هناك فئة في أمتنا يصعب تصنيفها، لأن المعاني تختلط لديها فتصبح مهماتها على غير هدى تضرب خبط عشواء تصب في خانة ما يريده عدو الأمة التاريخي.. هذه الفئة ليست بكافرة ولا خائنة ولا سيئة ولا غريبة، انما هي من صلبنا وعمقنا، لكنها تحت وطأة الضغط والاستفزاز والحصار استسلمت للهزيمة وتركت لها معبرا نحو أرواحها وقلوبها فغدت تنذر الناس وتخوفهم وتصدِّر لهم الوانا من اليأس والقنوط.. في قضية فلسطين تجلى المشهد على تلك الفئة التي من هول ما أسقط في يدها ذهبت تهرول، تسارع الخطى لتنضم إلى حلف العدو بسرٍّ او علن، ظانة بأن هذا سبيل النجاة والحفاظ على ما تبقى.. وإذا بنا نرى عربا ومسلمين يصادقون من ينتهك الحرمات ويسلب الحقوق ويدنس الأقصى الشريف ويوقعون معه على حلف الأبد وصلح الأبد.. ولحسن الحظ ان العدو لا يستطيع مهما جاملهم ان يطيل فترة الصداقة، فسريعا ما يقرف منهم ويدوسهم بقدميه او يخرجهم من مسرح الحياة. اولئك اليائسون جاهلون بالنواميس، فاقدو الحس بحركة التاريخ، وقد تجمدت الدنيا كلها في اللحظة الراهنة النكدة فصاغوا جملتهم كلها وفق ما توحي به اللحظة، وهم لو حاولوا فقط الاستدارة قليلا يمينا او يسارا او خلفا لرأوا ما يمنعهم من الانهيار ويكشف لهم سوء التقدير الذي ذهبوا إليه.. فها هي ثورات الشعوب وها هو الانسان يقاتل الطغيان وينتصر في كل مكان على اعتى قوى الشر العالمية. اليائسون هم جهلة ايضا بتاريخ أمتهم العزيز الذي انطلق بقلة مؤمنة محاصَرة في شُعب أبي طالب لتدك عروش الطواغيت وتنسف امبراطوريات الجور والظلم البيزنطية والفارسية معا لتصبح الدنيا كلها بعد ذلك في قبضة يديها بعد اقل من خمسين عاما.. اليائسون اولئك لم يعرفوا عن تاريخ التتار وكيف اجتاحوا ديار العرب بشكل قلّ نظيره، ولكن الرجال الذين امتلأوا كرامة وعزة ووعيا شقوا بطن الهجمة وأسقطوها أرضا.. اليائسون لم يعرفوا اي روح انتصرنا بها امام الصليبيين.. ولم يدركوا روحنا المنتصرة في ثورة نوفمبر المجيدة ونحن نطوح رأس الامبراطورية الفرنسية الغاشمة. اننا ندرك ان اليأس يقود صاحبه إلى الانتحار المعنوي واحيانا المادي.. لذلك يلجأ اليائسون إلى الغرب الاستعماري يستقوون به على إخوانهم وأهلهم وشعوبهم ودولهم.. فهم إن سلموا للكيان الصهيوني بجريمته وتعاونوا مع العدو على إخراج الشعب الفلسطيني من أرضه فهم اليوم انفسهم يقومون بتدمير سورية بعد ان تواطأوا مع العدو الأمريكي على تدمير العراق. اليائسون اولئك جلبوا لمنطقهم نصوصا مقدسة اساءوا تأويلها وحشدوا لموقفهم اتباعا من الاعلاميين المهرِّجين والمثقفين المتعيلمين ليعمموا الهزيمة على أرواح الأمة وهم وضَّاعون للفتنة في الأمة يفرقون صفها ويشتتون شملها. ولكننا بروح انتصاراتنا العظيمة من بدر إلى الجزائر، وصمودنا في فلسطين وإصرارنا على الحياة ودحر الشر من العراق وسورية، نؤكد ان الصيرورة تسير بنا وبهم إلى انتصار عزيز للأمة الخيِّرة، والانتصار لا يكون الا بفلسطين ووحدة الأمة ونهضتها.. وان غدا لناظره قريب.