خضير بوقايلة: kbougaila@gmail.com قرأت بعض ما نقلته الصحف عن وزير الاتصال (في أحدث تصريح له) بخصوص تأكيده على أن فتح القطاع السمعي البصري أمام القطاع الخاص لن يكون غدا ولا بعد غد، ثم تابعت لعدة أيام الصحف الحكومية بحثا عن تعليق أو مقال يثني على شجاعة الوزير ويدافع عن وجهة نظره فلم أعثر على شيء. والحق أنني اندهشت لهذا التخاذل من صُحف يفترض فيها أن تنير الرأي العام وتعبّر بإخلاص عن وجهة نظر الحكومة وتنقلها دون زيف ولا خجل إلى شعب هذا البلد العزيز، لكنني سرعان ما أزلت عني الدهشة وقرّرت أن أخوض هذه التجربة بنفسي وفي صحيفة غير حكومية لأن الوقت لا ينتظر، كما يقول أهل الجزيرة. وأول شيء أبدأ به هو انحناءة خفيفة أمام شجاعة الوزير وثباته، وأيضا على اطلاعه الواسع وحججه الدامغة التي برّر بها قرار الحكومة الموقّرة إبقاء المجال السمعي البصري حكرا على الخواص العاملين في القطاع العام. معالي الوزير رفض مقارنة الجزائر بدول الجوار التي لم تعرف ما عشناه من أهوال في سنوات الاقتتال الداخلي. وحتى لو أننا نعيش ظروفا شبيهة بتلك التي يعيشها جيراننا، أرى أن الحكمة تقتضي أن نبقي هذا القطاع الحساس بين أيدي الحكومة الأمينة، أما الذين قرروا فتح فضائهم من جيراننا فأنا أقول إن هؤلاء الناس لا يعلمون أنهم يضرون أنفسهم بهذا الانفتاح وسيأتي عاجلا أم آجلا يوم يندمون فيه على فعلتهم مثلما ندمنا نحن على فتح فضائنا لشركات الطيران الخاصة وصدورنا للبنوك الخاصة. وإذا كان معالي الوزير مقيّدا بواجب التحفظ فإنني أسمح لنفسي بالتحرر من هذا القيد وأقول إن حكومتنا الموقّرة صدّت علينا أبواب الفتنة عندما أصرّت على الإمعان في غلق المجال السمعي البصري أمام القطاع الخاص، ومن شدّة حرصها على الحفاظ على نقاوة سمع وبصر الجزائري فإنها لم انتقلت إلى فرض رقابة محكمة على القطاع السمعي البصري الحكومي أيضا، فهي تعلم أنّ خصوم الجزائر كثيرون في الداخل والخارج (كما قال قائل) ومن المحتمل جدًّا أن يستغلوا بعض الهفوات ليبثوا سمومهم عبر هذه الوسائل الطاهرة المطهّرة، ولهذا فأنا أحيي هذا الجهد وأشدد على ضرورة الاستمرار في الغلق ومنع تلك الوجوه التي لا تريد الخير للبلد من الظهور على شاشتنا الصافية، وإذا كان لا بد من ذلك فالاكتفاء ببث الصور دون الصوت هو عين الصواب. تخيلوا لو أن لدينا تلفزيونات خاصة عدة، كيف ستكون النتيجة؟ أقولها دون تردد، مزيداً من الفوضى والعبث. وفوق كل هذا وذاك فإن الجزائريين سيتشتتون هنا وهناك ويعم الجهل الوطني في أوساط أبناء البلد الواحد، حتى أنك لن تجد من يردّ عليك إن سألته عن آخر خطاب أو آخر رسالة تهنئة بعثها صاحب الفخامة إلى هذا الرئيس أو ذاك وبأية مناسبة. نعم، لن نجد كثيرا من المواطنين يخبروننا أين كان الوزير الفلاني وماذا قال في الاجتماع الفلاني ومن كان الأفضل من رؤساء الأحزاب الوطنية في تقديم الولاء والمدح لقيادة البلد الحكيمة. نعم سنخسر كل هذا وأكثر لو فُتح المجال للخونة والعابثين بمصالح الوطن للاستثمار في المجال السمعي البصري. معالي الوزير قال أيضا إن المرحلة الحالية ستكون مخصصة لتدريب وتحضير الإطارات والكفاءات استعدادا لذلك اليوم الذي تقرّر فيه القيادة الحكيمة أنّ الوقت حان لفتح المجال السمعي البصري الجزائري أمام القطاع الخاص. ولا أخفي عليكم أنّني انزعجت قليلاً عندما فهمت أنّ هناك احتمالا لفتح هذا المجال يوما ما، وأنا الذي أتمنى أن يستمر الغلق وأن لا يتوقّف عند المجال السمعي البصري (أي التلفزيون والإذاعة)، بل أن يتعدّاه إلى الصحافة المكتوبة التي أراها في الحقيقة مزعجة ولا تقدّم أي شيء لهذا البلد، بل هي في غالب الأحيان تضرّ بسمعة البلد وسمعتنا أيضا. لكنني لمّا أدركت حدّة ذكاء معالي الوزير خلال إجابته هذه، استبشرت خيراً، واطمأننت إلى أنّنا لن نتوصّل أبدا إلى تحقيق هذا الهدف، أي إلى تحضير الكفاءات البشرية التي ستكون جاهزة يوم الإعلان عن فتح الأبواب أمام المشاريع الخاصة في القطاع السمعي البصري. وهناك سببان على الأقل يحولان دون تحقيق ذلك، أولهما أن الذين سيتدربون ويكونون جاهزين قريبا سيشيخون قبل أن نعلن قرار الانفتاح، والثاني أن الذين يعلمون أن الموعد بعيد قرروا الهروب إلى الخارج لنقل خبراتهم إلى مشاريع إعلامية كبرى. ولهذا فأنا من رأي معالي الوزير الذي شدّد على ضرورة الاستثمار في العنصر البشري وتحضيره لإفساد الدول الأخرى التي غامرت وفتحت قطاعها السمعي البصري أمام القطاع الخاص. وأرجو أن يكون هذا الحسّ الوطني منتشرا لدى كافة زملاء معالي الوزير حتى لا ندع أي مجال للقطاع الخاص للاستثمار في أي قطاع، وطبعا لا يسعني هنا إلا أن أثمّن قرار غلق كثير من البنوك الخاصة والمدارس الخاصة وشركات الطيران الخاصة وقريبا العيادات الخاصة والمطاعم الخاصة والفنادق الخاصة ومكاتب الدراسات الخاصة. ثمّ إنني أرى أن الحكومة الموقّرة كانت ستضع نفسها في موقف حرج أمام الرأي العام الدولي لو أنها قرّرت فتح المجال للاستثمار الخاص في المجالات المحرّمة. وإلا كيف كنا سنفسّر هذا الانفتاح في ظل قانون الطوارئ؟ لا يمكن أن نرضى بقانون الطوارئ ونطالب أو نقرّ بفتح تلفزيونات خاصة في نفس الوقت. وإذا خُيِّرنا بين الطوارئ والانفتاح، فإننا من دون شك سنختار الأول لأن قيادتنا الحكيمة علمتنا وأقنعتنا أننا شعب مكتوب عليه أن يعيش تحت هذا القانون العزيز على كل واحد منا! أملي أن أكون موفّقا في شدّ يد معالي الوزير والدفاع عن وجهة نظره الثاقبة. -بن بوزيد يأمر مفتشي التربية بالحرص على رفع العلم يوميا في المدارس-، كان هذا عنوان خبر نقلته الشروق قبل أيام، وفي الخبر أن رفع العلم الوطني صار أمرا إلزاميا قبل بداية كل يوم دراسي. وأنا بدوري أتوقّع أن يكون لتطبيق هذا القرار كبير الأثر في نفوس أجيالنا الصاعدة، وسنقلد بن بوزيد يوما وساما عاليا لأنه اهتدى على هذه الفكرة السحرية التي ستجعل الأولاد والشباب من أشد الناس حبا لوطنهم، وسنرى كيف أن قوارب الموت الراسية على شواطئ البلد ستشهد ركودا كبيرا. وقد فكرت في اقتراح رفع العلم أمام كل بيت كل صباح وأمام كل أبواب الإدارات والشركات قبل بداية العمل، لكنني خشيت أن يساء فهمي فقرّرت سحب هذا الاقتراح إلى حين. لكن قبل أختم لديّ سؤال أرجو الإجابة عنه، هل للعلم الوطني استعمالات أخرى غير رفعه للتحية أو لف نعوش رموز الوطن به وهم يغادرون إلى مثواهم الأخير؟ سؤال بريء فعلا راودني عندما رأيت في تلفزيون القطاع الحكومي واحدا من ولاة الجمهورية وهي يرفع العلم الوطني ليعطي به إشارة انطلاق سباق للدراجات. هل هذا تصرف سليم، أم فيه إهانة للعلم أم هو شيء نورمال مثلما قال أخونا أويحيى معلقا على حكاية الخليفة؟!