بدأت تنبؤات الأدباء والفلاسفة منذ عشريتين تتحقق بشأن العد التنازلي لتاريخ الكتاب والورق، بعدما طغى الانترنيت، والتكنولوجيا على مجال الأدب أيضا. فبنى إمبراطوريته على أنقاض المكتبات، وصفحات الكتب. وتعتبر الأقراص المضغوطة والصفحات الإلكترونية البديل الحالي للكتاب، حيث بدأت هذه الأقراص تنتشر بشكل كبير، لما تحتويه من خصائص ومميزات تضمن السرعة، والسهولة في الاستعمال. غير أنها لا تحتوي على المتعة التي تمنحها لنا قراءة الكتب، والبحث بين الرفوف، ولا يمكنها أن تعوض مكانة المكتبات التي تعتبر روح المنزل والجامعات. فضياع الأدب في مواجهة التكنولوجيا أصبح حتميا بعدما طالت هذه الأخيرة معاقله، وبلغت حتى الجامعات التي لم تشأ أن تكون خارج اهتمامات التكنولوجيا، فانتهجت منهج هذه الأخيرة، خصوصا مع ظهور نظام L.M.D الجديد الذي يترجم كل المراجع الورقية على شكل ذاكرة الكترونية، فحول رفوف المكتبات التي كانت تمثل عظمة التأليف والأدب، إلى أقراص مضغوطة حبيسة الأدراج والحقائب. ولا أحد ينكر ما لهذا التحول التكنولوجي من عظمة في صالح البشرية، لكن هل الأدب استفاد من هذا التحول، وقد أفرغه من قالبه بإفراغه من صفحاته؟ يؤكد المختصون في النظام الجامعي L.M.D بجامعة بومرداس، أن هذا النظام المرجح تعميمه على كل التخصصات لا يعترف بالصفحات الورقية، ولا يتعامل إلا مع نظيرتها الإلكترونية. لأن السرعة وتحصيل المطلوب دون غيره هي القاعدة التي يتأسس عليها هذا النظام. والكتب في نضره هي مرحلة أكل عليها الزمن وشرب، وحتى رفوف المكتبات حان الوقت لتتخلص من العبء الذي أثقل كاهلها لأحقاب طويلة. ولعل "كارل كراوس" كان ليسرّه هذا التحول لأنه هو أول من نادى إلى وضع حدّ لانتشار العلم والمعلومات على صفحات الورق، رغم أن دافعه لذلك كان لحماية الأشجار من القطع. إلا أن حلمه تحقق بعد أزيد من قرن، أين ظهرت وسيلة جديدة جعلت أدب القلم يتشدّق، وأدب الشاشة يتحقق. هذا الوضع أكده الواقع الثقافي في المجتمع، أين استبدل الكتاب بقاعات الانترنيت والتي، أنشأت جيلا كاملا عرفت كيف تفطمه عن حب الكتاب والمطالعة، وتعلقه بشبكة الإنترنيت التي قد تحيي الأخلاق وقد تميتها. فمن يزور مقاهي الانترنيت المنتشرة بشكل مثير، يدرك حجم روادها الذين هجروا الكتاب، وأصبحوا يطعنون في خصوصياته. هذا الوضع قد تكتمل مأساته بعد بضع سنوات، حينما تنتهي إمبراطورية التكنولوجيا من ترجمة أوراق الكتب إلى أقراص مضغوطة، أو صفحات إلكترونية، وينقضي الجيل العتيد الذي بقي على عهده ووفائه للكتاب، فلا يبقى سوى الجيل الجديد الذي إستهوته التكنولوجيا على حساب الثروة الأدبية التي كان الكتاب أحد أعمدتها. حينها يولد مصطلح نهاية تاريخ الكتاب، ليرث الكمبيوتر صفة خير الجليس. شفيق. إ