قطعت أطراف اتفاق السلم والمصالحة بمالي، خطوات جد إيجابية نحو تجسيد البنود المتفق عليها وصناعة سلام دائم في المناطق الشمالية للبلاد، في وقت تسعى الجماعات الإرهابية جاهدة إلى تثبيت استمرار العنف عبر هجمات متفرقة ضد قوات البعثة الأممية لحفظ السلام. أطلق المهتمون بالشؤون السياسية والأمنية في مالي دوما، وصف «المعقدة والمتعددة الأبعاد» على الأزمة التي ضربت البلاد سنة 2012. وهي حقيقة كانت تدركها الوساطة الدولية جيدا، لذلك طالبت في عديد المناسبات بالصبر وطول النفس وتغليب مصلحة الشعب المالي. وأبرز مظاهر التعقيد في الأزمة، يكمن في أن الخلافات العميقة بين الحكومة والحركات السياسية والمسلحة لشمال البلاد من جهة وبين ذات الحركات نفسها، حيث نشبت مواجهات مسلحة بين فصيلي تنسيقية حركات أزواد وحركات الأرضية. وشهدت مدينة كيدال واحدة من أشرس المعارك، نهاية شهر أوت الماضي، لكن ومنذ ذلك التاريخ بدأت التوترات تأخذ منحىً تنازليا، إلى أن وصلت إلى التقاء ممثلين عن الطرفين في مفاوضات أثمرت بعد 3 أسابيع اتفاق «أنافيس»، في 16 أكتوبر من العام الماضي، الذي حمل إسم «التزام الشرف». بعد حوالي شهر، ظهر الناطق باسم حركات الأرضية هارونا توري، والقيادي في تنسيقية حركات أزواد إبراهيم ولد سيداتي. يجلسان جنبا إلى جنب في ملتقى التتحاد الإفريقي حول مبادرات تنمية منطقة الساحل، بقصر الأممبالجزائر العاصمة. وصرح توري، ل «الشعب» حينها، بشأن العلاقة بين حركات شمال مالي، قائلا: «مؤكد أنكم لاحظتم أنني وولد سيداتي نجلس مع بعض، وفي وقت سابق لم نكن نتبادل حتى أطراف الحديث، وهذا مؤشر على أننا حققنا تقدما نحو التوافق». في نفس الوقت، واصلت اللجنة الدولية لمتابعة تنفيذ اتفاق مالي، التي تقودها الجزائر، اجتماعاتها الماراطونية وعقدت عدة اجتماعات بغرض تشكيل اللجان المشتركة لتجسيد ورشات الاتفاق. وقد تلقت اللجنة تحفّظات وانشغالات الحركات والحكومة، بخصوص مسار التنفيذ، حيث قدم كل طرف رأيه بشأن الأولويات. وقالت تنسيقية حركات أزواد، «أصل المشكل سياسي ويجب الإسراع في تنفيذ الورشة السياسية، ولا ينبغي هدر الوقت في الذرائع الأمنية ومكافحة الإرهاب». وأكدت الأرضية ،»أن الاتفاق يراعي انشغالات السكان، ولابد من الشروع في تنفيذ كل ما يتعلق بالإدارة المحلية». هذه الملاحظات أبلغت كلها للجنة المتابعة، وأخذت بعين الاعتبار، بحسبما ما صرح به وزير الدولة وزير الشؤون الخارجية والتعاون الدولي رمطان لعمامرة. النتيجة، اتفاق السلم والمصالحة يسير بوتيرة بطيئة، لكن الأهم الاستمرار في العمل على تنفيذه وإرساء قواعد متينة لسلام دائم للماليين. فعليا، حقق الاتفاق خطوة إيجابية معتبرة، الشهر الحالي، وذلك حين دخلت قوات «الغاتيا» المنضوية تحت لواء حركات الأرضية مدينة كيدال، دون إطلاق رصاصة واحدة وهو أمر كان مستحيلا حدوثه في السابق. وحتى المناخ المكهرب الذي ساد شوارع المدينة القريبة من الحدود الجزائرية، لم يدم طويلا، فمسؤولو الفصلين السياسيين، سرعان ما وقعوا على بيان مشترك من 8 نقاط، أبرز ما فيه «التأكيد على حل الخلافات بالحوار، التسيير المشترك للمدينة والارتباط الوثيق والدائم بالاتفاق المنبثق عن مسار الجزائر». وفتح الطرفان الباب على مصراعيه أمام عودة التعايش السلمي بين سكان المنطقة وممثليهم في الفعاليات السياسية والجمعوية. وذكرت مصادر إعلامية مطلعة، أن مفاوضات جارية مع الحكومة المالية قصد عودة الجيش المالي إلى كيدال. الإرهاب يضرب مجددا الهجوم في كيدال والحداد في غينيا. يمكن لهذا التعبير فقط، أن يعكس مدى مساهمة دول إفريقية في صناعة السلم في مالي، وما تقدمه من تضحيات من أجله. وقد كان الدور، الجمعة الماضية، على جنود غينيا، المتواجدين في قاعدة للبعثة الأممية لحفظ السلام في مالي (مينوسما). وخلف الهجوم الانتحاري على المركز، بشاحنة لجمع القمامة، 7 قتلى و25 جريحا، 10 منهم في حالة حرجة وتبنّته حركة أنصار الدين الإرهابية الهجوم. وتحدثت مصادر عسكرية بعين المكان أن السبب وراء هذا الاعتداء الدامي «يكمن في تواجد القاعدة بمدخل رئيس لكيدال، يعرقل بشكل كبير نشاط مهربي المخدرات والأسلحة عبر المناطق الحدودية». وتوالت هجمات الجماعات الإرهابية المتحالفة مع بارونات التهريب والجريمة المنظمة على مختلف المواقع العسكرية لبعثة الأممالمتحدة، منذ توقيع اتفاق السلم والمصالحة، ولم تستغ عودة هدوء مرتقب وقيام مؤسسات قوية للدولة، تحارب أنشطتها الإجرامية بالمنطقة.