حوار: شفيق مصباح انطلق علاء الأسواني، وهو طفل، في مغامرة الكتابة الأدبية موازاة مع دراسته الثانوية التي زاولها بالثانوية الفرنسية بالقاهرة (التاريخ؟) قبل أن يواصل تعليمه العالي بجامعة شيكاغو (Chicago) بالولايات المتحدةالأمريكية (التاريخ؟). في 1990 و1998، صدرت له مجموعة من القصص تحت عنوان "نيران صادقة". وفي 2002 نشرت له رواية "عمارة يعقوبيان" التي سرعان ما ذاع صيتها واقتبست سنة 2006، في فيلم أسال الكثير من الحبر. وقد ترجمت هذه الرواية إلى أكثر من 14 لغة إلى حد الآن. صدرت لعلاء الأسواني مؤخرا رواية جديدة بعنوان "شيكاغو" تصف المجتمع الأمريكي بنظرة اختلطت فيها المودة بالانتقاد، حاليا تلقى هذه الرواية نجاحا كبيرا بمصر، وقد شرع في ترجمتها إلى الإنجليزية والفرنسية. وكانت للأستاذ شفيق مصباح مقابلة مع الكاتب تصدر اليوم في جريدة "لوسوار دالجيري"، إرتأى أن يقدمها أيضا لقراء "الشروق اليومي". س: في ما يخص مساركم بالذات، تشيرون إلى مهنتكم كطبيب أسنان مؤكدين أن مهنة الكتابة في العالم العربي لا يمكن أن تضمن القوت لصاحبها. كيف تستطيعون التوفيق بين مهنة طب الأسنان وممارسة موهبتكم في الكتابة؟ ع. الأسواني: لو أمعنا النظر لوجدنا أن مهنة الطب، مقارنة بالمهن الأخرى، هي التي أعطت أكبر عدد من الروائيين. وتفسير ذلك سهل، لأن الطب والأدب يشتركان في نفس الموضوع، ألا وهو الإنسان. أعتقد أن المهنتين تجمعهما علاقة وثيقة. إنني، في كلتا الحالتين، أخدم الإنسانية: عندما أعالج مريضا منها وعندما أكتب عنه. مهنة طب الأسنان هي، بالنسبة إلي، نافعة للغاية؛ لأنها تسمح لي بكسب قوت حياتي وتمكنني من أن أكون كاتبا مستقلا بمنأى عن الضغوط الممارسة من طرف السلطات الرسمية. س: لكن المرضى، عندما يزورونكم بالعيادة، هل يقصدون الطبيب أم الروائي؟ ع. الأسواني: ألتقي كل يوم أناسا مختلفين، ومن أوساط وثقافات شتى؛ وهو ما يعتبر مهما بالنسبة إلي كروائي. إنني أحرص دائما في عيادتي على الفصل بين الطبيب والروائي. بطبيعة الحال، إن المريض الذي يأتي إلى عيادتي إنما يبحث عن طبيب أسنان لا كاتب روايات. أنظم ملتقى أسبوعيا في الأدب وأمنح الوقت لكل من أراد أن يحاورني في ما يخص نشاطي كروائي، إلا أن ذلك يتم خارج أوقات النشاط الطبي. لكن بعد ذلك النجاح الذي عرفته روايتي "عمارة يعقوبيان" والفيلم الذي حولت إليه، حضر إلي مرضى جاءوا للمعالجة لكن أيضا ليقترحوا علي، في الواقع، خدماتهم في مجال السينما.. أتدرون؟ لذلك أحاول الفصل بين المهنتين. عندما أكون في عيادتي، فأنا مجرد طبيب أسنان. س: لنمر الآن، إن سمحتم، إلى علاقة المثقف بالسياسة. لعلكم، في هذا الشأن، تتذكرون تلك الفكرة التي طورها الفيلسوف الإيطالي الشهير، أنتونيو غرامشي، في ما يخص فكرة "المثقف العضوي" التي تعني التزام المثقف في خدمة قضية متصلة مباشرة بوضع الطبقة الاجتماعية التي ينتمي إليها. هل تعتبرون هذه الفكرة وجيهة في الحديث عن وضع المثقف في العالم العربي؟ ع. الأسواني: أظن أن التزام المثقف بقضية ما هو واجب دائم. ليس من المعقول أن يكون المرء مثقفا ويكتفي بالاستمتاع بملذات الحياة، ناسيا واجبه تجاه شعبه. إني لأجد صعوبة كبيرة في فهم هذا الصنف من المثقفين. س: هل تظنون أن الأديب في العالم العربي قادر فعلا على التأثير في المجتمع؟ وهل تشاطرون رأي من يسخر من رجال الأدب ويعتبرهم مثاليين لا أثر لهم يذكر في الواقع المعيش؟ ع. الأسواني: إن الأديب الملتزم لا يخوض الصراع بوصفه أديبا. أنا أخوض الصراع من أجل الديمقراطية، لكن بوصفي مثقفا لا روائيا. فإذا أردنا تغيير الأمور، لا يمكننا أن نحاول ذلك من خلال رواية أو قصة وإنما من خلال أفعال سياسية وكتابة مقالات سياسية. إن الرواية هي فن إنساني وممارسة لا تغير الأوضاع مباشرة وإنما تغير القارئ فتجعله أكثر إنسانية وأكثر تفتحا. إن الأدب يعلمنا فهم الآخرين ويجعلنا أكثر تسامحا وقدرة على إدراك ضعف النفس البشرية. فالقارئ عندما يتغير إيجابيا بفضل الأدب يستطيع، بدوره، أن يغير الأوضاع السائدة. وعليه، ينبغي ألا تستعمل الرواية مباشرة كسلاح من أجل التغيير. س: في ما يخص مصر بالضبط، هل تسمح لكم هذه النافذة بإدراك أن المجتمع الفعلي، في حياته اليومية العادية، متقدم أيما تقدم على المجتمع الرسمي؟ ع. الأسواني: بكل تأكيد. أعطيكم مثالا بسيطا على ذلك: عندما أكون، وأنا بصدد كتابة رواية، في حاجة إلى معلومة مباشرة تخص المجتمع، أتجه مباشرة إلى زبائني؛ لأنهم هم الذين يفيدونني بأجوبة أكثر صحة وواقعية من تلك الأجوبة الصادرة عن الجهات الرسمية. س: في ما يخص آفاق تطور المجتمعات العربية بالذات، تصرون على أن الحل الديمقراطي لا بديل له. حسب رأيكم، هل ستدخل المجتمعات العربية النظام الديمقراطي بالسبل السلمية، على غرار ما وقع بأوروبا الشرقية، أم عن طريق الانتفاضات الشعبية مثلما حدث ببلدان أقل نموا؟ ع. الأسواني: عندما أذكر الديمقراطية فإنما أشير إلى فكرة محددة بالضبط، إلى تقليد متعارفا عليه. لعلكم تفهمون لماذا الدكتاتوريات العربية لا تجد حرجا في الحديث عن أشكال أخرى للديمقراطية. صراحة، لا أظن أن هناك شكلا آخر للديمقراطية؛ لأن الديمقراطية تظل واحدة بالنسبة إلى كافة الشعوب. غير أن الديمقراطية تبقى، في الوقت ذاته، معركة مستمرة في العالم العربي. في الواقع، إن الديمقراطية الحقة ينبغي أن تُنتزع. س: سنمر الآن، إن سمحتم، إلى المشهد الأدبي في مصر، والذي لا يعرف عنه الجزائريون الكثير، بسبب ذلك الانقطاع الموجود بين المغرب والمشرق. كيف يمكنكم أن تصفوا لنا هذا المشهد؟ ع. الأسواني: لقد كانت مصر دوما قبلة لأدباء كبار. لكن لنتطرق أولا إلى الانقطاع الذي تتحدثون عنه؛ لأنني لا أفهم سببه صراحة. ربما يعود ذلك إلى الفترة الاستعمارية. هناك تاريخ يجمعنا، كما أن مصر لا تزال تحمل علامات حية لأثر المغرب فيها، وما عليكم، في هذا الصدد، إلا أن تتذكروا الفترة الفاطمية... هذا الفصل، ولا أقول الفرق، بين المنطقتين ليس له أي مبرر وإنما جاء نتيجة الاستعمار الذي عمل على التفريق بين الشعوب العربية. س: لنعد إلى إنتاجكم الفكري. ما هي الصلة التي تقيمونها بين كل من "نيران صادقة"، أول مجموعة قصص لكم، "عمارة يعقوبيان"، الرواية التي لقيت رواجا كبيرا، وآخر رواية لكم، "شيكاغو"؟ ع. الأسواني: أعمل على الرواية منذ البداية كما لو كنت بصدد إنضاج مشروع ما. أبقى محتفظا بفكرة الرواية وجوها وبطلها. وعندي دائما مشروع روايتين أو ثلاث في الانتظار. وعندما أشعر أن المشروع نضج بما فيه الكفاية، أشرع في الكتابة. لنأخذ مثالا برواية "شيكاغو"، كان الموضوع يدور بذهني منذ مدة. وكما تعلمون، لقد درست بشيكاغو وأعرف المدينة جيدا بعد ما أمضيت أزيد من سنتين بجامعة الإيلينوي (Illinois) حيث تحصلت على شهادة "ماستر" في طب الأسنان. لقد قلت في نفسي آنذاك إن التنوع الذي يميز المدينة كان من شأنه أن يجعل منها موضوعا لرواية محتملة في المستقبل. كما تعلمون، تتمتع شيكاغو بسمعة مجحفة في ما يخص الإجرام وجنح القانون العام. غير أنها، في الواقع، تتنفس من الثقافة والفن في جو من الاختلاط العرقي والثقافي، ما يجعلها تشكل حاضرة فريدة من نوعها ومهمة فعلا. س: ألم يكن لأصولكم الاجتماعية أثر في عملكم الروائي؟ في رواية "عمارة يعقوبيان"، ولاسيما في الفيلم المقتبس منها، نجدكم تحثون على التعاطف مع ذلك الأرستقراطي الذي فقد حظوته، كما مثله ببراعة عادل إمام. أليس في ذلك نوع من الدعوة إلى إعادة الاعتبار إلى البرجوازية القديمة؟ ع. الأسواني: كلا! لا يتعلق الأمر بفترة معينة أو برمز للبرجوازية القديمة. زكي باي هو شخص في الرواية فقط. لا أحب هذه الطريقة في فهم الوظيفة. في رواية "شيكاغو"، الوضع أكثر تعقيدا. هناك مقاطع من هذه الرواية صدرت بجريدة "الدستور"، لا سيما ذلك المشهد الذي تظهر فيه امرأة متحجبة متدينة وقد وقعت في حب شخص. 10٪ من القراء كانوا مستائين إلى درجة أن بعضهم سارع إلى تهديدي... س: نجدكم تستعملون لغة وأسلوبا مبسطين. هل ذلك عبارة عن اختيار مقصود من أجل تمكين أكبر عدد من الجمهور من فهم ما تكتبون؟ ع. الأسواني: أجل. اللغة، بالنسبة إلي، وسيلة للتعبير وأداة لتبليغ رسالة ما. إني أتفادى الوقوع في الولع باللغة. في اعتقادي، زخرفة اللغة يجعلها معقدة؛ مما قد يؤثر سلبا على الرسالة المراد تبليغها. س: لقد تمت ترجمة روايتكم، "عمارة يعقوبيان" إلى اللغة العبرية، فاحتججتم ثم استسلمتم للأمر الواقع غير أنكم قررتم أن تذهب الحقوق المترتبة علي الترجمة إلى حركة حماس الفلسطينية. ترى، فهل هي "الواقعية السياسية" التي أملت عليكم هذا الموقف؟ ع. الأسواني: لقد رفضت دوما أي اتصال بالإسرائيليين، سواء في مجال الأدب أو غيره من المجالات؛ ما دام الشعب الفلسطيني لم يسترجع حقوقه الإنسانية والسياسية، أعني حقه في الوجود. لقد استولى الإسرائيليون على حقوق المؤلف لرواية "عمارة يعقوبيان"... لقد سرقوها. لا غرابة في ذلك ما داموا قد سرقوا بلدا بأكمله. ربما سيقوم اتحاد الكتاب المصريين على رفع دعوى قضائية ضد من أقدم على ترجمة الرواية من دون موافقتي. فهذا هو السياق الذي قلت فيه إن نجحنا في المحاكمة، فسيُمنح المبلغ المالي المحصل عليه للشعب الفلسطيني. لقد قلت الشعب الفلسطيني لا تنظيما أو حركة ما بعينها. هذا ما كنت أقصده مبدئيا. س: تصرحون أنه لم يتم إشراككم في إنتاج الفيلم المقتبس من "عمارة يعقوبيان" على الرغم من أنكم لا تخفون رضاكم عن هذا الأخير. فهل هي نوعية الإنتاج، التحكم في الإخراج، أم الطريقة التي أدى بها الممثلون أدوارهم هي التي تبرر هذا الرضا؟ ع. الأسواني: إني أبقى دائما محتفظا بمسافة عن الاقتباس السينمائي. تذكروا أن من بين الدروس التي استفدنا منها لدى نجيب محفوظ هو أن الروائي هو مسؤول عن روايته لا غير. سأظل مسؤولا عن روايتي لا عن الاقتباسات التي يمكن أن تجعل لها. لذلك تجدني حريصا دائما على أن تكون بيني وبين الفيلم المقتبس مسافة فاصلة. كما هو معلوم، الأدب ليس سينما إذ يظل كل فن محتفظا بخصوصيته وقواعده. ما يهم هو أنني تركت المنتج يتصرف كما يشاء وها أنذا أمام مفاجأة سارة. لقد كان الفيلم وفيا للرواية، لذلك أجدني في غاية السرور بالعمل الذي تم. س: الطريقة التي أدى بها الممثلون أدوارهم كانت هي الأخرى ملفتة للانتباه. أليس كذلك؟ ع. الأسواني: بلى! أنا متفق معكم. ما هو مهم في اقتباس الروايات وتحويلها إلى أفلام هو أن يظل الفيلم وفيا للرواية... س: لقد قرأت في الصحافة أنكم تفكرون في تحويل رواية "عمارة يعقوبيان" إلى مسلسل تلفزيوني. ما هو الغرض من ذلك إذا كان الخبر صحيحا؟ ع. الأسواني: صحيح أن التلفزيون مهتم باقتباس الرواية، إلا أنني لست مسؤولا عن هذا المشروع. في الواقع، أنا شخص يسهل التفاهم معه بسرعة وأترك الحرية للآخرين للتعامل مع الأمور بحسب هواهم... س: لنعد إلى روايتكم الأخيرة بعنوان "شيكاغو"، ما هي، بالضبط، الرسالة التي تريدون توجيهها إلى الرأي العام الأمريكي؟ ع. الأسواني: كلا! ليس هناك أية رسالة. وكما قلت في البداية، أنا لا أكتب روايات لتوجيه رسائل ما. أنا أكتب روايات أقدم فيها شخوصا. لقد قال أحد أصدقائي، وهو كاتب يدعى جلال أمين، معلقا على الرواية أنها، في نهاية الأمر، تصور العرب والأمريكيين كبشر مع كل مشاكلهم الناجمة عن أنظمة حكم على غرار ما هو واقع بالنسبة إلى النظام الرأسمالي السائد في الولايات المتحدةالأمريكية. لقد قدرت كثيرا مثل هذه الطريقة في قراءة الخيال. س: عبرتم نوعا ما عن معارضتكم لتطوير اللهجات الشعبية في العالم العربي؛ لأنها، حسب رأيكم، تمثل تهديدا للهوية العربية. كما تعلمون يوجد في الجزائر عنصر أمازيغي في الهوية الوطنية مكمل لبعدها العربي الإسلامي. تشهد الجزائر حاليا نهضة لهذا العنصر الأمازيغي، ألا تعتقدون أن موقفكم المذكور حيال هذه المسألة فيه نوع من المبالغة؟ ع. الأسواني: أظن أنه ليس من الممكن منع أناس ما من الحديث بلغتهم الأم. كيف لا وأنا أدعي أني صاحب عقلية ليبرالية. نحن في مصر نعرف أيضا هذه المسألة مع منطقة النوبة الواقعة على الحدود المصرية السودانية. إلا أنني أعبر عن معارضتي للمستشرقين حين يريدون أن ينكروا فكرة الأمة العربية، وهم بذلك معارضون للثقافة العربية في نهاية الأمر. في ما يخصني، أمنع نفسي من كتابة روايات باللغة العامية؛ لأن القارئ المغربي أو أي قارئ آخر من العالم العربي لن يكون قادرا على الاطلاع على ما أكتب. س: هل تظنون أننا نشهد، اليوم، نهضة أدبية في العالم العربي؟ ع. الأسواني: نعم. لكن ليس بالمعنى العرقي للكلمة؛ لأن المقصود هو كل ذلك الأدب المكتوب باللغة العربية. س: من هم الكتّاب الجزائريون، سواء باللغة العربية أو اللغة الفرنسية، الذين قرأتم لهم ويثيرون إعجابكم بصفة خاصة؟ ع. الأسواني: مولود فرعون من خلال روايته "نجل الفقير" ((Le fils du pauvre وقد اكتشفت فيه روائيا كبيرا وقطبا أدبيا بارزا شاءت الأقدار أن يغادرنا مبكرا. أعتبر هذه الرواية رائعة من روائع الأدب.