الصحافة حرية ومسؤولية حالة من التأثر البالغ بدت على وزير الاتصال حميد ڤرين، إثر فقدان عضو مجلس الأمة والقيادي في التجمع الوطني الديمقراطي ميلود شرفي، الذي رحل عنا في صمت بعد صراع مرير مع المرض. ظهر هذا جليا للحضور بالندوة التكوينية للصحافيين المنظمة من قبل الوزارة الوصية لمرافقة أهل مهنة المتاعب في التسلح بالاحترافية في تقديم معلومة مؤسسة تستند إلى نقاء الضمير وأخلاقيات الوظيفة بعيدا عن التهويل والإثارة . وقال حميد ڤرين بنبرة حزن وأسى معيدا ما ذكره في افتتاح الاجتماع المشترك بين المنسقين الإذاعيين والتلفزيونيين ومهندسي الاتصال وتقنييه : « فقدنا هذا الصباح صديقا عزيزا ممثلا في ميلود شرفي الذي عرفته صحافيا رياضيا في البداية قبل التدرج في المهام والمناصب والمسؤوليات أداها بموضوعية عالية ومهنية واستقامة في مهنة الإعلام. وذكر الوزير بخصال المرحوم الذي بدأ حياته الإعلامية صحفيا في وكالة الأنباء بالقسم الرياضي قبل التحاقة بالتلفزة حيث ظل في نفس التخصص . وبعدها اندمج في السياسة عقب توليه منصب نائب بالمجلس الشعبي الوطني ممثلا عن الأرندي ناطقه الرسمي حتى بلوغ منصب عضو مجلس الأمة في قائمة الثلث الرئاسي بعد رئاسة سلطة ضبط السمعي البصري. وشدّد ڤرين خلال الندوة التكوينية التي نشطها البروفيسور مارك فرانسوا بارنيي المختص في أخلاقيات مهنة الصحافة بجامعة أوتاوا الكندية على أهمية هذه الدورات التي تؤطر الصحفي وتزوده بأبجديات فنيات التحرير وقواعد المهنة السليمة المؤمنة لها من الانحراف داعيا إلى المزيد من التقدم دون التوقف عند ما سجل والادعاء ببلوغ الهدف والغاية. وقال قرين داعيا الصحافيين إلى تقييم ذاتي لمسارهم ونشاطهم والتحرر من الاعتقاد الراسخ ببلوغ المقصد قائلا «من يتحكم في روحه وأعصابه يتحكم في العالم». من هنا جاءت أهمية ربط حرية الصحفي بالمسؤولية التي تفرض عليه إحداث التوازن في هذه المسألة دون الانسياق المفرط في الجري وراء أي شيء وتدوين أي خبر بداعي اكتشاف الحقيقة المطلقة والسبق الصحفي. وهي عجالة كثيرا ما تسقط الصحفي في فخ التأويلات الخاطئ والترويج لمعلومات لا أساس لها من الصحة تغالط الرأي العام وتؤسس لدعاية جارفة وإشاعة هدامة. في هذا الإطار تدرج الدورات التكوينية وتبرمج منذ 2014 مسجلة 40 دورة اعتبرها الوزير محطات هامة في مسعى تزويد الصحفي بمعلومات يحتاجها وتطلعه بتجارب وتشريعات قانونية يحتاجها في بلوغ الاحترافية المنشودة.وهي احترافية تؤديها 400 مؤسسة إعلامية بحرية في انتظار المزيد من الرواج خاصة في ظل دسترة ضمان وصول الإعلامي إلى مصدر الخبر وعدم تركه وشأنه يختلق الأشياء ويشوه الحقائق ويعتدي على حياة الناس الخاصة بادعاء حق المواطن في المعلومة. أجاب الوزير بعدها على أسئلة الصحافيين لتنوير الرأي العام بمعلومات هو في أمس الحاجة إليها. وعن سؤال حول ما تقدمت به جريدة المساء من اقتراح لتشكيلات حزبية بغية الحصول على إشهار مقابل تولي تغطية حملتها الانتخابية أجاب الوزير أنها سابقة أولى وأنه يرفضها لو استشير فيها. وقال الوزير في مثل هذه الحالات نتساءل قبل الإقدام على أي شيء عن الانعكاسات ثم نقرر، وبهذه الطريقة نتجنب أشياء غير محبذة. وذكر قرين أن مدير المساء اقترح هذا على 19 حزبا لكن هناك من يريد توظيف المسألة في غير مقصدها وهذا ما حصل في محيط معروف أحيانا بهذه الممارسة والسلوك . وهذا ما يحتم التأني في اتخاذ أي شيء والتفكير في ما يأتي به القرار من انعكاسات ونتائج. وجدد الوزير قائلا الصحافة العمومية لا تطلب عرضا إشهاريا من الأحزاب. البروفيسور مارك فرانسوا بارنيي: شروط أساسية لتطوير الإعلام ..والمواطن السلطة السادسة أعطى البروفيسور مارك فرانسوا بارنيي المختص في أخلاقيات مهنة الصحافة بجامعة أوتاوا (كندا) صورة دقيقة عن حرية ومسؤولية الصحفي عارضا تجربة طويلة اكتسبها في الميدان باحثا ومحاضرا في الإعلام الذي بلغ درجة من التقدم المدهش زادته حركية وانتعاشا التكنولوجيا المتطورة التي كسرت الممنوعات والحواجز وقربت المسافات. وقال المحاضر في الدورة التكوينية التي حضرها صحافيون وطلبة بالمدرسة العليا للصحافة إن هذا الإعلام قد عرف قفزة نوعية لا تخطر على البال ببروز مواقع اتصال وشبكات تواصل جعلت من المواطن صحفيا يدوّن الأشياء ويقدم التحاليل والآراء بعيدا عن أي سلطة إكراه وإملاءات إلى درجة بات يوصف بالسلطة الخامسة. لكن إلى أي مدى يمكن اعتبار هذا المواطن المتسلل إلى الإعلام صحفيا يتقن قواعد المهنة ويحترم أخلاقياتها وميثاقها ؟ هذا ما توقف عند البروفيسور قائلا إن تقبل أي معلومة واستهلاكها بتلقائية وكأنها الحقيقة المطلقة مسؤولية واقعة على المتلقي الذي يفرض عليه التحري والتمعن في ما يعرض عليه. على هذا الأساس كان هناك إلحاح على أهل الاختصاص بوجوب التحلي بروح المسؤولية في تقديم المعلومات وعدم إطلاق العنان للقلم أو الكاميرا للإتيان بأي شيء وفرضه على المتلقى كأنها حقيقة مطلقة لا ينتابها الشك. وربط الحرية بالمسؤولية هو الممر الآمن لإعلام موضوعي يحتكم لقواعد المهنة ولا يسمح بفجوات إلى أبعد مدى. يمنح صاحبه مصداقية وصدقا ويزيده ثقة في علاقاته مع الآخر واحترامه. وسرد البروفيسور جملة من القواعد قال إن دراسات علمية إعلامية توصلت إليها وتوافقت حولها تفرض إقامة التوازن في المهنة الصحفية بإلصاقها إجباريا الحرية بالمسؤولية دون ترك إحداها تتغلب على الأخرى. لكن الإشكالية التي تبقى مطروحة كيف يمكن للصحفي المشحون بالعواطف والأحاسيس والساعي دوما إلى التميز بسرد معلومات خاصة به والانفراد بتسريب أخبار يبحث من خلالها عن التألق والنجاح الاحتكام إلى المسؤولية واعتبارها واجبا لا بد منه في تأدية المهمة بحرية وطلاقة. هذه الإشكالية هي التي تبقي النقاش مفتوحا وتؤجل الإجابة إلى إشعار آخر.