استعرض وزير الفلاحة والتنمية الريفية والصيد البحري عبد القادر بوعزغي، أمس، بالعاصمة الإيطالية روما، تجربة الجزائر في مجابهة التغيرات المناخية، التي تفرض تضافر جهود المجتمع الدولي لحماية البيئة والزراعة من آثار تغير المناخ، وضمان الأمن الغذائي للسكان. سجل الوزير بوعزغي، في كلمة ألقاها في أشغال الدورة 40 لمؤتمر منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة المنعقد، أمس وإلى غاية 6 جويلية الجاري، بروما، بقلق تنامي الفقر وسوء التغذية في العالم بسبب التقلبات المناخية والنزاعات المحلية المدمرة، رغم الإنجازات الهامّة التي سُجلت خلال السنوات الأخيرة، في إطار تحقيق أهداف الألفية للتنمية، مؤكدا على ضرورة مواجهة ذلك بنفس الجهد والحزم والسرعة التي تكافح بها التغيرات المناخية. وقال إن استمرار نموذج الإنتاج القائم حاليا له جزء من المسؤولية في تدهور الموارد الطبيعية عبر العالم، بالإضافة إلى آثار تغيُّر المناخ على البيئة والزراعة، التي لا تزال كلها تُشكل تحدّيا عالميا للجميع، بأبعادها المحلية والوطنية والإقليمية والدولية، معتبرا زيادة الكفاءة واستدامة إجراءات التّكيف في المجال الزراعي، ضرورة لابد منها، وخاصة في البُلدان الهشّة المُعرّضة بشكل خاص لتغيرات المناخ، حيث يُشكل فيها تراجع المحاصيل الزراعية مع تزايد السكان، ضغطا إضافيا على النظام الغذائي المتميز بالهشاشة. ولمواجهة هذه التحديات، شدد بوعزغي على ضرورة أن تنصب جهود التكيف في مجال البحث على حلول بديلة لنظم الإنتاج الزراعي الحالية أو على الأقل، في البحث عن طرق انتقال سلسة، من زراعة تقليدية إلى زراعة عصرية أقل تلويثا، والتي تكون قادرة على إعادة تجديد الموارد الطبيعية المتدهورة واستغلالها بطريقة عقلانية، تفي بتلبية الاحتياجات الغذائية المتزايدة للإنسان، وهي معركة قال يجب أن تتم بمشاركة سُكان الأرياف كطرف أساسي فيها، لأنهم المؤهلون للمحافظة على ممارسات الأجداد ودرايتهم بها، مما يساهم بشكل فعال في المحافظة على الموارد الطبيعية والتعرف على أنظمة الإنتاج الزراعية القادرة على بنائها أو إعادة تشكيلها من طرف المجتمعات المحلّية ولصالحهم. وأضاف قائلا: إنه انطلاقا من هذه الوضعية، ووعيا بهذه الرهانات، شرعت الجزائر منذ عام 2000، في ظل القيادة الرشيدة لرئيس الجمهورية، عبد العزيز بوتفليقة، في تنفيذ سياسة للتنمية الفلاحية والريفية، آخذة بعين الاعتبار خصائص مناخها الجاف وشبه الجاف، ومحدودية مواردها الطبيعية من مياه وتربة، باستخدام أساليب زراعية أخرى تتلاءم والوضع الإيكولوجي لبلادنا، بهدف عصرنة جهاز الإنتاج الفلاحي الوطني وتكثيف فروع الإنتاج الإستراتيجية، من أجل تعزيز الأمن الغذائي للبلاد، وهو المسعى الذي يهدف من جهة إلى الحفاظ وتعزيز الممارسات القديمة ومعارف الأجداد، خاصة الزراعة الواحاتية وزراعة النخيل في الجنوب، ومن جهة أخرى، الاستمرار في تحديث وتكثيف الجهود لبلوغ فلاحة عصرية فعالة على المستويين الاقتصادي والبيئي. كما تولي هذه الإستراتيجية، أولوية قصوى لاقتصاد المياه وتعبئة موارد مائية جديدة وتطوير الزراعة الحافظة أو الإيكولوجية، والتي يُنظر إليها على أنّها مُمارسة جيّدة للمُحافظة على التُربة وإدارة المخاطر المناخية. وهذا ما كرّسه الدستور المعدل في 2016 في المادة 19 بأن “الدولة تضمن الاستعمال الرشيد للموارد الطبيعية والحفاظ عليها لصالح الأجيال القادمة. كما تحمي الدولة الأراضي الفلاحية والأملاك المائية العمومية”. وفي نفس الوقت، العمل على تحسين الموارد النّباتية، بما في ذلك استخدام البُذور المُقاومة للجفاف والملوحة، وتنويع المحاصيل، وذلك باستخدام التكنولوجيا الحيوية والوراثية، ضمن هذا المسعى الجديد من الإنتاج الزراعي. كما تم تنفيذ مخطط وطني لمكافحة التصحر وبرنامج التشجير، اللذين يندرجان في إطار سياسة الحماية وإعادة بناء مواردنا الطبيعية ومحاربة التصحر والتّخفيف من انبعاث غازات الاحتباس الحراري. وهذا امتدادا لمشروع السد الأخضر الذي انطلق في تنفيذه في بداية السبعينيات من القرن الماضي. لقد سمح تنفيذ هذه الإستراتيجية بتسجيل نتائج جد مرضية، كتحقيق متوسط نسبة نمو سنوي في القطاع ب 8% وحوالي 30 مليار دولار (2976 مليار دج) من قيمة الإنتاج الفلاحي ومساهمته بنسبة 12% في الدخل الوطني الخام، وتغطية نسبة 70% من حيث القيمة من حاجيات المواطنين من مختلف السلع والمواد الغذائية.