مؤلفاتي سرد لحكايات إنسانية، أحلام وصور تؤرق الضمير الأديب الناجح هو الذي يستطيع لمس الجرح ولا يجمّل الحقائق أغلب دور النشر الجزائرية هدفها تجاري لا أكثر واقع الروائيين الشباب في الجزائر متعب حيث لا يجدون دعما وتحفيزا روايتي «المتحرر من سلطة السواد» ستتحول إلى فيلم سينمائي قصير يرى الكاتب عبد المنعم بن السايح أنه ما زال في أولى خطوات الإبداع الروائي، يحبو ببطء نحو لغة وفكر استثنائي غير مستهلك. يعتبر ابن مدينة تڤرت بورڤلة أن القارئ هو السلطة الوحيدة التي لها كل الحق لتقييم عمله، فهو المحكمة العادلة التي لا تجمّل الحقائق، ولا تؤمن بالتلميق. ويشير بن السايح إلى أن أغلب كتاباته تحمل المسحة الإنسانية التي باتت مغيبة، وأنه مهتم بالمواضيع التي تمس المجتمع الفلسطيني، الذي فيه الكثير من الحكايات الإنسانية التي يجب سردها خاصة بغزة، حيث الأحلام والصور التي تؤرق الضمير. ويعتقد بن السايح أن الجوائز والتكريمات لا تضيف شيئا للكاتب، بل هو الذي يضيف لها أشياء، لكنه يعترف في نفس الوقت كروائي شاب أن هناك تكريمات ومسابقات تدعم الكاتب أكثر من أجل الظهور، بعد أن كان صوته مغيبا، واسما مهمشا في عالم الأدب. بالنسبة إليه الروائي الناجح هو الذي يستطيع لمس الجرح، ولا يجمّل الحقائق، يشد القارئ من أول صفحة لكتابه، يربكه ويدهشه ويغرقه في عالم الجمال. التفاصيل في هذا الحوار الذي أجرته معه «الشعب». كيف كانت بداياتك مع الرواية والكتابة، وما الذي جذبك نحوهما، هل هو حلم الطفولة أم للمحيط والعائلة دور في توّجهك إلى هذا العالم الفسيح ؟ الكاتب عبد المنعم بن السايح: حلم الطفولة؟!، نعم إنه كذلك.. كبرت فكبر شغفي للكتابة الروائية أكثر، لا أخفي عليك في طفولتي عندما كنت أقرأ لأحلام مستغانمي أو واسيني الأعرج أو إبراهيم نصر الله ولباولو ولغيرهم أشعر بالغيرة، كنت أود أن أكتب رواية واحدة فقط تحمل حلمي، وجعي، والقضايا التي تشغلني، والأكثر من هذا تحمل ذاكرتي. كانت بدايتي الأولى مع الرواية بداية خجولة، كتبت الكثير من النصوص كبدايات لرواية ما، ولكن ما ألبث حتى أمزقها وأرميها في سلة الفشل، فقد كان نفسي السردي قصير، وبعد نضوجي نسبيا أدبيا طبعا من خلال المطالعة جرّني الشغف لكتابة عمل روائي وكان أول عمل كتبته لم ينشر لحد الآن بعنوان: «السفر في ماء الحلم» هذا النص الذي توّج في مسابقة «حورس الإسكندرية للرواية العربية» بالمرتبة السادسة دوليا، في الحقيقة لم أجد من يدعمني في بداية طريقي، لم أجد أحد يوّجهني في بداياتي، كنت أكتب بعفوية، وأسعى أن أظهر أمام القارئ ولكن جهدي كان يذهب هباء، لدرجة أني قررت التوقف، لكني لم أستطع فالكتابة إدمان لا خلاص منه، الكاتب في بداياته عرضة للإحباط، والساحة الأدبية لا تعترف بالكاتب إلا إذا اعترف به الناقد والقارئ. ماهي العوائق التي اعترضت مسارك الأدبي ؟ هناك الكثير والكثير التي تعرضت لها، لا يمكن لحوار محدود أن يلمها، ولكن في كل عائق أو صعوبة أواجهها كنت أتأسس فكريا ومعنويا، لولا هذه العوائق ما نضجت أدبيا، دائما ما كنت أشكر في نصوصي الوجع لأنه يعود له الفضل في بنائي لهذا كتبت مرة: «إن لم تستطع أخذ شيء، فعش طوال عمرك تحلم بكسبه، عش على قيده حتى يتحقق، أفضل من أن تعيش عقدة فقده للأبد»، من الصعوبات التي أواجهها هي صعوبة «النشر الورقي» وأظنها صعوبة مشتركة بين أغلبية الكتاب الشباب، فدور النشر الجزائرية باتت ترفض الأعمال الروائية الشابة، فهدف أغلبها تجاري لا أكثر، ولولا وجود العالم الأزرق «الفايسبوك» والإعلام لمات المبدع بصمت، زد إلى هذا غياب النقد للروايات الشابة، فكما نعلم أن النقد يؤسس ويدعم الكاتب لأنه يسلط على عيوب وجماليات النص، لكن النقد في الجزائر أصبح «زيتنا في دقيقنا»، نفس الأسماء يوجه لها التلميع النقدي، نفس الأسماء تدرك نصوصها في الجامعات والكاتب الشاب أصبح عرضة للتهميش! كيف تقيّم الأعمال التي أنجزتها لحد الآن، وصداها عند القارئ الجزائري والعربي ؟ بصراحة لا أستطيع تقييم نفسي لأني ما زلت في أولى خطوات الإبداع الروائي، ما زلت أحبو ببطء نحو لغة وفكر استثنائي غير مستهلك، ولكن السلطة الوحيدة التي لها كل الحق لتقييم عملي هي القارئ، فهو المحكمة العادلة التي لا تجمّل الحقائق، ولا تؤمن بالتلميق، وتقييم القارئ يتجلى في مدى متابعته لك، وطلبه الجديد بعد كل عمل، ينتظر بلهفة وشوق كل نصوصك، وينشرك في كل الأمكنة (المنتديات، المواقع، والصفحات الثقافية)، والحمد لله يتابعني قراء يؤمنون بكل شيء أكتبه، وقد وصلت صفحتي على «الفايسبوك» منذ عامين من انطلاقها إلى 44 ألف متابع، زد إلى هذا القارئ الجزائري والعربي أصبح ذكيا، لا يستقبل في مكتبته أي عمل، فإن لم يعترف بك القارئ لا مكان لك للمجد في عالم الأدب والجمال، إزرع أدبا تقطف حبا. هل هناك ضوابط وقيود تضعها لكتاباتك؟ كل من قرأ نصوصي يتهمني بالتمرّد، ولكن أحيانا أستغرب لأني لا أرى سيمات التمرّد ظاهرة في أعمالي، حتى التمرّد الذي أكتبه هو تمرّد جمالي رمزي وهذه هي غاية الأدب، معالجة القضايا الإنسانية بلباقة، مرة أقرأ تعليق من قارئ فلسطيني يدعى «نزار العجبي» تذكرته ونحن نتحدث عن سيرة التمرّد، قال: «كتاباتك تكسر الطابوهات، تخلع الخمار عن كل عُرف يمارس عهره في الخفاء، كتاباتك يا عزيزي متمرّدة، لكن متمرّد بلطف مفخّخ».. أعجبني تعبير التمرّد بلطف مفخّخ! لأنها الحقيقة، أنا لا أؤمن بالقيود في الكتابة ولكني لست حرا، فقدر الكاتب العربي أن يكون مقيدا، فإن فاحت منه رائحة التمرّد طاردته شرطة الآداب وكأنه مارس فعل فاضح في طريق عام، يمكنني أن أقول كسر سيمات السرد القديمة، ولكني لم أكسر الجدار الذي يمنعني من التفكير بحرية. ماهي المواضيع التي تستهويك أكثر؟ وهل للطابوهات والجرأة مكانة في كتاباتك؟ شخصيا أنا مهتم بالمواضيع التي تمس المجتمع الفلسطيني، فهناك الكثير من الحكايات الإنسانية التي علينا أن نسردها وخاصة في غزة، هناك أحلام وصور تؤرق الضمير، أغلب كتاباتي تحمل المسحة الإنسانية، فالإنسانية باتت مغيبة لا عيب أن نبعثها في نصوصنا كي نجعل القارئ يحاكم نفسه بنفسه، كتاباتي ليست جريئة لحد فاضح، الجرأة حلم كل كاتب وهي في متناول أغلب الكتّاب، ولكن هل القارئ المعاصر سيتحمل جرأتنا؟! كيف تقرأ واقع الكتاب والروائيين الشباب في الجزائر؟ وما هي نظرتك لراهن الكتابة الأدبية بها ؟ واقع الروائيين الشباب في الجزائر واقع متعب، فالروائي الشاب لا يجد دعما ولا تحفيزا، والفن الذي يقدمه أعني الرواية فن استثنائي، صعب ومتعب، إن لم نحفز الروائي ونهيّئ له الظروف الملائمة للإبداع فلن يعطي أكثر. الروائي الشاب يدعم نفسه بنفسه، يعبد طريقه لوحده ليمضي قدما نحو النجاح. أما راهن الكتابة الأدبية ببلادنا جيد، فهناك الكثير من الأقلام الواعدة ولكن لم تجد التربة الخصبة لتنبت أدبها، لهذا نجد الكثير من الروائيين الشباب انزاحوا إلى دول أخرى خاصة في المشرق لتتبناهم أدبيا. هل سنرى يوما عبد المنعم بن السايح يكتب بالفرنسية؟ وما رأيك في الروائيين الذين يكتبون باللّغتين الفرنسية والعربية؟ برغم حبي للأدب الفرنسي، وللأقلام الجزائرية والمغاربية التي تكتب باللغة الفرنسية، لكن لا أعتقد أني سأكتب يوما بالفرنسية، ورأيي في الكتاب الذين يكتبون باللغة الفرنسية واللغة العربية هم كتاب متوازنون ثقافيا، فأغلب الكتاب الذين أعرفهم يكتبون باللغتين أتقنوا وأبدعوا في عملية السرد، ونضرب على سبيل المثال الروائي أمين الزاوي. لدي رغبة جامحة للكتابة باللغة الفرنسية ولكن لم أقرر لحد الآن متى سيكون ذلك، ولا أعتقد حاليا أني سأكتب بها. ما الذي تضيفه التكريمات والجوائز والمسابقات الأدبية للروائي؟ لا تضيف شيئا، بل الكاتب هو الذي يضيف لهذه التكريمات، هذا ما يقوله الذين شبعت سيرتهم الذاتية من التكريمات والتتويجات والفتوحات الأدبية، لكن لدي وجهة نظر مستقلة بحكم أني روائي شاب في أول طريقه، هناك تكريمات ومسابقات تدعم الكاتب أكثر من أجل الظهور بعد أن كان صوته مغيبا، واسما مهمشا في عالم الأدب، مثلا يعود الفضل لظهوري كاسم روائي في الساحة الأدبية الجزائرية إلى المسابقة الوطنية للرواية القصيرة الطبعة الثانية التي نظمتها الرابطة الولائية للفكر والإبداع لولاية الوادي، حيث فازت روايتي «المتحرر من سلطة السواد» بالمرتبة الثانية وطنيا، من هنا بدأت مسيرتي كروائي، ومن خلال هذا التتويج عرفني القارئ الجزائري والعربي، وعرفني الناقد بعد أن تجاهلني وأنا هاو مازلت أتعثر في السير على ناصية طريق الإبداع.. ثم دعمتني أكثر جائزة «حورس الإسكندرية للرواية العربية» بمصر، حيث نالت روايتي «السفر في ماء الحلم» المرتبة السادسة دوليا، ومن خلالها عرفني الإعلام والقارئ والناقد معا، صحيح أنه يوجد بعض التكريمات والجوائز من أجل «البلبلة الإعلامية» التي تجعل من المبدع رقما لسد النقص لا أكثر، ولكن ما يحزنني في الأمر أن الجائزة أصبحت هم وشغل المبدع العربي، أصبح يبدع من أجل الكسب لا أكثر، وكل هذا على حساب النص، لهذا شاعت الرداءة في الوسط الروائي لفرط التسرّع في السرد من أجل الانضمام لمنافسة ما. في رأيك ماهو الروائي الناجح؟ الروائي الناجح هو الذي يستطيع لمس الجرح، ولا يجمّل الحقائق، هو الذي يشد القارئ من أول صفحة لكتابه، يربكه ويدهشه ويغرقه في عالم الجمال.. الروائي الناجح هو الذي استطاع خلق أسلوب متفرد يعرف به، متجدد غير مقلد، هو الكاتب الذي يقاوم بنصه الهشاشة ويبعث الأمل في نفوس القراء، هو الذي يستطيع إخراج القارئ العربي الذي أرهقته الحروب من دوامة الدم والخراب، الروائي الناجح الذي يحمل في متونه الروائية قضية ويكون عنصرا حيا في التاريخ، يصوّر الأحداث من زاوية صادقة فهو مرآة عاكسة للحقائق. الروائي الناجح هو الذي يطرح في أعماله سؤال ويترك ضمير القارئ حق الجواب عليها، إذ يضعه في مواجهة نفسه، فالرواية تساؤل طويل وعميق يشغل الإنسانية. هل ترى أن هناك صراعا بين أجيال الروائيين في الجزائر ؟ نعم هناك صراع، فبعض الأصنام الأدبية لم يتركوا مجالا للكاتب الشاب بالظهور، ولكن كما قلت سابقا القارئ هو الحكم الوحيد في الحلقة الإبداعية، وهو الذي يميّز بين الجيد والرديء، ليت الصراع يكون أدبيا وليس صراعا من أجل الترّبع على عرش الأدب، لقد ولى زمن الصراعات من أجل الكرسي «الشيء المادي»، وجاء زمن الصراع من أجل كسب روح القارئ الشغوف. لمن يقرأ عبد المنعم بن السايح ؟ وما هو آخر كتاب قرأته؟ أحب قراءة الأدبين الروسي والياباني لأني ألمس فيهما عمق وفلسفة، وأكثر من هذا يهتمان بالجانب الإنساني اللامرئي، وكثيرا ما تحفزني النصوص المتعبة التي لا تعطي الفكرة طازجة للقارئ، بل تجعله يفكر وبعمق. أكملت للتو من قراءة رواية «أخرج من جيبه قصيدة» لمنجية إبراهيم، والآن أنا أقرأ رواية «تانغو طوكيو» للكاتبة اليابانية ريكا يوكوموري. بعيدا عن الكتابة، ماهي هواياتك واهتماماتك الأخرى ؟ مهتم كثيرا بالمسرح كتابة وإخراجا، أعشق الطبخ، وهوايتي المفضلة القراءة وسماع الموسيقى خاصة معزوفات ريتشارد كليدرمان، شوبان، يانيه، والموسيقى الفارسية المعاصرة. مشاريعك وطموحاتك المستقبلية؟ طموحي أن أكون الروائي المناسب في المكان المناسب، وأن أكون صادقا في كل كتاباتي. أما مشاريعي المستقبلية ستصدر رواية «حبيبتي زانية» عن دار شهرزاد للنشر والتوزيع بالأردن، وسيتم عرض مسرحية «جنون الجماد يتحدث» في مدينة عنابة، ستعرضها فرقة «أصداء المسرح الشبابي»، وقريبا ستتحول روايتي «المتحرّر من سلطة السواد» إلى فيلم سينمائي قصير، يقوم بعملية كتابة السيناريو الكاتب الفلسطيني مصعب أبو عوض. ما نصيحتك للروائيين والكتاب الشباب بصفة خاصة والشباب بصفة عامة؟ نصيحتي للكتاب الشباب أن يستمروا بالعطاء الإبداعي، ولا ينتظروا دعما وتحفيزا من أحد، هناك الكثير من الكتاب ظلمهم عصرهم، لكن التاريخ مجّد نصوصهم، ونصيحتي للشباب أن يحرسوا بعيونهم وقلبهم الجزائر، هذا الوطن الذي ليس لدينا وطن سواه، هو المسكن، الملجأ، المأمن، والمعبد، هو كل شيء.. الجزائر تظل بخير مادام يسكنها شباب واعٍ يفكر. بماذا يختم عبد المنعم بن السايح حوارنا هذا ؟ الكتابة ماء الروح، منها نروي غيرنا من عطشهم الفكري والروحاني.. شكرا لجريدة «الشعب» على هذا الحوار الذي من خلاله بُحتُ بالكثير من المشاكل والانشغالات التي تؤرقني ككاتب، أتمنى لكم عاما سعيدا، مثمرا بالنجاحات، أتمنى لكل أقلام وأصوات جريدة «الشعب» عاما رائدا، للجزائر السلام، وللعرب كافة. بن السايح في سطور يعيش على حلم، أمل.. شاعر في البدء، حلّق بأجنحة الرؤيا، وعندما وجد بيت الشعر وسقفه لا يكفي أحلامه، انزاح إلى إمبراطورية أوسع تدعى «الرواية»، ليسرد التفاصيل والقضايا والانشغالات التي تؤرقه، وتؤرق مجتمعه.. ولد بمدينة تڤرت ولاية ورڤلة عام 1990 في شهر كئيب الملامح بارد العواطف، لكنه مثلج النجاح، لأنه كان شهر نجاحه، إنه ديسمبر هذا الشهر الذي صدرت فيه كل أعماله الروائية، الشهر الذي وقّع فيه عقود النشر وأيضا هو شهر التتويج. خريج أدب عربي من جامعة قاصدي مرباح بورڤلة، صدرت له لحد الآن رواية «المتحرّر من سلطة السواد» الصادرة عن منشورات مديرية الثقافة لولاية الوادي، ورواية «بقايا أوجاع سماهر» الصادرة عن منشورات مديرية الثقافة لولاية ورڤلة، وعمل روائي آخر آتٍ قريبا يصدر عن دار شهرزاد عمان بالأردن. كاتب عمود صحفي أسبوعي بجريدة «الجديد» من 2013 إلى 2015، بعدها توقف بسبب انشغاله بالبحث العلمي والكتابة الروائية والمسرحية.. بمختصر القول عبد المنعم إنسان حالم، طموح، ذو روح أدبية لا تكثرت بالماديات ولا يجرها الاشتهاء.