يرى الأستاذ عصام بن نكاع باحث في العلاقات الدولية بجامعة الجزائر 3 بأن تغيرات ستطرأ على المشهد السوري، في ظلّ السياسة الجديدة التي يرسمها القادم إلى البيت الأبيض، خاصة وأن إذابة الجليد وتذليل العقبات التي رسمها أوباما مع غريمه الروسي، سوف ترسم وفق أجندات جديدة لا تعرف التوتر بقدر ما تشهد التعامل والاتفاق حول المسائل المشتركة، في هذا الحوار يؤكد الباحث عصام بن نكاع مسار هذه الثنائية وأثرها على تطورات المشهد السوري الراهن. «الشعب»: تصريح الرئيس الأمريكي الجديد أكد على أن الحرب على الإرهاب ليست على نظام الأسد كيف تتوقعون الخارطة المقبلة بين روسيا والولايات . م .أ ؟ الأستاذ عصام بن نكاع: بداية يمكن القول، إن الرئيس الأمريكي المنتخب دونا لد ترامب قد جاء في ظلّ واقع دولي جد معقد في كل المجالات، حيث إن أجندة السياسة الخارجية الأمريكية مليئة بالتحديات نتيجة للإرث الثقيل الذي تركته إدارة أوباما. عكس الرئيس الأسبق باراك أوباما، فإن ترامب كرئيس دولة ليس معروف وشخصيته غامضة، حتى إن سلوكاته وتصريحاته لا يمكن فهمها ببساطة، لذلك لا يمكن توقع ما سيجرؤ على فعله، خاصة أن خطاباته كان يميزها التشاؤم والواقعية. من جهة أخرى، فإن الرئيس الأمريكي الجديد ركز في حملته الانتخابية على إخفاقات سابقه باراك أوباما. أما بخصوص شؤون السياسة الخارجية الأمريكية، خاصة ما يتعلّق بروسيا، فإنه ترامب أكد على ضرورة إعادة بناء علاقات متينة وطويلة الأمد مع روسيا، والأهم من ذلك هو بناء شراكة اقتصادية والعمل المشترك على مكافحة الإرهاب الدولي، وذلك في إطار الاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية. إذا كان الأمر كذلك، فإن الملف السوري سيكون تحصيل حاصل، باعتبار أن روسيا هي من ترعى نظام الأسد، وعليه فقد يكون هناك تعاون امريكي - روسي لإيجاد حل للمأزق السوري، وهو ما سيكون في صالح كل الأطراف. أما إن كان العكس فإن كل عمل ضد النظام السوري سيعتبر عدوان على سوريا، ويزيد من تعقيد الوضع. اعتمدت سوريا على نموذج المقاومة نفسه الذي تبنته الجزائر كخيار في حربها على الإرهاب ما تفسير ذلك؟ مما لا شك فيه أن التجربة الجزائرية في مجال مكافحة الإرهاب هي تجربة رائدة، وعليه فإن مكافحة الإرهاب ثم المصالحة الوطنية هي علامة مسجلة باسم الجزائر في العصر الحديث، وأنموذج يحتذى به، لأن الجزائر من بين الدول في العالم التي عانت من الإرهاب، وأثاره، وهذا في إطار الإستراتيجية المحكمة التي انتهجتها الجزائر، من خلال العمليات العسكرية في الواقع والانتقال إلى الحل السلمي من خلال برنامج المصالحة الوطنية. وعليه، فإن سوريا اليوم تعيش نفس المأزق الذي عاشته الجزائر، ولذلك فالنظام السوري اليوم يستوجب عليه أن يمر بمراحل مهمة من أجل إيجاد تسوية نهائية للازمة اقتداءا بتجربة الجزائر. لأن الخيار الأمثل للشعب السوري اليوم هو التفكير في المستقبل، وتغليب مصلحة الدولة والجماعة، تجاوز الحساسيات والتخلي عن المخططات الخارجية التي تغذي النزاع وتزيد من الدمار في سوريا. حلب الآن نقطة تحول في المشهد السياسي والأمني السوري هل تحرير المحافظة سيضع للحرب أوزارها؟ حلب كانت سابقا قطبا اقتصاديا مهما في سوريا، ناهيك عن الأهمية الجيوستراتيجية التي تكتسيها، أصبحت عاصمة المعارضة المسلحة ومختلف الجماعات المسلحة التي تتحصن فيها، وكذا تعتبر حلب التي تجاور الحدود التركية هي مجال الدعم اللوجيستي والإسناد لجبهة النصرة وداعش الارهابي ومختلف التنظيمات. اليوم حلب هي النقطة الساخنة والمنطقة الأكثر مواجهة بين النظام والجماعات المسلحة. تحرير حلب عسكريا معناه قسم ظهر التنظيمات الإرهابية إضافة إلى سيطرة النظام على المنطقة الممتدة من الحدود السورية مرورا بمحافظة حلب إلى دمشق يمهد الطريق الى تحرير الرقة معقل تنظيم داعش الارهابي. وحسم الحرب في القريب العاجل. انتخاب رئيس جديد للبنان هل يؤثر على راهن العلاقات بين البلدين، أم أن هناك قراءات أخرى؟ أولا: يجب أن ننوّه إلى أن أمن لبنان هو من أمن سوريا، فحالة الحرب في سوريا كانت لها تأثيرات أمنية إقليمية ودولية. ثانيا، الرئيس اللبناني القادم - في كل الحالات سواء كان من المقربين من النظام السوري أم من المعارضين له - سوف يجد نفسه مجبر على العمل مع إدارة دمشق لتسريع إيجاد حل للأزمة السورية، نظرا للتواجد اللبناني ممثلا في حزب الله في أرض المعركة إلى جانب النظام، ونظرا للعدد الهائل من السوريين الذين فروا من جحيم الحرب إلى لبنان، أعتقد أن طبيعة الواقع المعقد هي التي تفرض على البلدين التعاون المشترك من أجل الخروج من الوضع الفضيع الذي يشهده البلدين. فشل المعارضة في حشد دولي وعودة جماعات النصرة إلى خارج الحدود التركية، هل هي هزيمة أم جسّ النبض لاسترجاع الأنفاس أمام الضربات الروسية؟ صحيح أن التنسيق العسكري السوري الروسي والضربات المكثفة كانت موجعة للمعارضة، أسهمت بشكل كبير في ترجيح الكفة لصالح النظام، مما جعل المعارضة المسلحة تتكبد خسائر فادحة، وتفقد العديد من المناطق إضافة إلى الخسائر البشرية والعسكرية زادها تأزما قطع طرق الإمداد من طرف النظام وحلفاءه. التدخل العسكري الروسي قسّم ظهر الجماعات المسلحة، جعل النتائج على الأرض تصب في صالح النظام. في انتظار الحسم وما تخبرنا به الأيام القادمة. ما قام به داعش الإرهابي في تدمير ونهب حضارة العراق وتدمير كل المتاحف وكل ما له علاقة بالتاريخ السيناريو نفسه تكرّر في سوريا هل تعتقدون هو مشروع مشترك أم أفعال متفرقة؟ ما قامت به داعش الإرهابي من تدمير للآثار القديمة والمتاحف هو تدمير للحاضر والماضي والمستقبل، تدمير للآثار هو تدمير لذاكرة الشعوب وللحضارة الإنسانية، لأن كل ما ورثناه عن الأوائل هو إرث إنساني أكثر، مما يمكن حصره في تاريخ العراق أو سوريا، فهو لا شك عمل مقصود وموجّه يستهدف القضاء على الهوية والتاريخ العريق الذي يعود لقرون ما قبل الميلاد المتمثل في حضارة بلاد الرافدين وما تلاها، كذلك تكرر الأمر في سوريا من خلال هدم المعالم التاريخية، وهدم حتى الرموز الدينية كالمساجد التي بناها الصحابة والكنائس لتأجيج النزاع الطائفي والديني، وهدمت حتى القصور والمباني التي ترمز للفكر والرقي التي كانت تلتقي فيها الوفود من كل بقاع الأرض، وتبرم فيها الاتفاقيات، وتعقد فيها المناظرات ويتسابق فيها الشعراء والأدباء، ويتفاخر فيها الملوك. العملية إذن، هي مشروع واعي وليست أفعال متفرقة عفوية أو بالصدفة، وهي كارثة وعمل بربري بما تحمله الكلمة من معنى، ويحدث هذا في ظلّ صمت المجتمع الدولي؟؟ كيف تتصورون المشهد السوري على الأرض،معارضة داخلية ونظام قائم ويقاوم في نفس الوقت؟ من خلال ما سبق، ومن خلال ما نشاهده ونتابعه يوميا، فإن الأمر جد معقد، لكن ترجيح الكفة يسير لصالح النظام الذي استعاد توازنه، وأصبحت له خبرة في تسيير الأزمة، من جهة أخرى، فإن الأمر لا يقتصر فقط على ثنائية النظام - المعارضة بل للأسف فإن المعارضة التي تتكون من أبناء الشعب السوري تغذيها أطراف خارجية، قد خرجت عن مضمون ما تحمله الكلمة من معنى، تحالفها مع التنظيمات الإرهابية المتعدّدة الجنسيات المختلفة لقتال النظام أفقدها شرعيتها، كما أن التدخلات الخارجية في النزاع زاد الأمر تعقيدا، كل هذا لما تمثله سوريا من أهمية استراتيجية في الشرق الأوسط. جعل سوريا تكون مسرحا لحرب عالمية مصغرة. ختاما يمكن القول، إنه مهما بلغت الأمور ذروتها يبقى الأمل قائما للإخوة السوريون من أجل إعادة النظر في الواقع والتفكير في مصلحة البلد وبناء مستقبل مشرق يقوم على المصالحة الوطنية وتبجيل مصلحة الدولة. ولا مجال لإضاعة الوقت والمزيد من الخسائر، لأن سوريا بلد السلام والحب والأمان والحضارة والتاريخ، لا تستحق ما هي عليه.