تزخر منطقة غرداية من خلال تاريخها الذي يعود إلى قرون من الزمن وبريقها المعماري بتراث حضاري لا يقدر بثمن تم تصنيفه على أعلى المستويات من طرف منظمة الأممالمتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) سنة 1982 تراثا عالميا لا يحتاج اليوم إلا لمزيد من جهود المحافظة عليه. هذا الموروث المادي واللامادي لقصور وادي ميزاب الذي يتوجب أن يكون في قلب جميع عمليات ترقية الاستثمار والتنمية الاجتماعية والاقتصادية المستدامة طالما خلف حالة تناقض بين منطقة مصنفة من طرف منظمة اليونسكو وقلة الوعي بأثر وأهمية هذا التصنيف. وعانت منطقة غرداية وخصوصا منطقة وادي ميزاب على مدى عدة عقود من تبعات التمدن السريع وفي بعض الأحيان الفوضوي على حساب تراثها المعماري، كما أكد عديد الفاعلين في الحركة الجمعوية الناشطة في مجال حماية التراث، وشهد وادي ميزاب آثار هذا التمدن السريع والفوضوي وتدهورا متقدما في محيطه البيئي، لاسيما في بساتين النخيل التي شيّدت بها بنايات عشوائية دون احترام المعايير المعمارية للمنطقة، مثلما أوضح أحد أعيان المنطقة. وعرف المشهد المعماري لوادي ميزاب الذي يزخر بثروة كبيرة من حيث مخطط التصنيف الرسمي والوظيفي للتنوع اللغوي المعماري المستعمل في مختلف المنشآت المبنية اختلالات على مستوى بنيته الحضرية الاجتماعية والاقتصادية، حسبما ذكر من جهته شاب مهندس عابر لمنطقة غرداية. وقد تجلت تلك الاختلالات منذ سنوات من خلال البناءات غير القانونية والعشوائية واقتحام العقار والمساحات الخضراء لاسيما بساتين النخيل التي زحف عليها الإسمنت بشكل واسع، بالإضافة إلى تدهور المحيط الحضري بسهل وادي ميزاب، يضيف نفس المتحدث. وقد فاقت البنايات غير القانونية بوادي ميزاب 1600 بناية تم تشييدها من دون رخصة بناء ومن دون احترام الهندسة المعمارية المحلية وعلى أراض تم اقتحامها مشوّهة بذلك مظهر ومحيط الوادي، حسب معطيات مديرية التعمير والهندسة المعمارية والبناء. وعرفت منطقة وادي ميزاب سلسلة من التدهور لمحيطه الفيزيائي ولنمطه المعماري بفعل التخلي عن استعمال مواد البناء المحلية والتقليدية في البناء فاسحة المجال لغزو الإسمنت ما شوّه معالم المنطقة. و"يعرف تراثنا المادي الذي تركه لنا الأجداد تدهورا من يوم لآخر، جراء تقلبات الزمن والتغيرات المناخية وكذا تدخلات الإنسان عليه، بالإضافة إلى عديد العوامل التي شوّهت الماضي العريق لهذه المنطقة"، يقول أحمد نوح، أحد أعيان قصر بني يزقن (غرداية). وأحصى شاب عضو ناشط في جمعية حماية تراث قصر مليكة السيد "م .بكير" أزيد من عشرين حالة اعتداء بداخل القصر لاسيما إنشاء فتحات جديدة للمباني دون الأخذ في الاعتبار آثار ذلك على الجيران ودون الحديث عن التحوّلات التي طرأت على واجهات البنايات. ويعاني المشهد المعماري لوادي ميزاب تدهورا، حيث توجد عديد المباني المتدهورة والآيلة للسقوط والجدران المتشققة وانتشار أشكال معمارية دخيلة مدمجة مع الطابع المعماري للمنطقة لاسيما بعض المنشآت المنجزة من الإسمنت المسلح التي حلت محل مواد البناء التقليدية التي تتكون أساسا من مادة الجبس، وفق ما كشف عنه المكلف بتسيير ديوان حماية وترقية سهل وادي ميزاب، كمال رمضان. وأبرز ذات المتحدث في تصريح لوكالة الأنباء الجزائرية "أهمية التدخل العاجل من خلال تحديد الأضرار التي لحقت بهذا المعلم جراء تقلبات الزمن واعتداء الإنسان على التراث المعماري مع تثمين جهود الدولة المستمرة من أجل حفظ وترميم التراث". وذكر أنه تم في هذا الإطار استبدال المباني ذات الطابع المعماري القديم خاصة بمركز مدينة غرداية ببنايات حديثة دون احترام اللون الرملي لواجهاتها الذي يعتبر رمزا لمدن جنوب البلاد. وضع مسار لحماية وادي ميزاب وبهدف مواجهة هذه الوضعية "المقلقة" بادر المسؤولون المكلفون بالتراث والثقافة بإدراج مسار لحماية سهل وادي ميزاب، يضيف ذات المتحدث. و"يتم دائما التذكير بضرورة الامتثال لمعايير الهندسة المعمارية المحلية من أجل حماية النمط المعماري النموذجي للمنطقة والحد من تدهور التراث"، يقول ذات المسؤول. وأضاف "نقوم بالتنسيق مع المصالح المعنية من خلال آرائنا حول مواقع المشاريع الاستثمارية من أجل الالتزام بقانون التراث 04/38 الصادر بتاريخ 15/07/1998 والمرسوم التنفيذي رقم 05/209 الذي يصنف وادي ميزاب كقطاع محفوظ في سنة 2005". وتزداد قائمة الأشغال الاستعجالية من أجل حماية التراث المحلي يوما بعد يوم في انتظار استكمال مخطط الحماية المسند لمكتب دراسات والذي يسجل تأخرا، حسب المتحدث. وعلى سبيل المثال فإن قصر بني يزقن وحصنه الذي يعد بمثابة جوهرة للعمارة القديمة ويشكل المعلم التاريخي الأكثر زيارة بالمنطقة ببرجه وواجهاته الرائعة والمتألقة بات عرضة للتلوث بفعل التقلبات المناخية وتعاقب الأزمان، بالإضافة إلى عديد التسربات في شبكات المياه الصالحة للشرب والصرف الصحي. بالإضافة إلى ذلك فإن عديد الأجزاء الخارجية للقصور العريقة بالمنطقة توجد في حالة سيئة، بعد أن فقدت المزاريب التقليدية رؤوسها، واستبدلت بأخرى بلاستيكية لصرف مياه الأمطار، فيما فسحت الأحجار ومواد البناء المحلية الأخرى المجال للقوالب الإسمنتية والآجر الأحمر والإسمنت. وقد أطلقت عديد عمليات ترميم التراث المعماري، لاسيما المنازل التقليدية المشيّدة حسب هندسة معمارية مدروسة وشبكة المنشآت المائية القديمة وكذا الآبار التقليدية والمعالم الجنائزية من أجل وضع حدّ لهذا التدهور ودعم الجاذبية السياحية للمنطقة. 2000 بناية بوادي ميزاب مستها عمليات التجديد شملت عمليات التجديد ما لا يقل عن 2000 بناية تقليدية منذ سنة 2000 بوادي ميزاب وأكثر من عشرين عملية ترميم وإعادة بعث التراث المعماري النموذجي وبعض المعالم التاريخية القديمة التي تأثرت بفعل تعاقب السنين، كما أوضح مسؤول ديوان حماية وترقية وادي ميزاب. وكشف من جهته مسؤول التراث بمديرية الثقافة لولاية غرداية أن السلطات العمومية قد جسدت بدورها عديد عمليات ترميم الآثار والمواقع والمساكن الآيلة للسقوط بمختلف قصور سهل وادي ميزاب. وأطلقت منذ 2014 خمس عمليات لإعادة تأهيل وترميم ساحات سوق القصور والأضرحة وأماكن الصلاة والمساجد بالإضافة أيضا إلى محو مخلفات الأحداث المؤسفة التي شهدتها منطقة غرداية بهدف المحافظة على هذا التراث الفريد من نوعه، مثلما أوضح محمد علواني. وبالنسبة لرئيس المجلس الشعبي لبلدية غرداية عمر فخار فقد "بات من الضروري إشراك مؤسسات الدولة والمجتمع المدني والمواطنين والمستثمرين الخواص في رفع التحدي والمحافظة على الشهرة المعمارية والقيم الثقافية والتربوية لسهل وادي ميزاب بهدف إعطائه أكثر جاذبية للاستثمار المنتج والسياحة". ويطمح الشركاء الاجتماعيون إلى إضفاء نفس جديد للمنطقة التي تأثرت على غرار مناطق أخرى بأزمة السياحة الدولية مع المحافظة على التراث المعماري المصنف. كما أن المحافظة على هذه التحف الفنية الرائعة التي شيّدها وأبدع فيها الأسلاف "ينبغي أن تكون أولوية وسلوك المواطن ولكل سكان المنطقة "، كما أضاف ذات المنتخب. و"ستساهم العمليات في إطار برنامجنا في تعزيز المسالك السياحية على مستوى غرداية وتجميل البيئة المبنية والتنمية الاجتماعية والاقتصادية في المنطقة وفي المحافظة على تراثها المادي الذي يعكس عظمة ماضيه المعماري المجيد وأصالة المهارات التي لا نظير لها في المجالات الثقافية والحضرية والاجتماعية"، مثلما ذكر رئيس بلدية غرداية.