عادت مؤخرا مظاهر التويزة بقوة إلى المجتمع الأوراسي، وبالضبط من بوابة قرية ماركوندة التابعة لبلدية تاكسلانت بباتنة، حيث عرف السكان كيف يكرسونها خلال حملة الحصاد والدرس، وسط أجواء اتسمت بالتعاون والتكافل في أجواء ذكرت الكثير بالزمن الجميل الذي كان رأس مال المجتمع الأوراسي يتسم بالعمل الجماعي لرفع التحدي ومد يد العون، وهي ذات الأجواء التي وقف عليها الكثير أيضا خلال شهر رمضان الكريم، بشكل يؤكد تمسك الجزائريين بالتكفل الاجتماعي في مختلف مناحي الحياة. عرف سكان قرية مركوندة بتاكسلانت غرب ولاية باتنة كيف يحيون فضيلة التويزة لحصد المحاصيل الموسمية، وفي مقدمة ذلك القمح والشعير، حيث كانت مناسبة للّقاء والتباري في حصد "النيرات" التي تنتهي في الغالب حول طبق من الكسكسي أو الشخشوخة المحلاة بالدلاع، أو أكواب من اللبن المعزز بالأطباق التقليدية في مقدمتها الزيراوي، مع تناول البصل لتخفيف شدة الحرارة، وبصرف النظر عن متاعب الحصاد تحت أشعة الشمس الحارقة، إلا أن سكان قرية ماركوندة أعطوا الوجه الآخر للتويزة التي تعكس قيمة رأس المال الاجتماعي في مجتمع بدا مصرا على مواجهة العولمة وتبعات التيه القيمي، وهي نفس الأجواء التي يبدو أن المجتمع الجزائري لا يزال متمسكا بها، خاصة في الأعياد والمناسبات الدينية، وفي الأفراح والأقراح، بدليل أن الكثير من الخيّرين في مختلف مناطق الوطن لم يتوانوا خلال شهر رمضان المنصرم في القيام بمبادرات لمد يد العون للمحتاجين، وجسدوا بذلك حرصهم على التكافل الاجتماعي. وتنتشر في منطقة الأوراس ومناطق أخرى من الوطن "التويزة"، من خلال تفعيل أنشطة البناء وجني الثمار وحملات الحصاد والدرس وغيرها، بشكل يعكس التضامن العفوي بين أفراد المجتمع بعيدا عن الرسميات، ما يعكس حسب الكثير خاصية التضامن على مدار العشريات المنصرمة، رغم التحولات والتطورات التي عرفها المجتمع. التويزة بين حنين الماضي وتحديات العولمة ويؤكد الدكتور يوسف بن يزة ل"الشروق" بأن الرجوع إلى هذه التقاليد بكثير من الشاعرية يعد نوعا من أنواع مقاومة العولمة التي غيرت حياة الشعوب وأنستها في ظرف قصير تقاليد ونمط حياة عمر عدة قرون، مضيفا في هذا الجانب: "هذا الأمر سيبقى في جانبه الرمزي فقط، على اعتبار أن لا أحد يمكنه الآن التخلي عن الآلة بما توفره من جهد ووقت لصالح النمط التقليدي للحياة رغم شاعريته، أقول هذا عن استرجاع طقوس الحصاد بالمنجل وباقي الأدوات التقليدية، أما عن فكرة التويزة فهي واحدة من فضائل المجتمع التي اندثرت للأسف الشديد، ولذلك فهذه المبادرات تذكرنا بواحدة من مظاهر التكامل والتماسك الاجتماعي"، وهي حسب محدثنا تمثل قيمة أخلاقية اجتماعية دينية تترجم مضمون الآية الكريمة (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان)، وتؤكد في نظره قوة رأس المال الاجتماعي، ونشوء قوة مضادة للفردانية التي يمتاز بها نمط الحياة الرأسمالية. وحسب بعض كبار السن ممن تحدثنا معهم في الموضوع، فإن "التويزة" تسجل حضورها في النشاطات اليومية والموسمية التي تفرض آنذاك روح التكاتف في جميع الظروف، حتى أن المشاكل الهامشية يتم تسويتها دون اللجوء إلى العدالة، في إطار الحزم الجماعي لتجاوز مختلف أشكال الخلافات. وأكد البعض منهم بأن "التويزة" تتصف بالعمل الجماعي الذي يحمل في ثناياه معاني الصدق والتكافل والصبر وصفاء النفوس، بغية إنهاء العمل بنجاح بعيدا عن أي خلفيات أو حسابات مسبقة، وحسب العارفين بخبايا "التويزة" فإنها لا تقتصر على الأنشطة الفلاحية أو خلال شهر رمضان الكريم، وإنما تسجل حضورها في الأعياد ومختلف المناسبات الدينية والاجتماعية، من ذلك بناء المساجد والمنازل وشق الطرقات، ومساعدة العرسان في مختلف المتطلبات للتخفيف من مخلفات المديونية. ويبقى الشيء المهم حسب الكثير هو حضور "التويزة" في الأحزان والأقراح، من خلال التكفل الجماعي باقتناء الضروريات في حال حدوث مكروه أو فقدان قريب، وغيرها من المآسي التي يبقى أي طرف معرضا لها، ما يمنح وقفة نوعية تسمح بالتخفيف من حدة الآلام والأحزان، وتعزز روح الوحدة والاطمئنان، في ظل تواجد المعنيين بين إخوان ومقربين يمنحون لهم يد العون في أصعب الظروف والأوقات.