بحلول شهر رمضان تحلّ بركة الأيام وحلاوة الليالي، وتطيب حياة المسلمين بأجواء روحانية وعائلية قلّما نجدها في سائر الأيام، غير أن العزيز المفقود لدى العديد من الناس هو "النوم الصّحي". فبتزامن الشهر الفضيل مع فصل الصيف وأواخر فصل الربيع، تتقلص ساعات الليل ويستبدل هذا الأخير سكينتة بالكثير من النشاط والحركة، ولا يبقى هناك وقت لأخذ قسط كاف من النوم أمام أولوية العبادات، والسهرات العائلية التي تستمر إلى غاية طلوع الفجر. شهر توديع النّوم من يضربون للنوم موعدا في بياض نهارهم خلال شهر رمضان، يجمعون على أنهم لا يستعيضون عن نوم الليل، ويبقى شعور التعب والنعاس يلازمهم حتى لو ناموا لساعات خلال النهار، مع ذلك حالهم أفضل ممن لا يجدون وقتا لأخذ قسط من النوم والراحة على مدار 24 ساعة. فبالنسبة لحسناء شهر رمضان هو شهر توديع النوم على حدّ تعبيرها، وتقول السيدة أنها تعمل من الساعة التاسعة صباحا إلى الساعة الثانية بعد الزوال، وبالكاد تعود إلى منزلها وتنهي صلاتها؛ تبدأ في الترتيب والتنظيف وإعداد الفطور ولا تنهي أشغالها إلا مع وقت آذان المغرب. أما بعد الإفطار فتمضي إلى المسجد مع زوجها و أولادها الثلاث لأداء صلاة التروايح، ويعودون إلى البيت مع حوالي الحادية عشر ليلا، وهو الوقت الذي يجتمع فيه أفراد العائلة ويسهرون إلى حين موعد السحور، ولا يخلدون للنوم قبل آداء صلاة الفجر، وهكذا- تضيف المتحدّثة- لا يبقى أمامها سوى ثلاث ساعات فقط قبل أن تستعدّ للذهاب إلى عملها وهو وقت غير كاف وغير مناسب لتستغرق في النوم. أما بالنسبة لزوجها يزيد فيحاول النوم بعد عودته من العمل لكن دون جدوى، ويكتفي بإغفاءات متقطعة لا تفي بالغرض. ولا يختلف الوضع مع صباح فهي الأخرى تشتاق إلى النوم الكافي في شهر رمضان، خصوصا أن ابنتها التي كانت تمدّ لها يد العون تستعد هذا العام لإجراء امتحان شهادة الباكالوريا وتقول السيدة أنها تنام ساعة بعد الظهر وساعة بعد صلاة العشاء والتراويح هذا هو حظّها من النوم طوال شهر رمضان. أنام في مكتبي دوام قصير يخصمه التأخر في المواعيد، أو الخروج السابق لأوانه ويتخلله الكثير من النعاس والخمول وقلة المردود ذلك هو حال العديد من الموظفين خلال شهر رمضان، فالنوم الذي يفتقدونه خلال الليل تظهر أعراضه بوضوح خلال النهار وفي أماكن العمل، أين لا يفوت بعضهم فرصة اختلاس دقائق يطبقون فيها جفونهم. حيث يروي احد الموظفين في مؤسسة حكومية أنه يراقب خروج المدير ليغلق باب مكتبه ثم يسند رأسه إلى ذراعيه لينام ولو لنصف ساعة، ويقول الشاب أن أكثر شيء يضره خلال شهر رمضان في السنوات الأخيرة هو قلّة النوم وليس الجوع أو العطش. نوم النهار لا يعوض نوم الليل وتشير الدراسات العلمية إلى أنّ نوم الليل أهمّ بكثير من نوم النّهار، والسبب راجع إلى الساعة البيولوجية الطبيعية لجسم الإنسان التي تنشط أدوار العديد من الغدد في الجسم خلال الليل فقط، حيث تفرز أجسامنا هرمون الميلاتونين وهو المسؤول عن الحيوية والنشاط وتقوية المناعة، ومهما توفر عامل الظلام خلال النهار لا يفرز هذا الهرمون، وهو ما يفسر التعب والخمول الذي نشعر به عندما ننام خلال النهار. ولأن شهر رمضان المبارك، هو الضيف العزيز الذي يهون من أجله كل عزيز، ويسبق فيه حق الأرواح التواقة إلى رضا بارئها على حق الأجساد، لا يمكننا القضاء على مشكل اختلال مواعيد النوم نهائيا طالما حلّ في فصل الصيف أو الربيع، لكن بإمكاننا التقليل من أضراره بمحاولة تنظيم الوقت للحصول على أكبر فترة نوم ممكنة خلال الليل، وعدم الاكتفاء بالنوم في النّهار.