حمّل المشهد الاقتصادي والمالي في الأسبوع الأخير مؤشرات جديرة بالتشخيص من أجل استيضاح معطيات الظرف الراهن المثقل بتداعيات الصدمة المالية الخارجية الناجمة عن انهيار أسعار المحروقات التي سجلت انتعاشا بعد إعلان موعد اجتماع كبار المنتجين وأوبك في 17 أفريل القادم بالدوحة لتكريس قرار تجميد الإنتاج عند الحد المسجل في جانفي الماضي. وفي الوقت الذي أظهرت فيه الإجراءات التي اتخذت للحد من الصدمة نتائج ايجابية من خلال اعتماد ترشيد النفقات العمومية وأحكام قانون المالية بإقرار زيادات في بعض المواد كالوقود والحد من استيراد عدد من المنتجات المتوفرة محليا ومن ثمة يمكن البناء عليها مسار تجاوز الأزمة، أعادت بعثة صندوق النقد الدولي التي تابعت خلال تواجدها بالجزائر في الأسابيع الأخيرة تطورات الوضع المالي دق جرس الإنذار في إشارة إلى أن هناك توقعات تنذر بالخطر في ظلّ توقعات باستمرار حالة تدني أسعار المحروقات. في هذا الإطار، فإن احتياطي الصرف بالعملة الصعبة فقد حصة معتبرة من موارده التي استعملت في تمويل العجز وبالتالي ضمان تمويل برامج الشق الاجتماعي من دعم للمواد الأولية الأساسية والتحويلات الاجتماعية واستكمال البرامج التنموية الموجهة للشريحة الهشة والمتوسطة الدخل مثل السكن والصحة والتعليم تماشيا مع جوهر الخيار التنموي للدولة القائم على توازن الفعالية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية انسجاما مع اقتصاد السوق الاجتماعي، بحيث سجّل انتعاشا للقطاع الصناعي العمومي مع انفتاح على القطاع الخاص الوطني والشراكة مع الرأسمال الأجنبي ضمن مشاريع إنتاجية خارج المحروقات بالأساس. تماشيا مع هذا النهج الذي يضع جملة من التحديات التي ترتبط بمصير الاقتصاد الوطني وجانب الأمن المالي منه بالخصوص برزت مؤشرات تبعث على التفاؤل وتجسد تعبيد الطريق أمام مسار بناء اقتصاد إنتاجي ومتنوع من أبرزها تكريس بعث قطاع النسيج الذي يتوفر على سوق تقدر بحوالي 4 ملايير دولار، مما يمنح المجال واسعا أمام المؤسسات والمستثمرين الجادين. ويوجد برنامج لإنعاش الوحدات الصناعية النسيجية المعطلة بالموازاة مع الحرص على تجسيد مشروع مركب النسيج بالشراكة الجزائرية التركية. وبالإضافة إلى ذلك، سوف يتعزز هذا القطاع إذا ما انخرط القطاع الخاص الوطني ، خاصة أعضاء منتدى رؤساء المؤسسات مثلما دعا إليه الأمين العام للاتحاد العام للعمال الجزائريين في هذه الديناميكية القائمة على النجاعة وانجاز النمو. مؤشرات ايجابية أخرى تمّ رصدها من خلال النتائج المالية لمؤسسة بيوفارم لصناعة الأدوية التي حققّت أرباحا تقدر ب 3,5 مليار دينار ورقم أعمال ب 37,2 مليار دينار. ولتنمية مكانتها في السوق توجهت إلى فتح رأسمالها بنسبة 20 بالمائة في إطار عملية بيع اللأسهم على مستوى بورصة الجزائر والتي امتدت من 13 إلى 23 مارس الجاري. ولعلّ الإجراء الأكثر دلالة على تكريس خيار الاعتماد على الإمكانيات الوطنية في مواجهة التحديات والتصميم على تجاوزها يتمثل في إعلان إطلاق عملية القرض السندي بداية من افريل القادم وفقا لما أعلنه الوزير الأول عبد المالك سلال كآلية بديلة للاستدانة الخارجية المحفوفة بالمخاطر. ويمتد أجل القرض السندي لمدة 5 سنوات بنسبة فائدة 5 بالمائة مما يعزز جذب اهتمام أصحاب الموارد المالية، خاصة وأن السندات غير اسمية وتمتاز بضمانات تطمئن أصحابها. غير أن هاجس الاستدانة الخارجية الذي بدأ يلوح في الأفق جراء أزمة انكماش الموارد المالية وجدية متطلبات النمو أحدث جدلا بين مؤيد ورافض، فيما يركز البعض على أن اللجوء إلى هذا الخيار الذي يشكل خطرا في المستقبل يكون وفقا لدراسة شاملة ويتوجه إلى الاستثمار المنتج في مشاريع ذات جدوى ونجاعة مع تعززي ترشيد النفقات وإصلاح النظام الضريبي وفقا لمعالجة توسيع الوعاء والعدالة في توزيع الأعباء تفاديا لشبح التقشف القاتل للتنمية. في هذا السياق، فإن التوجه قائم لتقليص تمويلات الاستيراد بنسبة 15 بالمائة هذا العام، خاصة وأن الفاتورة لم تتراجع كثيرا السنة المنصرمة سوى بحوالي 12 بالمائة ولذلك ينبغي الإسراع في تفعيل نظام رخص الاستيراد مع صرامة بنكية لا تعترض المبادرة الإنتاجية الحقيقة. ويندرج هذا المسعى في سياق تعزيز مكانة المؤسسة الجزائرية التي تجاوزت الجدل الإيديولوجي طالما أن الغاية في النهاية تحقيق التنمية عن طريق الاستثمار في كل القطاعات التي تملك فيها الجزائر أوراقا تنافسية تساعدها في تجاوز الصعوبات الراهنة وحماية حقوق الأجيال القادمة.