الحملات الإعلامية التعريفية بمنظومة التعليم العالي والبحث العلمي تترابط حول تضخيم البناء العلمي الذي طبع سيرورة التنمية طيلة المرحلة الماضية. وبالطريقة نفسها لن يفوتها أن تعيد بألوان غامقة: لولا تظافر جهود أعضاء الهيئة العلمية للمنظومة واخلاصهم في العمل لما استطعنا أن ننجز شيئا ممّا تحقّق خلال الفترة الماضية. انّ متابعة تنفيذ المشاريع بشكل معمّق للإطلاع على التجربة العلمية تتطلّب رؤى علمية أكثر وضوحا وامكانات بشرية أكبر ممّا أتيح خلال الفترة المعنيّة بالنظر. لذلك فإنّ السؤال: هل يوجد هيئات علمية متخصّصة في مختلف الإختصاصات تهتم باختيار برامج تقدّم للنقاش واتخاذ بشأنها القرارات المناسبة لأهم تلك البرامج؟ إلى يومنا هذا لا يوجد هيئة علمية مستقلّة لها أهدافها وتوجهاتها في النهوض بالتعاون المعرفي والتكنولوجي من أجل تنمية وتطوير الموارد البشرية. الهيئة حاليا، تعمل في نطاق منظومة التعليم العالي والبعث العلمي وتعنى بالعلوم وتسعى إلى تطوير العمل العلمي ومواكبة التقدّم المعرفي والتكنولوجي قصد خلق وعي علمي وتقني لدى المجتمع الوطني. كما تهتمّ بالمساهمة في توظيف العلوم والتقنيات لتحقيق تنمية المجتمع ورفع مستواه الاقتصادي والاجتماعي والمساعدة على توفير امكانات البحث العلمي والنهوض به في مجال الصناعة والطاقة التي تستلزم توحيد الجهود الوطنية وتحاشي التكرار. فيما يتعلّق بطرق تنفيذ أهدافها تستخدم وسائل احتكار المعرفة والتكنولوجيا وجميع أنواع الإعلام للقيام بالدور التنسيقي مع الهيئات واللجان النامية تحت جناحيها، حرصا على توحيد الجهود لتنفيذ الاستشارات العلمية للدولة في مجال تخطيط سياستها وأنشطتها العلمية في مجال التنمية الشاملة. الاستمرار في التحرّك والتنسيق مع الهيئة العلمية لإنجاح موقف استبعاد فكر القبول باعتماد البدائل للمواد الأولية والتكنولوجيا لبناء المستقبل وفق معايير البلدان المتقدّمة. افتتاح حملة عدم انتشار البدائل برأي مخالف لتشجيع الكفاءات الوطنية على اقامة تعاون وتكامل في مجالات تطوير الاستخدامات البدائلية للمعرفة تنفيذا لقرارات رئيس الدولة بشأن احداث المؤسسات لتشغيل العاطلين عن العمل والإرتقاء بالمجتمع الوطني إلى مستوى أفضل. ماذا نعرف عن منظومة التعليم العالي والبحث العلمي؟ بناء على استمرار التوجّه السلبي لمنظومة التعليم العالي والبحث العلمي ذات الصلة بالمحيط المعادي للحريات ومن بينها الحرية الإبداعية. وبما أنّي أتوجّه إلى القرّاء أجد من واجبي أن أبدي بعض الملاحظات التي يتوجّب عليّ ألا أخفيها. حسب مفهومي للتقدّم والحداثة والرقي، منظومة التعليم العالي والبحث العلمي تشكّل النموذج الأوّل للتعاون النظري والتقني في ميداني تطوير البرامج وتنمية الموارد البشرية وفق المعايير في رأس سلم الأولويات. إذا ما نظرنا إلى أهداف انشاء المنظومة نرى أنّ تطويرها يتطلّب جهودا وطنية مشتركة وأول تلك الجهود أن نثري القيم التي يجسّمها البحث العلمي والآليات التي تبني الديمقراطية داخل المنظومة مثل انتقال المعلومة والحصول عليها من طرف الجميع والمشاركة في أخذ القرار ومسؤوليته، في هذا السياق تؤكد المنظومة بأنّ فضاءها يعجّ بالأوائل وحصل شرف الفوز بالزعامة على كل المستويات ولا يوجد تحدّيات تخصّ الديمقراطية الداخلية والتسيير الرشيد. وهذا غير صحيح لأنّ احتداد الفوارق العلمية وعدم قدرة المنظومة على استيعاب خريجيها في التعليم والبحث العلمي سيظلّ الخطر المرتبط بالنقص الديمقراطي، وهو ما لم يتمّ بدون صراعات وأزمات مع المنظومة. إنّ تأثيرات مفاعيل التنمية على المنظومة أدّت إلى إضعافها، وانطفأ دورها كمحرّك أساسي لتقوية القدرات العلمية. وهذا يعني أنّ المنظومة لم تتهيّأ لمواجهتها ولذلك لا يمكن أن تستجيب لمختلف انتظاراتنا. ومثلما هو متوقّع فإنّ تنامي المفاعيل السلبيّة واحتداد الفوارق العلمية وفقدان قدرة المنظومة بخصوص الممارسات الديمقراطية أثبتت أنّها ماتزال بعيدة عن تلبية حاجياتنا وكلّ هذا ليس بالغريب إذ علمنا بأنّ المنظومة تعارض إلى أقصى حدّ إقامة مشروع معرفي وتكنولوجي يلتقي حوله كلّ المختصين فيوحدهم وينظمهم ويخلق لحمة فيما بينهم. وهذا الموقف يقوم على عدم إيلاء الجدّية لضرورة مواجهة التحدّيات. ويطرح هذا الموقف السلبي عدّة مشاكل داخل المنظومة مثل التوتّرات والانقسامات والإختلافات في الأفكار حول بناء التضامن العلمي وتقوية شعور الإنتماء إلى الوطن. لكي نفهم الواقع العلمي وشروط التحديث العلمي في منظومة التعليم العالي والبحث العلمي نقدّم فيما يلي الكيفية التي ننظر بها إلى ما تحقّق خلال المراحل والوقوف على ما يفصل فيما بينها إزاء محيط متقلّب يطرح أمامها عدّة نقائص وتأخّر كلّما انتبهنا إلى ما يحدث لنا وما يحدث حولنا يتأكّد لدينا مزيد من الشعور بالمسؤولية ازاء أنفسنا وازاء المحيط من حولنا. حقّا غير مقبول من الزاوية الاقتصادية والاجتماعية أن ننظر إلى منظومة التعليم العالي والبحث العلمي كمحرّك رئيسي لسيرورة التنمية. (رسم I / رسم II). ويمكن ضبط أهم العوامل التي ساهمت في استمرار الضغط الناجم عن انخفاض المستوى العلمي كما يؤكده رسم I. إذ نلاحظ من خلال قراءة رسم I أنّ اشعاع هذه المنظومة وحظوتها ومصداقيتها لدينا، تطرح اعادة النظر في رسالتها، مع الأخذ بعين الإعتبار بان هذا الملف من أهم الملفات وأخطرها، وأصبح يؤشر على عمق وتعقد الرهانات التي أضحى يواجهها الاقتصاد الوطني. والملفت للإنتباه ان كلّ المؤشرات تفيد بأنّ التراجع العلمي يهدّد التوازنات الاقتصادية والاجتماعية حاضرا ومستقبلا، ويمكن ان نلاحظ من بين تلك التهديدات اشتداد انخفاض المستوى العام من 84 سنة 1962/1961 إلى 52 سنة 1977/1976، بما يعنيه من إنخفاض اضافي بنسبة 32 خلال الفترة 1961 1977. ولقد نتج عن ذلك انفجار شعبي بعنوان «26 جانفي 1978». ويظلّ الانفجار راسخا انه كان بالإمكان اصلاح منظومة التعليم العالي والبحث العلمي منذ سنوات اثر بداية ظهور أهم المؤثرات الوطنية المتأتية من الإنحطاط العلمي المحرّك الأساسي لإرتفاع البطالة أحسن من أن يكون الاتحاد العام التونسي للشغل الضحيّة الأولى لهذا الإنحطاط العلمي وما يرافقه من فقدان القدرة الشرائية للأجراء واحتداد الفوارق الإجتماعية. ويجدر التذكير بأنّ رسم I يجسّد صورة معبّرة عن ذلك أو بطريقة ناطقة، انّ المسؤولين عن التعليم العالي والبحث العلمي صارعوا في سبيل إرساء تقاليد يجعلوا منها مشروعهم القيادي أي المرشد الأعلى والخبير المثالي في وضع منهج تفصيلي لخطّة العمل التوجهي وخاصة في مجال البحث التنموي الذي لم تكن تجربتهم فيه تذكر. ولبلوغ هذه الأهداف، دفعوا المنظومة إلى توخّي استراتيجية قوّة معارضة تستهدف اضعاف القوّة الاجتماعية التي تدافع عن الحريات وتجذير الديمقراطية واحترام حقوق الانسان. انّ الهياكل القيادية العلمية تنخرط أكثر في مشروع التدخل والتأثير على سياسة الدولة وسياسات القطاعين الخاص والعمومي. والمجهود الكبير الذي تحقّق خلال عهد التغيير كما يبرزه رسم II، يستحق التذكير تراجع المستوى من 45 سنة 1988/1987 إلى 33 سنة 2007/2006. وخلال 46 سنة (2007/1961) تراجع المستوى من 84 إلى 33 إلى انخفاض بنسبة 51. وهذا يدلّ على أنّ مشروع منظومة التعليم العالي والبحث العلمي جعل من المستحيل بعث اقتصاد وطني متحرّر وتوزيع عادل للثروات الوطنية. ولا غرابة في أن يترتّب عن هذا التراجع تكرار 26 جانفي 1978. نمو الموارد البشرية اللازمة ليس بالمعرفة الكافية لنقل التكنولوجيا قامت منظومة التعليم العالي والبحث العلمي بإطلاق عدد من المبادرات خلال المراحل المشار إليها، لتأمين مستقبل خريجيها. واقترحت أن تستمرّ استشارات الشباب حول المبادرات في اجتماعاتها بتنسيق تام مع كل الأطراف، والتمسّك بالوصول إلى درجة عالية من الثقة بأنّ أيّة مبادرة يتمّ الإنضمام إليها ستكون كفيلة بتأمين ديمومة مشاريع التشغيل. إنّ أي مشروع، حسب نظرية منظومة التعليم العالي والبحث العلمي، يتمّ استنباطه وانجازه من طرف كفاءات البحث التنموي لن يكون مشروع وطنيا يساهم في نقل التكنولوجيا إلى القطاع الصناعي. يمكن التأكيد، في هذا المجال انّ المنظومة تتمتّع بحرية الفكر والتعبير عن وجهات نظرها والدفاع عن نفوذها. ولكن يمكننا التساؤل هل أنّ رئيس الدولة يصغي إلينا وهل يأخذ في الاعتبار رؤانا ومقترحاتنا؟ وهذا الجانب هام إذا ما علمنا أنّ التحديات التي تطرح علينا اليوم تقع بالتحديد على المستوى العلمي أكثر فأكثر. وفي هذا السياق يبدو أنّه من المهم أن أقدم رسم III يشير إلى مساهمة منظومة التعليم العالي والبحث العلمي في بناء مجتمع متحرّر. وبهذه الطريقة تكشف الأهمية التي توليها للرهانات الاقتصادية اعتبارا لتفاعلية تبادل القيم مع المحيط الخارجي وخاصة اشعاع منظومة العلم ومصدقيتها لدى المحيط المماثل الذي يتقاسم معها نفس المبادئ والقيم. (رسم III) انطلاقا من هذا الرسم ومن قراءتنا لمستوى الكفاءات في هرم المسؤوليات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والممارسات في مراحل تقييم الموارد والمكتسبات التي توحد فيما بيننا ازاء تطورات تطرح أمامنا عدّة أسئلة: ماهي المكاسب وكيف يتصوّر النظام السياسي تعزيزها؟ ماهو نقاط الضعف ونقاط القوة والتهديدات التي تترصدنا والفرص المتاحة لنا؟ ماهو اتجاه الاستراتيجية الوطنية المعتمدة؟ في مجال توطين المكاسب، ابتداء التحديات من نقل المعرفة والتكنولوجيا تجاه المجتمع قصد تجسيد البدائل في علاقاته بالمحيط الخارجي. في سيرورة توطين القيم، النتيجة تثبت عدم توطين الإستقلالية الاقتصادية: حجم النتيجة في بناء مجتمع استهلاكي 16 من السكان النشطين أي القوة العاملة في القطاعين العمومي والخاص. والمعضلة، انّ عملية الاصلاح لم يتهيّأ صاحب القرار لمواجهتها. نقاط الضعف، كما نلاحظ من قراءة رسم III، اذ أنّ 94 من صنف الأستاذية مقابل 6 صنف مرحلة 2 و3 لا يمكن توطينهم في القطاع الصناعي. الباقي 86 صنف تقني مقابل 14 صنف مهندس، استقطابهم في القطاع الصناعي لا يساهم الاّ في ازدياد التشغيل الهشّ واضافة شروط جديدة مخالفة لقانون التشغيل. الاستراتيجية الجاري بها العمل هي استراتيجية التقليد والاتباع التي لا تستجيب لمختلف انتظارات المجتمع بخصوص حرية الإستنباط والاضافة. واعتبارا لمحتوى الرسوم I، II وIII يبدو لي أنّه من المهم التذكير بأنّ نقل المعرفة والتكنولوجيا في صندوق أسود إلى المجتمع لا ينبئنا شيئا عن مكاتب المشاريع العلمية داخل المنظومة الاّ عن تأمين مستقبل استهلاك السلع والتجهيزات والخدمات الأجنبية، ولا نعرف بالضبط من يشاطر هذا التوجّه؟ تصويت نتعذّر عن تسرّب الأخطاء في العرض: السبت 14 نوفمبر ص 25 (الشعب العدد 1048). جدول وهذه الحالة تمثّل اشارة انذار تذكرنا بأزمة 26 جانفي 1978. على ضوء هذه النتائج وذلك بهدف تكوين نظرة نافذة الفكر بخصوص قطاع الإعلام الذي يبثّ دوما نتائج البحث العلمي في لغة غير واضحة وغير مفهومة قصد التستّر على الضعف، والسؤال المطروح في هذا التوجه يتمحور حول الاعلام الوقائي والبرامج التي تثير الشعور باللاإحساس والتي كان من الواجب اعدادها لإنقاص المخاطر المحيطة بالقيم واستغلال الفرص المتاحة أمامها. كان من المحبّذ القيام بنشاط يدعو أصحاب الاختصاصات إلى تحديد الوسائل التي يجب تهيئتها للسيطرة على الضعف العلمي كما يبيّن ذلك الجدول موضوع تصويب. ومن المهم الإشارة إلى أنّ مسؤولي البحث العلمي هم الراضون عن بقاء موقع البحث العلمي تحت عتبة الصفر. وبالرجوع إلى الرسوم والجدول يتبيّن تراجع الإبداع العلمي بسبب التضييقات المفروضة على المبدعين التي جعلت من بلادنا فضاء نضال حول الإستهلاك المستورد. وهو ما يدعو إلى القيام بالإصلاحات التي تمكن من اسماع صوتنا حول التضحيات الى فتح آفاق جديدة من شأنها الحدّ من تصرّفات منظومة التعليم العالي والبحث العلمي التي تجرّنا إلى تكرار 26 جانفي 1978. من الطبيعي والضروري أن يسعى هذا العرض إلى وضع الأصبع على أهمّ المخاطر التي تترقبنا، وهو ما كان له بالغ الأثر على التشغيل وتفاقم نسبة البطالة وتقلص موارد المبدعين بسبب انكار البدائل لبعث المؤسسات الصناعية. إنّ هذه السمات الأساسية لمنظومة التعليم العالي والبحث العلمي جعلت من المؤكد أن أقدّم جداول ورسوم لمراجعة وجهة النظر والبحث عن الحلول في اطار المحافظة على التقدّم العلمي بمختلف جوانبه. وكذلك بالإعتماد أساسا على الواقع المعرفي والتكنولوجي في بلادنا. وفي هذا السياق، عرضت على وزير التعليم العالي والبحث العلمي عددا من الاقتراحات من شأنها إذا تحوّلت بطريقة سريعة الى اجراءات عملية ان تشترك في انقاذ المعرفة والتكنولوجيا من التراجع والإختناق الذي لا مفرّ منه إذا تواصلت الأوضاع على حالها. والسؤال الذي يطرحه هذا الجانب الهام، لماذا لم يقدّم الوزير الوثيقة إلى رئيس الدولة؟ أعتقد أنّ هذا احتقار غير مقبول وغير معقول وأن واجبه لا يسمح له أن يخفي على رئيس الدولة مفتاح أزمة العلم التي تعيق البناء المستقبلي وباعتبار انتمائي إلى نفس المنهج السياسي، لم أجد عنده نفس القيم والمبادئ والتقاليد النضالية الحزبية. ويبدو لي ان متابعة هذا السلوك أمر بالغ الأهمية لإمكانات التعاون الكامل والاستعداد الإيجابي لفهم أسباب استخدام قوّة الدولة لعزل الكفاءات التي تملك مؤهلات النجاح لرفع التحديات، ورفض الإعتراف بحقهم المشروع في الإعلام وتحمل واجبهم في نقل المعلومة التي بحوزتهم خوفا أن يتمّ حولها اتفاق حتّى تصبح موضوع تبادل واسع وهو ما يمثّل أداة تعديل تساعد الكفاءات على اتباع نهج الشفافية وتدعيم الديمقراطية في جميع المجالات