الدكتورة كوندا ليزا رايس وزيرة الخارجية الأمريكية ومستشارة الأمن القومي السابقة ، التي تجيد عزف البيانو ورقص الباليه والتزلج ، الجمهورية حتى العظم والمحافظة حتى النخاع كما تعرف عن نفسها . تلميذة الصهيوني والد مادلين اولبرايت وأستاذة بوش الابن كما يقول الأستاذ هيكل . كانت دائمة الترديد ز... لن يكون هناك شيء أفضل من حل الدولتين، كما قال الرئيس بوش ، وتلبية حاجة الفلسطينيين لإقامة دولتهم التي تسمى فلسطين، ولم يفعل ذلك أي رئيس أميركي من قبل، الرئيس وأنا ملتزمون للغاية بالتوصل لحل وفقاً لتلك الرؤية، حل قد يمنح الشعب الفلسطيني فرصة في الحصول على كرامته التي يستحقها، إنه شعب واعٍ ومستنير ويتمتع بالحكمة، الرئيس وأنا نريد أن نرى الفلسطينيين يتمتعون بدولتهم، ونرغب في أن يحدث ذلك في أسرع وقت ممكن، نريد بطبيعة الحال من كل الأطراف أن تكون ملتزمة وفاعلة في الوفاء بتعهداتها . كوندي ،هي نفسها التي جعلت من رؤية حل الدولتين طريقا للفوضى المنظمة في المنطقة ، وصرف الأنظار عن جرائم إسرائيل نحو إيران ، وتقسيم العرب بين معتدلين وأشرار، وإغراق الفلسطينيين بخطة خريطة الطريق والرباعية وانابوليس ، وتشجيع زيهودية إسرائيلس وترك الحبل على الغارب لها في التوسع الاستيطاني والتنكيل بالشعب الفلسطيني والحرب على لبنان وغزة . وهي نفسها التي جعلت من السلام ومحادثات السلام قصة مشوقة لا تقل في ذلك عن قصة ألف ليلة وليلة ، التي لم تأت بالمرجو منها !.. أما وزيرة الخارجية الحالية هيلاري كلينتون الديمقراطية حتى العظم ، وسيدة الأعمال قبل الزواج والسيناتورة الحقوقية الشهيرة بعده . تختلف عن سابقتها في كل شيء حتى في اللون ، ولا تتفوق على كوندي الا بكونها كانت سيدة أمريكا الأولى ، واقل منها علما وثقافة ودهاء . إلا أنهن تتفقان في مهارة ترويج البضاعة ، وعلى قول الشيء ذاته عن الشعب الفلسطيني وحل الدولتين ، والحل على طريقة ألف ليلة وليلة . ولست هنا بصدد المقارنة ، وإنما تأكيد توارث الكذب واللف والدوران في الإدارة الأمريكية وتصدير كل ذلك إلينا ، بل فرضه علينا . لقد بدأت هيلاري كوزيرة خارجية بتصريحات متشددة حول الاستيطان والبناء في المستوطنات بقولها ، إن.. إدارة الرئيس اوباما تريد أن ترى وقفا كاملا للاستيطان وليس بعضه ، ولا تريد وقفا للبناء في المستوطنات الأمامية فقط ، ولا تقبل إدارة اوباما بمقولة النمو الطبيعي للمستوطنات. .. لكنها لم تلبث أن تراجعت عن كل ذلك عندما اثنت على مقترح رئيس الوزراء الإسرائيلي نتانياهو القاضي بالتجميد الجزئي المؤقت للبناء في المستوطنات ، واصفة المقترح الإسرائيلي بأنه غير مسبوق . تراجع هيلاري عن موقفها المتشدد تجاه المستوطنات ليس أكثر من عادة درج عليها أركان البيت الأبيض ، تراجع مدروس يمليه طبيعة الصراع وواقع أطرافه . ففي إسرائيل جبهة عريضة يقودها نتنياهو تؤمن حقا وصدقا بأنه لا توجد أراض فلسطينية لا في الضفة ولا في القدس ، ولكن توجد أراض يهودية تاريخية - يهودا والسامرة - كانت سليبة وأعيدت إلى أصحابها أخيرا . والإدارات الأميركية المتعاقبة لا تستطيع أو لا ترغب في إحداث أي اختراق سياسي فيه باتجاه تسوية عادلة وشاملة . بينما الإذعان والتبعية في الجانب العربي يشجعان على اختراق من نوع آخر كالتطبيع المجاني والتنسيق الأمني ، وكذلك الطرف الفلسطيني تشكل الخلافات الداخلية فيه مشجبا ومبررا لتخاذل أي جهد دولي جدي لمساعدتهم . من هنا يمكن قراءة التغيير في تصريحات الرئيس اوباما تجاه المستوطنات ، من الرفض الكامل لأي بناء جديد إلى الطلب من إسرائيل أن تضع قيودا على البناء فيه . وهذا ما حدث في قرار التجميد الجزئي المؤقت والمشروط ، ولكنه لا يلغي الكارثة الاستيطانية . هيلاري كلينتون اليوم تقود حملة دبلوماسية للعودة إلى المفاوضات دون شروط مسبقة ، ودون النظر إلى الاستيطان والمستوطنات ولا إلى الخروقات الإسرائيلية عن قصد وباتفاق مع الرئيس اوباما لأسباب أمريكية بحتة اقلها إعادة الدوران في الحلقة المفرغة ، على نار هادئة ، وعلى الإيقاع الإسرائيلي ، وبذلك لا تغضب إسرائيل ولا تخسر اعتدال العرب . إن هيلاري في الحقيقة تمثل خط الصقور في الإدارة الأمريكية الحالية ، بينما يمثل الرئيس اوباما الخط التصالحي النظري وربما غير العملي . وهي حاولت أن تبيع للفلسطينيين التجميد الجزئي في البناء الاستيطاني وهي تعلم قبل غيرها أن الفلسطينيين لن يشتروها ، وتبقى حقيقة أن السياسة الخارجية الأميركية لا يضعها أفراد. بل تضعها مؤسسات أمامها دائما خريطة طريق توصل إلى المصالح الأميركية وحلفاءها أولا وقبل كل شيء .