لعلّ"أعمق" ردة فعل من الجزائريين على قرار تنفيذ حكم الإعدام شنقا في الراحل صدام حسين، كانت تلك التي صدرت عن عجوز قاربت السبعين من العمر،حيث امتنعت الحاجة "الوازنة" التي تقطن في دائرة التلاغمة بولاية ميلة عن تضريج يديها بالحنّاء في ليلة العيد بعد أن أخبرها ابنها زُهير اعتزام المسؤولين العراقيين إعدام صدام صبيحة العيد. و قالت الوازنة لابنها بلهجة فيها رعشة الأسى"لن أفرح و رجل كصدام يُقتل.. لن أفرح حتى و إن كنا في يوم عيد و فرحة"، و قد أخبرنا زُهير و هو خريج معهد الإعلام بأن علامات الحزن ارتسمت على وجه أمه مباشرة بعد تلقيها الخبر الذي لم يكن مؤكّدا بعد. و بعد أن ذبح الجزائريون أضاحيهم توجّهوا إلى المقاهي لتبادل التهاني، لكن ها هذه المرة كانت بطعم العلقم، الأحاديث كانت كلها عن صدّام و إعدامه و عن الرسالة من وراء توقيت إعدامه. فالأمّيّ و المثقف و الجامعي و النسوة في البيوت كلّهم اتفقوا على أن رسالة الأمريكيين و عملائهم و اليهود - الذين يختفون وراء الأحداث- قد وصلت بوضوح، رسالة مفادها"أيّه المسلمون، لستم وحدكم من يُضحّي في هذه المناسبة، فنحن أيضا ضحينا مثلكم، و لمعزّتكم عندنا..نُهديكم هذه الأضحية، رأس فحْل من فحولكم.."يقول زهير ابن الحاجّة الوازنة بأن الذين شنقوا صدام أرادوا أن يشنقوا من خلاله كرامتنا و رجولتنا، و يؤكد بأنهم قد أحسنوا اختيار التوقيت في إرسال هذه الرسالة الثقيلة علينا كأمة، و لكنه ينتفض قائلا "لماذا لا يكون هذا درسا آخر علينا أن نعيه و أن ننفض أرطال الذل التي تراكمت فوقنا منذ مئات السنين! ؟". أما عبد المالك الشاب الذي يملك طاولة لبيع السجائر فكان لا يغادر شاشة قناتي الجزيرة و العربية في المقهى الذي يعمل بجواره، يقول بلهجة يملأها الحُنق على الأنظمة العربية "هذا آخر زعيم عربي يموت مرفوع الرأس كما رأيناه، شامخا كالأسد، أما البقية فسيموتون كال..." و يواصل "رغم كلّ شيء صدام لم يخضع لأمريكا و اليهود و هم يعترفون له بذلك. رشيد صاحب محلّ لبيع الأواني المنزلية قال بأنه لم يخرج من المنزل إلا لأداء الصلاة منذ إعدام الرئيس صدام حسين، يقول"لقد ثبت صدام في موته و أفهم الأصدقاء قبل الأعداء بأن العربي عزيز بالإسلام، و قد كانت الشهادة آخر ما نطقت به شفتاه..لقد قال لنا صدام و هو في لقاء مع الموت، هكذا عيشوا و هكذا موتوا، مرفوعي الرأس، و ليخسإ الخاسئون كما كان يقول في نهاية خطاباته"، و يتفق عبود الذي يحمل شهادة عليا من معهد الفنون الجميلة من باريس و من الجزائر مع رشيد في هذا الرأي و يضيف " صدام لم يُساوم و عاش شهما كريم النفس، لذلك انتهى إلى هذا المقام..و كما عاش مات، إنه لم يستجْد عطف جلاّديه و لم يطلب حياته و كرامته منهم، لقد توجّه إلى الله بالشهادتين عساه أن يتقبّله عنده شهيدا، و إنّا لنسأل الله له ذلك". حمزة هدنه