بعد انتظار طويل، وضع الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند حدا لتكهنات الصحافة والمحللين السياسيين بشأن ترشحه أم لا في الانتخابات الرئاسية المقبلة، حيث أعلن في كلمة متلفزة مساء الخميس أنه لن يترشح لولاية رئاسية جديدة في الاقتراع الرئاسي المقرر الربيع القادم . بهذا يكون هولاند، الذي سينهي عهدته الرئاسية في ماي 2017، الرئيس الأول الذي يرفض الترشح لولاية ثانية منذ العام 1958، و هو بهذا القرار يكون قد فتح الباب أمام رئيس حكومته مانويل فالس للترشح لسباق الاليزي باسم الحزب الاشتراكي. وقد اهتزت الطبقة السياسية الفرنسية لقرار الرئيس فرانسوا هولاند، وفي الوقت الذي أشاد به اليسار، لاسيما كوادر الحزب الاشتراكي الحاكم معتبرا أنه يساعد اليسار على “تحضير مستقبله”، فقد وجه اليمين المعارض انتقادات لولاية هولاند، واعتبر أن إعلانه عدم الترشح لولاية ثانية تأكيد لفشل ولايته الأولى . الأسباب التي دفعت إلى هذا القرار يبدو أن الرئيس الفرنسي فكر كثيرا قبل أن يتخذ هذا القرار “الصعب” والذي يعد الأول من نوعه في تاريخ الجمهورية الخامسة، مصغيا إلى عدد من أقاربه ورفاقه الذين نصحوه بعدم الترشح لأن “الظروف السياسية أصبحت غير مؤاتية له” وأن استطلاعات الرأي تنبأت بخسارة فادحة ومهينة في حال ترشحه. والظاهر أن الأمر الذي اقنع هولاند بعدم الترشح، هو خوفه من عدم تجاوز عقبة الانتخابات التمهيدية التي ستجري مطلع العام المقبل، فجميع استطلاعات الرأي تشير إلى احتلاله المرتبة الأخيرة (حوالي 7 بالمئة من الأصوات) مقارنة بجميع المرشحين الآخرين وفي مقدمتهم مانويل فالس وأرنو مونتبور. إضافة إلى ذلك تصريحات فالس المتكررة التي جرحت كثيرا هولاند، ففي حوار مع جريدة “لوجورنال دو ديمنش” الأحد الماضي قال فيه “سأتخذ قراري بكل مسؤولية “، منتقدا في الوقت نفسه بعض تصريحات هولاند في الكتاب الذي صدر مؤخرا تحت عنوان “ الرئيس لا ينبغي أن يقول هذا”. وعلى ضوء هذه التطورات وبعد أن قام باستشارة مقربين منه مثل صديقته السابقة سيغولين رويال وأولاده ورفيقته جولي غايي وصديقين حميمين وهما المحامي جان بيار مينيار والسكرتير العام للإليزيه جان بيار جوييه، قرر هولاند أخيرا عدم الترشح مرة ثانية. فرصة لجمع شمل اليسار ويبسط قرار الرئيس فرانسوا هولاند للحزب الاشتراكي واليسار الفرنسي الطريق لاستجماع قواه والدخول في مرحلة جديدة، ببرنامج سياسي قوي، يحمل كل الإمكانيات التي بمقدورها منافسة البرنامج السياسي لمرشح اليمين فرانسوا فيون. هذا، مع اختيار الشخصية السياسية المناسبة التي تتوفر على الطاقة والقوة الكافيتين لشرح وتفسير هذا المشروع للفرنسيين، وإقناعهم بجدواه وبالتالي التصويت لصالحه. وأتى قرار الرئيس الفرنسي أيضا في هذا الاتجاه، كما عبر عن ذلك هو بنفسه، حيث صب القرار أيضا في منحى جمع شمل اليسار، ومنحه قوة جديدة نظرا للمرحلة الصعبة التي يمر بها، والتي أثرت كثيرا على شعبيته أمام يمين قوي ترشحه كل استطلاعات الرأي للفوز بالانتخابات الرئاسية المقبلة. اليمين المعارض يرد بقوة وكان رد فعل اليمين الفرنسي المعارض على قرار الرئيس هولاند قويا، واعتبر أحد كوادره أن قرار هولاند هو “اعتراف رهيب بفشل ولايته التي مثلت تراجعا كبيرا بالنسبة لفرنسا”، يقول برنار أكويي على تويتر. واعتبر حزب “الجبهة الوطنية”، وهو ممثل اليمين المتطرف في فرنسا، أن رئيس الوزراء الفرنسي مانويل فالس يتقاسم مع الرئيس فرانسوا هولاند الحصيلة الضعيفة لولايته الرئاسية، محاولا بذلك قطع الطريق مبكرا على فالس الذي يتمتع بشعبية كبيرة وسط اليسار. وكان هولاند انتخب رئيسا عام 2012 بمواجهة نيكولا ساركوزي، وهو بات الرئيس الأول الذي يرفض الترشح لولاية ثانية منذ العام 1958. وأعطت آخر استطلاعات للرأي هولاند أقل من عشرة بالمئة من نوايا التصويت خلال الدورة الرئاسية الأولى. وساهم تردده بالإعلان عن نيته الترشح أو عدم الترشح في تحفيز مرشحين يساريين على الإعلان عن ترشحهم. وكان الرئيس الاشتراكي هولاند واجه معارضة شديدة حتى داخل معسكره خصوصا مطلع العام الحالي بسبب مشروع إصلاح قانون العمل ما دفع آلاف المتظاهرين إلى النزول إلى الشارع احتجاجا. وتخللت ولاية هولاند عمليات عسكرية عدة في مالي وإفريقيا الوسطى والعراق وسوريا، إلا أنها شهدت أيضا أسوأ هجمات ارتكبت في فرنسا منذ الحرب العالمية الثانية أدت إلى مقتل 238 شخصا. حظوظ فالس تتعزّز أظهر استطلاع للرأي، امس الجمعة، أن الناخبين الفرنسيين يرغبون في فوز رئيس الوزراء، مانويل فالس، بترشيح الحزب الاشتراكي لخوض الانتخابات الرئاسية في العام المقبل. ويدعم فالس إلى حد كبير الميول المؤيدة لقطاع الأعمال، مما دفع الكثير من الناخبين اليساريين إلى أن يديروا ظهورهم لهولاند بعد أن أوصلوه إلى السلطة عام 2012. وأظهر استطلاع الرأي الذي أجرته مؤسسة (هاريس إنترآكتيف) بعد إعلان هولاند أنه لن يترشح لولاية ثانية، أن غالبية المشاركين يريدون أن يفوز فالس بالانتخابات التمهيدية للحزب الاشتراكي في جانفي. وأيد 24% من الناخبين المشاركين ترشيح فالس في مقابل 14 في المئة لمنافسه الصاعد، آرنو مونتبورغ، في حين قال 47% إنهم لا يريدون أيا من المرشحين الثمانية الذين طرحت أسماؤهم في الاستطلاع.