وجد مراسل صحيفة ذي إندبندنت في تقريره المطول أن العراق عبارة عن شعب يواجه الجفاف والصراع الطائفي والزحف نحو الثروات النفطية. ونقل مشاهد من بغداد توحي بتراجع الوجود الأمريكي، فقد انحسر حجم المنطقة الخضراء، وعاد الفندق الذي كان يعتقد سائقو سيارات الأجرة أنه كان مقرا للمخابرات الأمريكية إلى ممارسة أعماله الطبيعة. كما أن الإدراك بأن القوات الأمريكية ستخرج عسكريا من العراق بحلول 2011 يقلل من النفوذ الأمريكي هناك. ويقول المراسل باتريك كوكبيرن: ''إن القوات الأمريكية ستترك خلفها بلدا لا يعدو كونه حطاما عائما، فقد تمزق المجتمع والاقتصاد والمشهد العام إربا بسبب الحروب على مدى 30 عاما وكذلك العقوبات الدولية وأخيرا الاحتلال الأمريكي عام .''2003 فالحالة النفسية للمواطنين العراقيين والمشهد السياسي الجماعي لا يشكلهما فقط أعداد القتلى والجرحى التي تسقط شهريا أو حتى الوضع الأمني الحالي، بل ذكريات القتل الجماعي في الماضي القريب والخوف من تكرارها. وقال: ''إن العراق بلدٌ انغمس في الدماء لدرجة أنه يصعب تحقيق تسوية سياسية حقيقية بين السنة والشيعة، والعرب والكرد، والبعثيين وغير البعثيين، والمؤيدين والمعارضين للاحتلال الأمريكي.أحد العراقيين تساءل: كيف تتوقع من أناس يخشون العيش معا في شارع واحد أن يتوصلوا إلى اتفاقات سياسية، فالناس في بغداد اليوم أقل توترا وخشية مما كانوا عليه قبل ستة أشهر، ولكنهم ما زالوا يشعرون بالقلق والتشكيك، وهذا ليس غريبا -حسب كوكبيرن- على أناس عاشوا تجربة من هذا القبيل''. وقال: إن الشلل السياسي في قمة الهرم العراقي يعد انعكاسا للشكوك والكراهية التي تختلج في صدور المجتمع العراقي من الداخل. ولكنه استطرد قائلا: رغم أن العراقيين لا يكنون المحبة بعضهم لبعض، فإنهم لن يقدموا على الاقتتال. وأشار إلى أن العراق شهد حربين منذ ,2003 أولاهما انتهت وكانت بين السنة والشيعة، والأخرى ما زالت قائمة بين العرب والكرد، لا سيما أن الأكراد الآن يشعرون بالسخط لتراجع نفوذهم في الشمال في الوقت الذي تنسحب فيه القوات الأمريكية من العراق، وينظم العرب في الشمال أنفسهم وتتعاظم القوة السياسية لحكومة بغداد. غير أن الكاتب استبعد أن يشب قتال بين الكرد والعرب لأن الحكومة عبارة عن تحالف كردي شيعي تقلد من خلاله الكرد مناصب كبيرة في الدولة، ويحصلون على 17 ٪ من عائدات النفط. ثم تحدث كوكبيرن عن الجفاف وانحسار مياه دجلة والفرات،مما دمر حياة المزارعين الذين تحولوا إلى المدينة، وأصبحت بلادهم من أكبر الدول المستوردة للغذاء. أما الأمر الذي يعد الأكثر تدميرا للعراق فهو الانخفاض في إنتاج النفط من حقولها التسعة الكبرى بسبب الإهمال وسوء الاستثمار والإدارة. ورجح أن يكون استعراض القوة السياسية والعسكرية لأكبر دولة في العالم هو السبب الذي دفع أمريكا إلى غزو العراق بعد أحداث 11 سبتمبر ,2001 وليس النفط. ورأى أن قدرة العراق على التعافي من مأساة 30 عاما تعتمد على كم يجب أن ينفق من الأموال على مختلف مناحي الحياة الصناعية والاجتماعية وغيرها. وفي الختام قال: إن الكراهية والخوف اللذين يقسّمان العراقيين هما انعكاس لعقود من القتل، ولا يمكن تجاوزهما في جيل فقط، وأشار إلى أن استغلال واستخدام الثروة النفطية ليست هي الخيار الأفضل، بل ربما هي الفرصة الوحيدة لإعادة بناء بلد يرغب أن يعيش فيه الناس.