مع حلول فصل الصيف يكثر السفر والرحلات واللقاءات مع الأهل والأصدقاء، إلا أنه وسط هذه الوجهات جميعاً نرى مشاهد باتت مألوفة، وهي انغماس كل فرد في عالمه الافتراضي غير متفاعل مع عالمه الواقعي والأشخاص الذين سعى للقائهم وقطع مسافات من أجلهم، ومع الوقوع فريسة للهواتف المحمولة التي تنهش الوقت، تضيع المتعة ويُفقد الاستمتاع بكل شيء. ”يوم بعيدا عن العالم الافتراضي” حبيبة – ت اتخذت قراراً حاسماً بخصوص تعاملها مع وسائل التواصل الاجتماعي، قائلة: “فعلاً يسرق الهاتف المحمول ووسائل التواصل الكثير من الوقت من دون أن نشعر، وتجعلنا نفتقد كثيراً من الأشياء المفيدة التي يمكن ممارستها وفعلها، لذلك قررت غلق جميعها مثل “الفايسبوك” و«الواتس -آب”، وتركت تطبيقاً واحداً أستطيع من خلاله التواصل مع أهلي فقط، أما الأصدقاء والمحيطين فيمكنني التواصل معهم عن طريق الزيارات والتجمعات، ولم أطبق هذا القرار على نفسي فقط، إذ طبقته على ابنتي الصغيرة أيضاً، وفضلت أن يكون ذلك في بداية عمرها حتى لا تعتاد وتنشأ على الأجهزة الإلكترونية وتكتفي بمشاهدة البرامج المناسبة لعمرها عبر شاشة التلفزيون لاغير، وحاولت مع أصدقائي تفعيل هذا القرار عندما نجتمع، وللتغلب على هذه الآفة قررنا فرض عقوبة فيما بيننا، وهي أثناء تواجدنا معاً يكون هدفنا تبادل الحديث والتفاعل معاً وألا ننشغل بهواتفنا المحمولة، ومن يجد أنه غير قادر على السيطرة على نفسه يفضل ألا يحضر تجمعنا، أو أن يقوم بدفع الفاتورة عن الحاضرين”. أحمد ن، 23 سنة استاذ جامعي، عاصر زمن ما قبل التكنولوجيا واختراع الهواتف المحمولة، لذلك يرى أنه كان هناك متسع من الوقت لممارسة العديد من الهوايات وتنميتها، وشرح قائلاً: “مع ظهور وسائل التواصل وانتشارها أصبحت تستهلك الكثير من أوقاتنا، لا أجد معها أي فرصة لممارسة هواياتي المفضلة، حاولت توظيف التكنولوجيا بشكل إيجابي عن طريق تنمية مواهبي من خلالها، إلا أن أخوتي الصغار نشأوا على هذه الأجهزة ولم يستطعوا الاستغناء عنها فأحاول قدر المستطاع تقديم النصائح لهم، وأن يخصصوا لها وقتاً معيناً، ولا مانع من الموازنة بين الواقع الافتراضي والحقيقي فعندما أكون في مع الأهل والأصدقاء أعمل على التفاعل معهم وكذلك مشاركة لحظاتي المميزة أثناء الرحلات وتلقي التعليقات والإعجاب”. سناء ع، موظفة أشارت إلى أن هذه الظاهرة تجتاح المجتمع قائلة: “أصبح الكثير لا يستطيع السيطرة على عملية التواصل الافتراضي حتى خلال اللقاءات العائلية، ولا أنكر أنني منهم ولا أتخلي عن الهاتف فحتى إذا كنت في مناسبة أو وسط الأهل والأصدقاء تراني أتصفح هاتفي المحمول، ربما لأن ظروف عملي تستلزم ذلك، وبعد عودتي إلى المنزل أشعر بعدم الرضا لانشغالي بهاتفي وعالمي الافتراضي وعدم الاستمتاع والتفاعل معهم”. ”الخرس الاجتماعي” أقرّ المختصون في العلاقات الاجتماعية انه رغم فوائد مواقع التواصل الاجتماعي، إلا أنها أحدثت أخطاراً مدمرة، مهدّدة تماسك العنصر البشري بقطع أواصر الاتصال بين أفراده، والقضاء على كثير من السمات الاجتماعية التي تُميزه عن غيره، ولعلّ من أبرز تلك الآثار ما يسمى بالإدمان الذي قاد إلى عزلة الاشخاص ومنها اكتسب سمات الانطوائية، وأصبحت لديه فرصة للهروب من المجتمع، حيث أصبح يتعامل مع عالم افتراضي وأشخاصاً غير حقيقيين إن صحّ التعبير، أو على الأقل لا يدخلون ضمن نطاق دائرة المعارف والأقارب، فهم غرباء لا يستطيع التعامل معهم بشكل مباشر حتى وإن تمت معرفتهم، ومع مرور الوقت تتفاقم مشاعر الوحدة لدينا، ويصل عن عالم الواقع شيئاً فشيئاً، بما يزيد شعوره بالاكتئاب وعدم الرغبة في مشاركة الحياة الاجتماعية والأسرية، بالإضافة إلى زيادة الشعور بعدم الثقة في النفسه. استخدام وسائل التواصل بكثرة يشكل عائقاً أمام إقامة علاقات عائلية اجتماعية سوية بين الأفراد، فقد زالت العادات الحسنة التي كانت أساس ترابط المجتمع، بعد أن قطعت أواصر التواصل المباشر واقتصرت بين الأقارب والأصدقاء على الرسائل الإلكترونية عبر الهاتف في أهم المناسبات وأكثرها تميزاً، فبدلاً من ممارسة عملية التواصل بشكل مباشر عبر الزيارات المتبادلة بين أطراف العائلة الواحدة، والتي كانت تعكس تلاحمها وتخلق حالة من المودة والرحمة خصوصاً في المناسبات الدينية والأعياد وتأدية واجب العزاء أو زيارة المرضى، أصبحت هذه المشاركات الملموسة مجرد رسائل مقروءة فقط، لا لون لها ولا طعم، وبذلك فقد المعنى الحقيقي والسامي للتواصل وأصابت المجتمع ظاهرة “الخرس الاجتماعي”، حتى في الأماكن الترفيهية كالمقاهي والمطاعم وأثناء الرحلات والتجمعات، لذا وجّه المختصون رسالة ضرورية هي “أغلقوا هواتفكم الذكية وأجهزتكم اللوحية، وضعوها في جيوبكم أو في حقائبكم، والتقوا بأرواحكم لا بأجسادكم مع أسركم وأصدقائكم، فبطارية العمر توشك على النفاذ، وما ذهب من الوقت فهو من ذهب”. ——