) على يد أبي عبدا لله الشيعي سنة (908)م دفع بأتباع المذهب الإباضي بالهروب نحو مناطق الجنوب واستقروا في الحدود الجنوبية لقصر ورقلة (بمنطقة سدراتة)، لكن بعد هجوم جيش الميروقي دفع بالجماعات الإباضية بالنزوح نحو مناطق مختلفة كقصر ورڤلة، وكان لهم تأثير مباشر على معالم القصر. وفي سنة (1481)م تولى مولاي موسى الفيلالي عرش ورڤلة إلى أن توفي وبدأت الفوضى داخل القصر وكثرت النزاعات بين أبنائه من اجل الخلافة وبقيت ورقلة بدون سلطان. أما عن دخول القوات الفرنسية مدينة ورقلة في 05 ديسمبر 1853 كان عن طريق سلطنة بني بابية في أنقوسه (شمال قصر ورڤلة) وبعد مقاومة عنيفة من طرف سكان قصر ورڤلة. موقعها الجغرافي جعل منها سوقا مفتوحة وممرا للقوافل تواجد قصر ورقلة مرتبط بعدة عوامل من موقعه في حوض واد مية مما جعله يتوفر على الكثير من المياه الجوفية، كما أن الموقع الجغرافي الإستراتيجي للقصر جعل منه سوقا مفتوحة للعديد من التجار وممرا للعديد من القوافل التجارية ( طريق الملح، العاج ......) إضافة إلى هذا كان معبر للحجيج وقد ساهم الجانب الأمني والطبيعة المناخية الصحراوية للمنطقة في تجمع السكان في قصور محصنة وبجانب مساحات كبيرة من واحات النخيل. يتكون القصر من عدة مرافق: 1- المساجد: عددها 14مسجدا، منها المالكية ومنها الإباضية، تتوزع في الأحياء الثلاثة للقصر أشهرها مسجد لالة مالكية(المسجد المالكي)، ومسجد لالة عزة (المسجد الإباضي) 2- الزوايا: عددها 09 زاويا تتوزع في الأحياء الثلاثة للقصر، أشهرها زاوية سيدي الحفيان. 3- الأحياء: يتكون من ثلاثة أحياء رئيسية هي حي بني واقين، حي بني إبراهيم، حي بني سيسين. 4- الأبواب: يتألف القصر من 07 أبواب وهي: باب عزي ،باب عمر، باب الربيع، باب رابعة، باب البستان، وباب السلطان وباب أحميد . بالإضافة إلى معلم قصر الثقافة بولاية ورقلة يوجد أيضا معلم مدينة سدراتة على بعد 14 كلم جنوب غرب مدينة ورقلة. وبحوالي 800كلم عن الجزائر العاصمة وهي محصنة طبيعيا بحكم بعدها على مراكز الفتن والحروب التي كانت تنشب في عهد الدولة الفاطمية كما شيدت مبانيها بالقرب من مصب وادي مية الممتد من جنوب غرب جبل عباد إلى قارة كريمة جنوبا صنفت مدينة سدراتة الأثرية سنة 1967 ضمن المعالم الأثرية الوطنية وصدر قرار التصنيف بتاريخ 23 جانفي 1968. منارات تحاكي التاريخ وأخرى تروي أمجادها من المستشرقين ويعود تاريخ إنشاء هاته المدينة إلى عام 909 م للميلاد احتمى بها الإباضيون بعد طردهم من تيهرت علي أيدي الفاطميين جنوب ورڤلة بقيادة الإمام يعقوب بن أفلح، وأسسوا مدينة سدراتة المتميزة بزخارفها المعمارية المدهشة لحماية أنفسهم و مذهبهم (المذهب الإباضي) من بطش الفاطميين، تم اكتشاف المدينة عبر التنقيبات الأثرية وخاصة سنوات 1951و1952 م. عرفت المدينة التخريب من طرف الخليفة الموحدي المنصور مرتين على التوالي، ولم يغادرها في المرة الثانية إلا بعد أن حوّلها إلى صحراء قاحلة، ويذكر ابن خلدون أن تخريب المدينة كان على يد يحي بن إسحاق المعروف بابن غانية الميروقي ما بين (1224-1227م). تتميز المدينة بعمارتها الإسلامية وقد عرفت عدة تنقيبات أثرية من قبل باحثين أجانب مثل الباحث لأرجوا في 1878 وأرولد تاري في 1881 وبول بلانشي في 1898 وفوشر في 1942 و مارغاريت فان برشم في 1950 تم خلالها الكشف عن مبانيها التي غطتها الرمال كالمسجد، والضريح، القصر والمحكمة، البيت المحصن، البيت ذو الجرار...إلخ ومجموعة من الزخارف الجميلة التي كانت تزين جدران بعض هياكلها التي وجدت في القصر والمحكمة. كما تعتبر منطقة وادي ريغ التي تعرف بتقرت الكبرى بولاية ورڤلة أيضا من مناطق التاريخية الثقافية الشاهدة على تراث الجزائريبورقلة من بن هاهه المعالم يقع قصر تماسين في الجنوب الشرقي للعاصمة الجزائر. وفي شمال قصر ورقلة يبعد عن العاصمة بمسافة 660كلم. أما عن قصر مستاوة بتقرت ب13كلم وعن مقر الولاية ب150كلم. يعود تاريخ تأسيس القصر حسب بعض الروايات إلى حوالي سنة 782م، من طرف بعض القبائل الأمازيغية كقبيلة ريغة وسنجاس الزناتيتين. عرف القصر كغيره من قصور وادي ريغ تداول الحكم الإسلامي بداية من الرستمي، الحفصي، وال مرابطي، إلى غاية حكم بني جلاب في القرن الرابع عشر ميلادي، الذين عملوا على نشر المذهب السني. سقط قصر تماسين على غرار قصور واد ريغ في أيدي الاستعمار الفرنسي سنة 1854م، بعد مواجهات قوية من طرف سكان القصر دامت إلى غاية لكن بعد اندلاع ثورة التحرير سنة 1954 م كان قصر تماسين يحاط بسور يبلغ ارتفاعه حوالي 2 م ويتربع على مساحة إجمالية تقدر ب 12 هكتار له أربعة أبواب: «باب الغارات»، «باب خوخة»، «باب لعلا نجروة»، «باب الغدر» خاص بالسلطان يضم القصر عدة معالم منها مسجد العتيق أو الكبير :تأسس سنة 1194م. يحوي مقام الصلاة على 45 قبة. مسته توسعة عام 1913م. سيدي أمحمد بن سيدي الحاج علي التمايسيني.. صاحب الفضل في توسعة المسجد مسجد القبة الخضراء تأسس سنة 1204هجري من طرف علي التمايسني مؤسس الطريقة التجانية، وسمي بهذا الاسم نسبة للقبة الخضراء المصنوعة من القرميد الأخضر مسجد عبد الله المغراوي، بني سنة 1192م من طرف الحاج عبد الله المغراوي المغربي. يمتاز بمئذنته التي يصل إرتفاعها 21م، أما مسجد با عيسى، يعد من أقدم مساجد القصر، لم يحدد تاريخ بناءه نظرا لغياب المراجع التاريخية يحتوي المسجد على 21 قبة سجل قصر تماسين في 04 سبتمبر 1996 م في قائمة الجرد الإضافي للممتلكات الثقافية العقارية لولاية ورقلة ثم في 14 ماي 2007 م تم تسجيله في الجرد العام للممتلكات الثقافية الوطنية، وتم استحداثه كقطاع محفوظ في سنة 2013. وفي نفس البلدية توجد مقر الزاوية التيجانية التي تعتبر أيضا من أبرز معالم ثقافية السياحية التاريخية التي فاق صدها المحلي والوطني إلى العالمي، فتحت أبوابها منذ سنة 1805 بتماسين على يد الولي الصالح سيدي الحاج على التماسيني التجاني، وشرعت منذ ذلك الوقت في استقبال الطلبة من داخل وخارج الجزائر أشرف عليهم العديد من العلماء داخل وخارج الوطن لدول مجاورة كموريتانيا وتونس والمغرب في سلسلة ما كان يعرف في سابقا رحلة طريق القصور للحج حيث كان علماء يعبرون الزاوية التيجانية بتماسين ويمكثون بها سنة لتعليمهم مختلف العلوم في الشريعة والفقه والسيرة وعلم التجويد وحفظ القرآن الكريم، وفي عصرنا هذا تتواصل السيرة من خلال المدرسة القرآنية المتواجدة بالزاوية حيث يدرس بها زهاء 400 طالب، كما تحتوي الزاوية التيجانية على مجمع ثقافي به قاعة للمحاضرات ومكتبة للمطالعة وقاعة للانترنيت وقاعة استقبال الضيوف. تضم الزاوية التيجانية مدرسة قرآنية بها ثلاث قاعات قاعة للكبار وقاعة للإناث وقاعة للأطفال ما دون سن 8 لتعليم وتحفيظ القران الكريم وسنة نبوية الشريفة . قلعة الأتراك بالحجيرة تقاوم الزمن في انتظار تصنيفها وفي ختام زيارتنا للمعالم الأثرية كانت ببلدية الحجيرة بنفس الدائرة بولاية ورڤلة توجد بها قلعة للأتراك بقرية الشقة ببلدية العالية بدائرة الحجيرة من أهم الشواهد التاريخية، وقبلة للسيّاح، باعتباره شاهدا على التاريخ الزاخر بالمقاومات والبطولات، إلا أنه لم يعد اليوم سوى معلم مهدّد بالزوال والاندثار. تشير المعلومات التاريخية المتوفرة إلى أن هذه القلعة مبنية سنة 1811 وهذا التاريخ كان مكتوب على الباب الخارجي حيث تعتبر آخر امتداد للأتراك بصحراء الجزائرية. وقد بني في مكان عالي من أجل المراقبة من خطر قدوم الأعداء في جولة ميدانية قادتنا إلى القلعة الأثرية، ترى للعين من بعيد شامخة رغم تأكل العديد من صخور جدرانها بسبب الإهمال وانهيار السور الخارجي، فالمعلم يتواجد بمنطقة شبه معزولة ولا يزورها سوى أبناء المنطقة بسبب انعدام المسالك المعبدة لها. بمجرد دخولنا وتجولنا فيه لمسنا الطريقة العثمانية في بنائها، فكل غرفها ضيقة، السقف والنوافذ شيدت بأقواس وهي رمز الحضارة العثمانية، كما التقينا بعض من سكان القرية فأكدوا لنا على أنه الصرح المعماري الأثري مهمل منذ سنوات ولا أحد يقصده سوى رفاق السوء، وأن هذا المعلم أخر اهتمام مديرية الثقافة بولاية ورقلة رغم أنه يعتبر المعلم الوحيد بالمنطقة والشاهد على امتداد الأتراك، كما تعرضت العديد من الأشياء الثمينة به للنهب جراء غياب الرقابة الأمنية له ومن بين هذه الأشياء الثمينة التي تمت سرقتها بلورة كروية مشعة كانت تدل على المكان من بعيد، كما أنها لم تصنف لحد الآن كتراث وطني محمي لحمايتها من اندثار.