سباق غربي محموم يشهده العالم في السنوات الأخيرة على إنتاج السلاح المغذي للحروب التي تفتكّ بالبلدان العربية،أموال طائلة تكتنزها الدول المصنّعة والمصدّرة لوسائل القتل والتدمير والتي توجّهها لتحقيق رفاهية شعوبها دون أن تبالي بما تخلّفه أسلحتها من مآسي في أكثر من دولة. الغرب المنافق يتغنى في كلّ مناسبة بحماية حقوق الإنسان،لكنّه يصنع ما يقضي على هذه الحقوق، ويعد بتطوير نوعية وكميّة صناعته التدميرية، ما يجعل الشكوك تحوم حول من يلهب الحروب ويؤجّجها . يقول مسؤولون أمريكيون ومديرون تنفيذيون في كبرى شركات السلاح في الولاياتالمتحدةالأمريكية، إن شركاتهم تسابق الزمن لتلبية الطلب المتزايد على آخر ما يتمّ ابتكاره من ترسانة حربية كالصواريخ الدقيقة وغيرها من الأسلحة المستخدمة في العمليات العسكرية التي تنفّذها واشنطن ضد تنظيم “داعش” الإرهابي، وفي صراعات أخرى تلهب منطقة الشرق الأوسط. وقد زاد الطلب العالمي بشكل مطرد على الصواريخ الأمريكية الصنع، وعلى ما يطلق عليها القنابل الذكية. وتسعى واشنطن وحلفاؤها لضمان توفير إمدادات ثابتة من تلك الأسلحة لحرب يتوقع أن تستمر طويلا ضد الإرهاب الذي تربّع ومدّ جذوره في البلدان العربية دون سواها وفي بعض المناطق الإفريقية، حيث الأغلبية الديمغرافية للمسلمين. ويقول مسؤولون أمريكيون، إن مصنّعي السلاح اعتمدوا ساعات عمل إضافية، واستعانوا بالمزيد من العمّال لزيادة الإنتاج، لكنهم يواجهون صعوبات تتعلّق بقدرات مصانعهم على تلبية الطلب المتزايد، لهذا يخطّطون لفتح مصانع جديدة لضمان الإمدادات المطلوبة. وقد يسفر هذا الأمر عن قوائم انتظار أخرى، في وقت يعبّر فيه حلفاء واشنطن في العلن عن القلق من البطء الشديد في دراسة الولاياتالمتحدة لطلباتهم المتعلّقة بالأسلحة. تجارة الموت يكشف مسؤول تنفيذي في شركة لصناعة السلاح بأمريكا، أن شركته تشهد نموا هائلا، ويقول “إن كل من في المنطقة يتحدّث عن تخزين أسلحة لفترة تتراوح بين خمس وعشر سنوات، على اعتبار أن المعركة ضد تنظيم الدولة الدموي ستكون طويلة”. ويبدو تأثير الطلب المتزايد على السلاح واضحا على الاقتصاد الأمريكي، حيث ترتفع المداخيل وتنخفض معدلات البطالة وتتحقّق رفاهية المجتمع، ففي مدينة “تروي” بولاية “ألاباما” مثلا، حيث تصنع شركة “لوكهيد مارتن” صواريخ جو-أرض، من نوع “هيلفاير” في مصنع شديد الحراسة على مساحة كبيرة، تمّ توظيف المزيد من العمّال، ما قلّص معدلات البطالة، ووسّع نشاط الحركة التجارية في المدينة. ويذكر مسؤول تنفيذي مطّلع أن “لوكهيد مارتن” أضافت ساعات عمل في مصنعها الذي يعمل به 325 شخص منذ فيفري الماضي، وهو الحد الأقصى الذي يمكن للمصنع استيعابه، وأعلنت الشركة أنها ستضيف 240 عامل آخر بحلول العام 2020، وستوسع مصنعها الذي ينتج أيضا صواريخ أخرى جو-أرض، لا يرصدها الرادار وزن الواحد 907 كلغ. وقال رئيس قطاع المشتريات بوزارة الدفاع الأمريكية “فرانك كيندول” قبل أيام، إن هناك طلبا قويا على صواريخ “هيلفاير” بالتحديد، والتي يتراوح سعر الواحد منها بين ستين ومئة ألف دولار. مداخيل ضخمة زادت موافقات أمريكا على مبيعات أسلحتها في الخارج السنة الماضية 2015 ب36% لتناهز قيمتها 46.6 مليار دولار، مقارنة بنحو 34 مليارا في 2014. كما زادت الموافقات على مبيعات الصواريخ والقنابل الذكية وغيرها من أنواع الذخيرة لحلفاء أمريكا لتناهز قيمتها ستة مليارات دولار في العام المالي 2015، مقارنة ب3.5 مليارات في 2014. وفي العام المنصرم فقط، وافقت واشنطن على بيع صواريخ “هيلفاير” لكوريا الجنوبية وباكستان والسعودية وفرنسا وإيطاليا وبريطانيا، وقال الجيش الأمريكي في الصيف الماضي إنه طلب من “لوكهيد مارتن” زيادة إنتاج صواريخ “هيلفاير” من 500 صاروخ شهريا إلى 650 بحلول نوفمبر الماضي. وقال مسؤول بوزارة الخارجية الأمريكية، إن هناك قوائم انتظار كبيرة للطلبيات على هيلفاير، والشركة المصنعة عاجزة عن إنتاج العدد الكافي. الطلب يفوق العرض يوضح رئيس قطاع المشتريات في وزارة الدفاع الأمريكية (بنتاغون)، إن الطلب كبير أيضا على معدات قذائف هجومية من إنتاج بوينغ، وقالت هذه الأخيرة إنها رفعت إنتاجها اليومي من تلك المعدات في أحد مصانعها 80% لتلبية طلبات الجيش الأمريكي و25 دولة أخرى. ورفضت شركة “رايثيون” التعليق على إنتاجها من الصواريخ، وقال كيندول، إن الشركة تتوفر على منشأة كبيرة تنتج الصواريخ بولاية أريزونا، وإنها قد تزيد الإنتاج كثيرا. وكانت “رايثيون” قالت قبل شهرين إن مبيعاتها من الصواريخ زادت 11% في الربع الثالث من العام الجاري. وقال مدير وكالة التعاون للأمن الدفاعي بالبنتاغون جوريكسي، إن صناعة السلاح تفي بالطلب حتى الآن، ولكن الضغوط في ازدياد مع ارتفاع الطلب، بينما يشير رئيس أركان سلاح الجو الأميركي الجنرال مارك ويلش إلى أن طلبات جيش بلاده زادت في السنوات الماضية لسد النقص في مخزوناته وزيادتها، وأضاف أن واشنطن تشجع حلفاءها على فعل الشيء نفسه،طبعا، فهي تجني أرباحا طائلة يدفع ثمنها للأسف الشديد الذين يتعرّضون للقتل ويهيمون على وجوههم بحثا عن ملجأ يحتمون فيه دون أن يجدوه.