بعد أن فرضت نون النسوة في السنوات الأخيرة تواجدها وسيطرتها على مختلف المؤسسات والمراكز الإدارية والاستشفائية والتعليمية والثقافية، جاء الدور على مجال البيزنس، الذي اقتحمته النساء بشكل ملفت سيما الشابات، حيث تعدى دورهن البيع البسيط إلى عقد الصفقات الكبرى بتوكيل من أصحاب المحلات؛ الذين وضعوا ثقتهم الكاملة فيهن واكتفوا بدور المراقب. وبدأ نشاط الجنس اللطيف في المحلات التجارية مع بيع الملابس النسائية والأفرشة ومواد التجميل، والحلويات بحكم علاقة المرأة الوطيدة بهذه الأمور وقدرتها على إفادة الزبائن ومساعدتهم على اختيار ما يريدون، حيث وجدت الفكرة ترحيبا واسعا، سيما من طرف النساء اللائي وجدن أريحية كبيرة في الإنتقاء والاستشارة والمساومة فيما يتعلق بشراء الملابس الخاصة بهن. وهو ما تبين لنا من خلال زيارتنا لبعض الأسواق والمراكز التجارية في الشرق الجزائري، وفي هذا الصدد تقول إحدى الشابات اِلتقينا بها في محل لبيع فساتين العرائس بمركز "la coupole" بالمدينة الجديدة علي منجلي بقسنطينة " أتيت قبل فترة لهذا المحل وكان يعمل به شابان ولم استطع يومها أن اختار الفستان الأنسب، أما اليوم فقد وجدت فيه شابتان ولمست الفرق الشاسع في طريقة التعامل فالشابتان استطعت أن استشيرهما وأستفيد من نصائحهما، كما أنهما دخلتا معي إلى الغرفة الخاصة بالتجريب وبناء على رأيهما اخترت الفستان، عكس الشابان اللذان لم يقدما لي سوى بعض المعلومات العامة". و لم تقتصر سيطرة الجنس اللطيف على تجارة الملابس النسائية والأفرشة ومواد التجميل و والأواني والحلويات فحسب ، بل تعدتها إلى تجارات حساسة كبيع الذهب، وتبديل العملة وأخرى كانت حكرا على الرجال كبيع اللحوم والخضار حسب ما لاحظناه أيضا، وكانت وقفتنا بأحد محلات بيع لحم الدجاج حيث لفت انتباهنا وجود بائعة شابة ترتدي المئزر الأبيض اقتربنا منها وسألناها بفضول عن انطباعها حول هذا العمل، فأجابت أن صاحب المحل هو جارهم، وهو من طلب خدمتها ثم قام بتعليمها أبجديات المهنة وتقول : "عمي العربي وهو جارنا وبمثابة أب لي، وهو يعلم أنني كنت سندا لوالدي رحمه الله في كل شيء ودائما يقول عني أنني فتاة بألف رجل، لذلك طلب مني مساعدته في محله بعدما تخلى عن خدمات شاب كان معه، تعلمت منه الكثير من الأمور، مساعدة الزبائن وتقديم نصائح لهم في اختيار وزن الدجاج أو القطع المناسبة للأطباق التي يستعملونها فيها". وبينما تبدو ظاهرة غزو الجنس اللطيف لمحلات التجارة بمختلف بضائعها غريبة، لأصحاب المحلات ما يبرر اعتمادهن على خدمات الشابات بدل الشباب، حيث يقول عمي العربي صاحب محل بيع الدجاج الذي زرناه انه استغنى عن خدمات شاب كان معه واستبدله بجارته الشابة، بعدما اكتشف انه يغشه ويسرقه في غيابه، فضلا عن تهاونه وتأخره في الحضور إلى المحل. عكس جارته الشابة التي وجد فيها الجدية والصدق والأمانة وحسن التعامل مع الزبائن. من جهته يؤكد صاحب محل شهير لبيع الذهب وسط مدينة قسنطينة القديمة، أنه يعتمد على خدمات سيدة ثلاثينية أرملة منذ عدة سنوات، ولمس فيها صفات المسؤولة المثالية الجديرة بالثقة مما جعله يستأمنها على المحل، ويوكلها في غيابه على صفقات بيع ضخمة تصل إلى 500 مليون سنتيم. ويعترف صاحب محل لبيع الأجهزة الكهرومنزلية يستعين بخدمات شابة أن المرأة أثبتت جدارتها ومهارتها في البيزنس أفضل من الرجل، ويعزو ذلك إلى طبعها المرن، وقلبها الكبير على حد تعبيره، وقدرتها على الصبر على الزبائن أكثر من الرجل، إضافة إلى ما تضفيه من بشاشة ولباقة مع الزبائن فضلا عن قبولها بمرتب بسيط عكس الشاب الذي يفضل البطالة على العمل بمرتب أقل من مليوني سنتيم شهريا. ورغم أن عمل النساء في المحلات التجارية قد فتح لهن آفاقا واسعة للاسترزاق الحلال وجني الأرباح، إلا انه لا يخلو من متاعب ومشاكل على رأسها سوء المعاملة من طرف صاحب المحل أو من طرف الزبائن، وفي هذا الصدد تروي آمال التي تشتغل في محل لبيع مواد التجميل عن معاناتها تقول: " أتعرض للكثير من الضغط من طرف صاحب المحل الذي يعاملني بفظاظة أحيانا، ويطلب مني تنظيف المحل ومسح الغبار، كما يقصدني أيضا زبائن غير متفهمين يطلبون مني تخفض الأسعار رغم أنهم يعلمون أنني مجرد بائعة وعندما أرفض يسيؤون إلي بالكلام ..كلّ هذا من أجل 15000 دينار جزائري" وتضيف الفتاة: " لحسن حظي أنني اعمل فقط لمدة شهرين خلال إجازة الصيف من أجل أن أؤمن بعض المصروف قبل عودتي إلى الدراسة في شهر سبتمبر"