على الرغم من أنني حذّرته من أية محاولة للاقتراب مني، إلا أن الصديق الذي زارني في اليومين الأخيرين، عاود الظهور، دون رغبة مني، وراح كعادته يوسوس في أذني وسوسة الشياطين.. كان الوقت ليلا، وكنت قد غادرت الجريدة، في نفس التوقيت، ونفس الطريق، وعلى نفس الحالة الكارثية، شكلا ومضمونا.. بادرني الصديق: أو لم تعلم؟ قلت، وأنا أعض على شفتي: روح أخطيني، فأنت شخص لا يأتي منه الربح.. لم يأبه بي وواصل حديثه بصوت خافت:.. جابوه.. جابوه.. ثم نظر هو، ونظرت معه أنا، ذات اليمين وذات اليسار.. وقبل أن ينطق بكلمة أخرى، كانت شحمة أذني قد التصقت بفمه، ليضيف: خلاص راهم جابوه.. قلت مستفسرا: من؟.. قال: ريكار.. قلت في نرفزة ظاهرة: أصمت يا عربيد، أما تزال في طبايعك الشينة؟.. قال: لا، أنا أقصد ميشال ريكار، المدرب الجديد الذي جاء ليساعد سعدان.. على الفور طلبت منه أن يصوم عن الكلام، قبل أن يسمعه أحد ويتهمه بالتخلاط، والخيانة العظمى، والتشويش على المنتخب.. قال: لا، يقال أن سعدان هو من طلبه وهم حققوا له مطلبه.. قلت: حدثني عن ريكار.. قال: هو ميشال ريكار، محضر بدني، سويسري الجنسية، علاقته سمن على عسل مع الشيخ سعدان، هو خبير في الفيفا، يعمل كأستاذ محاضر، تشهد عليه المؤتمرات العالمية التي حضرها وحاضر فيها.. قلت متعجبا: ويحك!.. هذا ما كان؟ وماذا عن سيرته الذاتية (سي في)، النوادي التي عمل فيها، والتتويجات التي حازها؟ طأطأ صديقي رأسه وقال: والو، لا شيء.. "سي في" نتاعو فارغ، الألقاب ما كانش، الميدان خاطيه، لم يدرب من قبل، مشهور بالنظري فقط.. غادر صديقي المكان، وترك الصدى من ورائه يردد: ..هور بالنظري .. نظري.. ري.. فقلت في نفسي: خلال كل الأيام الفارطة، كنت رفقة زملائي في المهنة، نكتب ونقول أن لا حاجة لمنتخبنا بمساعد، أجنبيا كان أم محليا، وأن جهات تحفر للشيخ، وتخلط له بمحاولة فرض مدرب جديد، وأن جلول وبلحاجي وكبير، ملاح بزاف.. وأن "كثرة الرياس تغرق الباخرة"، وهو نفس الرأي الذي شاطرنا فيه قدماء لاعبي الخضر.. وإذا بسعدان نفسه يفاجئنا بجلب مساعد أجنبي مغمور ومجهول.. حسبت النجوم تلك الليلة، وحاولت إقناع نفسي وإخواني بأن جلب ميشال ريكار عبارة عن خطة من سعدان، ليراوغ بها الجميع وفقط.. لكنه في الحقيقة ضربنا بكف.. وللحديث بقية.