توقّف أستاذ العلوم السياسية الدكتور سليمان اعراج في حديثه ل “الشعب” عند العوامل التي جعلت جهود مكافحة الارهاب تخفق حتى الآن في دحر هذه الظاهرة التي أصبح العالم أجمع يعاني من تداعياتها الخطيرة، وعرج على كلفتها المادية التي تقوّض اقتصاديات الدول وتهزّ مجتمعاتها، قبل أن يصل إلى الأساليب التي يستعملها الدّمويون لاستقطاب الشباب وتجنيدهم في تنظيماتهم، داعيا إلى فرض رقابة على وسائط الاتصال الحديثة التي تروّج للفكر المتطرّف، وتعبئة وسائل الاعلام لتقوم بدورها في حماية المجتمع من كلّ الآفات والأخطار التي تواجهه. ❊ الشعب: بعد سنوات من محاربة الإرهاب لم تصل الدول بعد إلى انحساره، أين الخلل؟ ❊❊ الدكتور سليمان اعراج: شكّلت أحداث الحادي عشر من سبتمبر محطة مهمّة ومفصلية فيما تعلّق بمسألة مكافحة الارهاب، حيث احتل الموضوع موقع الصدارة على مستوى الاجندات الدولية، ودخل إلى قاموس المنظور الليبرالي الذي تقوده الولاياتالمتحدة، إلى جانب مبررات دعم الديمقراطية وحقوق الانسان. إنّ دارس الظاهرة الارهابية في العالم يجد أنها اقترنت بسياقات معينة على المستوى الدولي، لكنها ارتبطت من حيث الاساس بمسألتين مهمتين هما: انتشار التطرّف وصراع المصالح، فإن عرف العالم منذ القدم أشكال الصراع على المصالح بين من يمتلك الادوات الاقتصادية والجيوسياسية، فإن مسألة التطرف كإيديولوجية صارت عنوانا بارزا لإنتاج وإعادة إنتاج الارهاب. وتشكّل الهشاشة بيئة مواتية يستثمر فيها الدمويون من أجل توسيع نشاطهم الاجرامي وإقامة قواعدهم، كما أن التردي الاقتصادي، الاجتماعي، الثقافي والأمني يشكّل دافعا ومحفّزا لعمل الجماعات الارهابية نحو تكوين الخلايا وتوسيعها، لتنتقل بعد ذلك من التّجنيد إلى الصّراع من أجل بسط منطقها ونفوذها. ويعدّ غياب الاستقرار أول هدف تسعى العمليات الارهابية لتحقيقه، من أجل بلوغ تقدم في الميدان واستغلال الفوضى لزيادة العمل واستقطاب الفئات الهشّة والمغرّر بها، وبخصوص التمويل تلجأ للخطف وطلب دفع الفدية والسطو، والتحالف مع عصابات الجريمة المنظّمة التي تنشط في بيع المخدرات وتجارة السلاح، وتركّز الجماعات الارهابية لتمدّدها على استراتيجية عسكرية - إعلامية ودعائية. ❊ لا جدال في أنّ دحر الإرهاب بحاجة إلى مقاربة شاملة تقوم على ركائز أساسية هي الجانب الأمني، الاقتصادي، الاجتماعي والديني، فما قولكم؟ ❊❊ تستدعي مسألة محاربة الارهاب العمل وفق مقاربة بنائية لا ظرفية، تعتمد على تفكيك بؤر التوتر التي تعتبر أرضية خصبة لتمركز نشاط الدمويين، وذلك بحلّ النّزاعات ووقف الصّراعات عبر مساعي التوفيق والوساطة، وبناء الثقة بن الفرقاء، إضافة إلى أهمية قطع الطريق أمام كل ما من شأنه توسيع أفق نشاط التنظيمات الارهابية بدءاً بتجفيف منابع تمويلها، وهي المسألة التي كانت الجزائر سبّاقة إلى طرحها والإلحاح على تبنّيها من طرف المجموعة الدولية، ثمّ التركيز على التنسيق والتعاون كمنطق مكمّل للتصور الشّامل حول مكافحة الإرهاب. تداعيات اقتصادية وإنسانية ❊ كيف تنظرون إلى التّداعيات الاقتصادية والانسانية للظّاهرة الارهابية؟ ❊❊ أحدث الارهاب في العالم اليوم أزمة متعدّدة الأبعاد، إنسانية، أمنية، سياسية، اقتصادية واجتماعية بل وحتى ثقافية ودينية، وهو ما يستدعي التعامل مع الظاهرة بمنظور شامل ومتكامل في ذات الوقت. واستنادا لذلك، يمكن قياس أثر العمليات الارهابية على محورين مهمين: الاستقرار والاقتصاد الذي بات يئنّ تحت ضربات الدّمويّين. من آثار الإرهاب على الاقتصاد، تزايد حجم النفقات العسكرية على حساب تمويل مشاريع التنمية، ما يعني أولوية العامل الأمني وبقاء هاجس التنمية دائما مؤجلا. كما أنّ غياب الاستقرار بفعل النّشاط الارهابي انعكس سلبا على الاقتصاد والوضع الاجتماعي، فأحداث سوسة مثلا كانت ضربة قاصمة للسياحة التونسية التي تمثل المورد الرئيسي للخزينة.وبرز في المشهد التونسي وضع اجتماعي صعب ترجمته الاحتجاجات الأخيرة المطالبة بالتشغيل، وتحسين ظروف الحياة. والخلاصة أنّ الارهاب لم يعد فكرة إيديولوجية فحسب، بل أصبح مصدرا لقلق اقتصادي واضح في العالم.ومن المهم أيضا الحديث عمّا ينتجه تدهور الاوضاع الاقتصادية والأمنية، وتجليات ذلك على الواقع المجتمعي، فما إن اجتمعت البطالة واليأس ليصنعا ضيق الأفق، حتى يصبحا قنبلتين تهدد بنية المجتمع واستمرارية مفهوم الدولة الوطنية. شبكات تجنيد وخلايا تعرض الإغراءات ❊ هل من سبيل لحماية الشّباب من الوقوع في شرك الدّمويّين الذين يجنّدونهم في تنظيماتهم باستغلال وسائط الإعلام الحديثة؟ ❊❊ إذا رجعنا لمسألة التجنيد واستقطاب الفئات الهشّة التي تستثمر فيها الجماعات الدموية، نسجّل أن الإرهاب يستهلك القدرات المالية والجماعات البشرية سواء بالتّصفية أو بالاستقطاب إلى خلاياه المتطرّفة. وتجدر الإشارة، إلى أنّ تهمة الارهاب التي كانت لصيقة بالدول العربية وبالإسلام، أضحى يوازيها إنتاج الدول الأوروبية للظاهرة التي أصبحت تنمو في الأحياء المهمّشة وفي السّجون. تتحدّث التّقارير عن آلاف الفرنسيّين، إضافة إلى جنسيات غربية أخرى تنتمي إلى “داعش”، وأضحت إشكالية الإرهاب في أوروبا تتفاقم بشكل مقلق ومهدد حتى للأطر التّنظيمية التي وضعت في إطار الإتحاد الأوروبي. وتشكّل اليوم وسائط الاتصال والاعلام أهم أدوات استقطاب وتجنيد العناصر الإرهابية وممارسة التأثير على الشباب، وفي هذا الصدد يؤكّد الخبراء الأهمية التي توليها التنظيمات الدموية للترويج لمنطقها الشاذ عبر وسائل التواصل الاجتماعي من خلال ما تروّجه من فيديوهات لعملياتها الفظيعة وأفكارها الاجرامية. وهنا تظهر ضرورة فرض رقابة على المواقع التي تمجّد الإرهاب وحجب الروابط التي تجرّ المغرر بهم الى التطرف، ولا تقل اهمية عن ذلك مراقبة المضامين الإعلامية، وتحديد استراتيجية إعلامية واضحة تعيد للاعلام دوره الحامي للمجتمع من كلّ الآفات، خاصة بعد أن أصبح خاضعا لمنطق السوق بدل المهنية بفعل دخول أصحاب المال إلى ميدانه الرّحب، وهذا ما يجعل وسائل الاعلام تقع في أخطاء فادحة تقدّم فيها الدّعاية المجانية للدمويين، وأحيانا أخرى تتحوّل إلى مصدر للمعلومة لصالح التنظيمات الإرهابية. ❊ ما الذي يجعل النّشاط الإرهابي يتصاعد بإفريقيا، وكيف السبيل إلى محاربته؟ ❊❊ تشكّل إفريقيا بيئة مستهدفة ومخترقة من قبل التنظيمات الارهابية، وذلك راجع للعديد من المسائل المرتبطة اساسا ببنية الدولة والمجتمع المتميزة بالهشاشة أصلا، وتراجع دور المؤسسات داخل الدولة نتيجة تجذر المنطق القبلي والاثني في المجتمع، وسيطرة الولاءات التقليدية على حساب الولاء للدولة الوطن، زيادة على تنامي ظاهرة الانقلابات العسكرية وغيرها من الآفات التي تعصف بمفهوم الدولة الوطنية، هذا إضافة إلى كون إفريقيا تمثل ساحة للصراع والتنافس بين القوى الكبرى حول مواردها وثرواتها، فمفهوم المجال الحيوي رهن واقع هذه الدول والمجتمعات وجعلها حبيسة تجاذبات الحسابات الجيوسياسية والمصلحية أساسا. مواجهة الفكر التّكفيري والتطرف ❊ هل ستطول معاناة الأفراد مع الارهاب؟ ❊❊ إنّ الحديث عن استئصال الظاهرة الارهابية يستدعي بناء شروط تنمية المجتمعات، عبر الاعتماد على مقاربة شاملة تنطلق أساسا من منظور بناء ثقافة الفرد الداعمة للسلم والحوار، وإبعاد المنظور الإقصائي للآخر، كما أنّ محاربة الارهاب تساهم فيها مختلف الفواعل داخل المجتمع، أين تساعد النّخبة المثقّفة وتبرز أدوارها من خلال إنتاج فكر تنويري تعمل وسائل الاعلام على الترويج له، وتدعّمه سياسات الدولة في جميع المجالات، والتي يكون لها أثر في تعزيز الولاء والانتماء والقيم الايجابية للمواطنة. أما عن دور العامل الخارجي، فيستدعي اليوم قيام مؤسسات الحكامة العالمية بأدوارها الفعّالة (الأممالمتحدة، صندوق النقد والبنك العالمي)، بعيدا عن أساليب الضغط وترجيح مصالح القوى الغربية، وبما تستوجبه شروط إقامة نظام عالمي عادل، إلى جانب أهمية وجود مؤسسات عالمية تحفظ القيم وتصون المعايير العالمية لإرساء السلام الغير قابل للتجزئة.