هل يستطيع العرب إدارة خلافاتهم لصالح قضاياهم، ويخرجون من تحت آثار الهزيمة السياسية التي جمّدوا أنفسهم فيها منذ هروبهم المخزي من المعركة العسكرية، أم أنهم سيؤسسون لفكر مسايرة الهزائم كقضاء وقدر، ويورّثونه لمن يأتي بعدهم من الأجيال ؟!؟ قد يذهب كل العرب وقد يطير إلى الدوحة بعضهم فقط، لحضور القمة العادية المرتقب إجراؤها في نهاية هذا الشهر، والتي تعقد في ظروف غير عادية فالأعداء والأصدقاء يكونون تبادلوا المواقع، وانفصل الحاكم عن محكوميه، واختلط السياسي بالديني والاقتصادي بالثقافي في جدلية كارثية توحي بعجز الجميع أمام الظاهرة الاستدمارية الصهيونية، خاصة بعد م جرى لغزة وفيها من مشاهد يشيب لها الولدان، السياسيون فشلوا بعد توظيفهم للدين، والدعاة والفقهاء سقطوا بعد أن أجّروا متاعهم المعرفي للسياسة، والنخب المعوّل عنها راحت ضحية وضعها الاجتماعي المضطرب، وغدا الذين قال فيهم الله عز وجل: " إنما المؤمنون إخوة"، أعداء تقطّعت قلوبهم ونشروها على أسوار غزة، في أكبر فرجة للعار العربي والإسلامي فعله فيهم الشعب المحتار في أمره، بمباركة الغرب المريض بعقدة ذنب اضطهاد اليهود، وقدموا أنفسهم قربانا للغباء المزمن، ابتداء من اغتيال الرئيس العراقي صدام حسين مرورا بملاحقة الرئيس السوداني عمر البشير إلى أن يستلوهم من كراسيهم وعروشهم واحدا فواحدا . الحرب على غزة أبانت عن معسكرين متباينين يحملان رايتين مختلفتين، في كل معسكر عرب ويهود متآخين، تتزعم الأول إدارة الاحتلال ومن والاها من عرب أطلق الغرب عليهم أهل الاعتدال، وهم الذين أسقطوا البندقية من المعركة وهربوا في عز وطيس الحرب باسم السلام الذي "أنجز"فيه الكيان الصهيوني أكثر من حرب همجية مدمّرة على الأمة العربية، وتتخندق في الثاني المقاومة الوطنية والإسلامية وعرب فضّلوا أن يكونوا تحت راية الممانعين، ومعهم بعض دعاة السلام اليهود الذين وصفهم"إخوانهم" بالفئة الشاذة الضالة، إذن انقسمت المنطقة في حرب تدمير غزة إلى فئتين تدافع إحداهما عن الباطل وتناصر الأخرى الحق المطارد لأكثر من ستين عاما . رغم وضوح الرؤية فإن بوصلة العرب الرسميين مازالت تضلل الموقف العربي في كل اللحظات الحرجة، فهانت به الأمة إلى درجة أن فردا نكرة من جيش أعدائها الغزاة أصبح يساوي آلافا من أبنائها الذين ولدوا أحرارا، ويساوم به الطغاة فك أسر شعب بأكمله، ناهيك عن التفريط فيمن اختطفوا من أعضاء المجلس التشريعي الفلسطيني الذين شهد الغرب على نجاحهم بديمقراطية باركها قبل أن ينقلب عليها تماشيا مع المزاج الصهيوني، لقد وهنت القوة وضاع الهدف وتضاءل الأمل في إنهاء الصراع المسلط على الشعوب العربية انطلاقا من فلسطين، بفضل الرؤية المتبصرة لحكماء الاعتدال المرابطين في ساحة الاستسلام، لا يضرهم اعتقال المزيد من الفلسطينيين كلما فشلت محادثات العدو مع الثائرين في غزة، ولا يهزهم اقتطاعها للكثير من الأراضي التي لم ُتحتل في عام 1948 ولا في عام 1967 ولا في عام 1973 ولا حتى في عام 1992 وما تلاه من سنوات استبعاد المواجهة العسكرية والتيه في أكذوبة السلام، بل ربما يأملون ويعملون على أن تلتهم هذه الإدارة الأفعى" فلسطين كل فلسطين" فقد يستريحون مما يعتبرونه صداعا فلسطينيا، حرّك لهم مواجعه الفلسطينيون الذي احتفلوا- بطريقتهم- بالقدس عاصمة للثقافة العربية وهم بين معتقل ومسحوب على وجهه ومطارد بالقنابل المدمعة ومحاصر خلف متاريس البوليس الصهيوني، ولا من يفتح فاه ممن لا زالوا يتسولون بمبادرتهم التي يقولون إنها كل سلاحهم في معركة الاستسلام عفوا السلام! ويتوسلون بها عند أبواب مجرمي الحرب في تل أبيب . منذ انخداع العرب بأكاذيب الغرب في إسقاط الدولة الإسلامية العثمانية مقابل استقلال الإمبراطورية العربية، وهم يتدحرجون من منطق الدولة إلى عرف القبيلة، وما زالوا يسيرون في طريق الانحدار نحو حالة التشتت والتشرذم التي تفرض عليهم الولاء المطلق للأقوى الغريب في مواجهة افتراضية للقوي القريب، فهم دائما تحت إمرة واشنطن، وإذا كانوا قد جاهروا بمناهضتهم وحتى عدائهم لسوريا عندما وضعها الذاهب من غير أسف عليه بوش الطفل في خانة المارقين، فإنهم لم يجدوا حرجا في ملاقاة رئيسها الذي قاطعوه وحاصروه بالأمس، فعانقوه اليوم فقط حينما رأوا الساكن الجديد للبيت الأبيض الأمريكي أعاد جسوره المغلقة بينه وبين دمشق من أجل أمريكا وليس حبا في سوريا، ويكونون زايدوا على موقف باراك أوباما، بمحاولة جذب سوريا من تحالفها الطبيعي والاستراتيجي مع إيران إرضاء للوبي الصهيوني الذي يعمل على تضخيم ما يسميه الخطر الإيراني على المنطقة، فولاء اتهم لا مصلحة لشعوبهم ولا لأمتهم من ورائها إلا التشبث بكرسي يرضى عنه الغرب وربيبته إسرائيل ولو هزّته الرياح والعواصف والقلاقل الداخلية التي هيئوا أحدث وسائل القمع لإحباطها حتى الآن، والغريب أن أعراب هذا الزمان نفخوا في مزمار الغول الإيراني إلى درجة اعتبروه معها فوق المخاطر المحدقة بهم حقيقة من طرف الكيان العنصري الصهيوني المزروع في قلوبهم وبين أفخاذهم وعل جنوبهم، وفي آخر"انفراد"لهم بسوريا استبعدوا إمارة قطر حتى لا تشوّش عليهم بشجاعتها وموفقها من جريمة غزة حينما قامرت بمصالحها فكبرت قطر الصغيرة وصغرت في حممها الدولتان الكبيرتان اللتان أصبحتا أكبر عقبة في وجه الأمة كلها . الكيان الصهيوني هو الخطر" الأخطر"باستثناء قلته القليلة التي تحب أرض الميعاد بعقلها أكثر، فهو يدعو إلى اجتثاث الفكر المناهض للاحتلال بكل الوسائل التي تتراوح بين التهجير والتقتيل، ويدعمه في ذلك مجتمع من المستوطنين الذين ُولدوا في مستنقع العنصرية وتربوا في أحضان كره الآخر وتحيا أغلبيتهم على فلسفة تدمير الغير من أجل أن تعيش، فرغم حجم ا لخراب الذي ألحقته آلة الموت بالمدنيين الفلسطينيين في غزة، وباعتراف الجنود العائدين من ساحة الانتصار على الأطفال كما جاء في صحافة الاحتلال، فإن الشتات الصهيوني يدعو إلى إزالة غزة ومسحها من الخريطة، ولو تطلّب الأمر استعمال القنابل النووية مثلما جاء في عينات لاستجوابات تلفزيونية بثتها بعض الفضائيات مؤخرا، ولا يعتبر عرب"المفصل" ذلك خطرا على الإطلاق، بل يولّون وجوههم صوب إيران الإسلامية التي راعهم أن تشذ عنهم وتقف مع المقاومة في وقت تخلوا فيه عن نصرتها، ويعتبرونها- أي إيران-خطرا فارسيا قادما يهدد عروبتهم وقوميتهم اللتين اغتصبهما القادمون من مزبلة التاريخ، العاجزون عن إدارة الحاضر، الذين لا يعرفون أن للأمة مستقبلا يجب الذهاب إليه وحمايته، وجعلوهما كالمومس التي بلغت من العمر عتيا، ولا يستحي أحد وزراء خارجية دول العجز العربي أن يقول لإيران إن أردت مساعدة حركات المقاومة العربية والإسلامية فلا بأس في ذلك، ولكن شريطة أن يمر ذلك عبر بوابتنا! وهو يعلم أن بوابتهم الوحيدة المشرعة، هي ما يطلون به على آل صهيون في رحلة استجداء يدمي القلوب ويسحق الكرامة ويقتل العزة إلى الأبد ...