كعادته، تسلل إلى جسدها في غفلة من أمرها، وأقام فيه ثم كشف عن نفسه في رمضان من العام الماضي ليقلب حياتها رأسا على عقب، ويتسبب في تغيير مسار حياتها، نتحدث عن أميرة حلوز، الشابة التي لم تتعد الثلاثين، وأستاذة الاجتماعيات في التعليم المتوسط، التي روت ل" جواهر الشروق" بشجاعة منقطعة النظير، عن تجربتها مع السرطان الذي زادها قوة على قوة، وجعلها قريبة من الله أكثر من أي وقت مضى، حيث تقول: بدأت حكايتي مع هذا المرض منذ شهر جوان 2017، وفي الأيام الأولى من رمضان، كالعادة كنت أعيش حياة طبيعية وأمارس مهنتي المفضلة في مجال التعليم، يومها عدت من الحراسة، صليت الظهر ونمت قليلا، وعندما استيقظت شعرت بألم ووخز في الجهة اليمنى من الثدي فلم أهتم له، أكملت أشغالي المنزلية برفقة والدتي وأختي، وبينما كنت أتحرك، عاودني الألم والوخز وارتفعت درجة حرارتي كثيرا، أخبرت أمي بالأمر فقالت لي ربما كان ذلك بسبب حمالة الصدر، لم أستوعب كلامها، فقمت بفحص نفسي، وكانت الصدمة حين وجدت ورما صغيرا داخل الثدي واحمرارا فوقه، وحرارة شديدة، انتابني الاستغراب وتفطنت أختي للأمر، وقالت لي: عليك أن تذهبي للطبيبة يوم السبت ربما يكون ذلك المرض!. قضيت يومين على أعصابي، الخميس والجمعة، ويوم السبت ذهبت إلى العمل، ثم دخلت إلى عيادة طبيبة النساء ويا ليتني لم أدخل، لم تكن متمكنة فأخطأت في التشخيص، حيث قالت في الكشف الأول إنني أعاني من خراج"لابسي"فقط، وفي الكشف الثاني، بعد أن خضعت للأشعة، قالت لي" عادي جدا، ورم صغير لا يتجاوز 1 سم". رغم أن طبيب الأشعة لم يرتح للأمر، وطلب مني أن أخبر الطبيبة بضرورة تشريح طبي للورم الموجود في الثدي، وعندما أبلغتها بالأمر، رفضت وادعت أنها تعرف عملها جيدا ولا حاجة للتشريح وأنا في ال 29 من العمر. كتبت لي الدواء، وحددت لي موعدا آخر في شهر أوت، صدقت كلامها ولا أدري كيف ولماذا؟! ربما كان محاولة مني للهروب من حقيقة المرض الخطير، أو لأنني كنت أجهل أعراض السرطان لأن عائلتي لم تصب به من قبل. عندما حل شهر أوت، ذهبت إلى الطبيبة حسب الموعد، لكني لم أجدها لأنها خرجت في عطلة دون أي مراعاة لمشاعر المريضات، عدت إلى البيت قلقة من وضعي الصحي خاصة وأن الورم لم يزول، بل تصلب وبدأ يتضاعف حجمه. وهو الأمر الذي جعلني أتوجه إلى طبيب آخر في الحراش، مختص في أمراض الثدي، ولكن الله شاء أن لا أكتشف حقيقة المرض في ذلك اليوم لأن البرفسور كان في عطلة، لم أجد حلا وبت حائرة وأدعو الله في الصلاة أن يمن علي بالشفاء، ازداد قلقي بعد أن ظهرت علي بعض الأعراض غير الطبيعية، كزيادة الوزن رغم أنني فقدت الشهية، وسرعة دقات القلب، وألم في الجسم، خاصة في ناحية الثدي والإبط، وظهور بقع وحبيبات صغيرة في جسمي، تعبت نفسيا ولكن لم أجد حلا أو علاجا، الكل يرى الورم في الثدي ولكن لا أحد طلب مني التشريح، وحتى عندما عرضت نفسي على طبيبة في مستشفى مصطفى باشا وطلبت مني إجراء التحاليل ظهرت النتائج بعد يومين مبشرة وهي أنني لا أعاني من السرطان، بل من التهاب شديد في الجسم، فكتبت لي على دواء، ثم ساورها الشك بشأن الورم في الثدي فطلبت مني تشريحا أجريته في مركز التشريح الطبي الخاص بالرويبة وانتظرت 10 أيام لتزف لي الطبيبة خبرا أسعدني أنا وأسرتي وأحبائي، حيث قالت لي أن الورم ليس سرطانيا، واتبعت العلاج لمدة أسبوع لكن الورم لم يزول بل ازداد سمكه، انتابني الخوف، فأعدت الاتصال بعيادة البروفسور المختص في أمراض الثدي، فأخبرني الممرض أنه في العيادة، ومن هنا بدأت حكايتي مع السرطان. عند دخولي إلى الطبيب، وأخبرته عن الأعراض التي أصابتني، قال لي بعد أن اطلع على نتائج الفحوص والتحاليل أنها كلها بدون فائدة وحتى التشريح الطبي تحليله خاطئ وغير مقنع، سألني بعدها عن الكيفية التي أجرت بها الطبيبة التشريح، فقلت له إنها قامت بوخز إبرة داخل الثدي دون الاستعانة بالشاشة وهو الأمر الذي جعلها لا ترى مكان الورم، ضحك الطبيب وقال لي: هذا جنون! لقد أخذت جرعة من دم الثدي، وليس من الورم الموجود داخله لهذا لم يتم التعرف على طبيعته إذا كان حميدا أو خبيثا، بعده طلب مني التوجه إلى المستشفى الخاص التابع له بتيزي وزو، وهناك أجريت التشريح، وعدت إلى البيت وبقيت أنتظر النتيجة على أعصابي، يوم الأحد هاتفتني ممرضة بالمستشفى وأخبرتني أن النتيجة موجودة عند البروفسور وأنه علي أن أذهب إليه ليخبرني عن النتيجة، نفسيا كنت متأكدة من إصابتي بالسرطان، ولكنني تركت كل الأمور لله وتوكلت عليه، وعندما ذهبت إلى الطبيب يوم الاثنين صباحا، قال لي: قلت لك يا أميرة، إنه سرطان. سكت برهة ثم قلت له، هل أنت متأكد أنه سرطان؟ فقال لي، نعم، سرطان، ولكن لا تقلقي هناك علاج. أخبرني عن ضرورة إجراء عملية جراحية يستأصل فيها 60 بالمائة من الثدي، فكان ردي تلقائيا لا أريد ثديا مريضا استأصله كله، وحتى الأيسر إذا أصابه المرض لا تترد في قطعه، أنا موافقة أن أعيش بدونهما الأمر عادي بالنسبة لي وأنا راضية بقضاء الله وقدره. في المساء، زرت مدرستي وتلاميذي وزملائي، ولن أنسى وقفتهم المادية والمعنوية معي، ثم توجهت رفقة عائلتي إلى المستشفى الخاص لأخضع لعملية دامت ثلاث ساعات ونصف، أخبرني الطبيب بعدها أنه تم استئصال الثدي الأيمن بأكمله، قلت الحمد لله على كل شيء، خرجت من المستشفى بعد أسبوع، لتبدأ معاناتي مع العلاج الكيمائي، مرت الحصص الأولى عادية وعانيت من الأعراض التي يعاني منها كل من يخضع لهذا العلاج، من تساقط شعر وغثيان وتعب وتغير في المزاج، ولكن في الحصة الرابعة أسندت مهمة حقني لممرضة متربصة، فتسرب الدواء تحت الجلد، وبعد مدة تورمت يدي وفي الأعلى ظهر فيها جرح كبير، الغريب أنه في مستشفى البليدة قال لي الطبيب أن الأمر عادي وسيلتئم الجرح، ونسيت معاناتي مع يدي وانشغلت مع أعراض الحصة الخامسة من العلاج الكيمائي، ولكن أثناء ذلك كنت أتقرب إلى الله بالقرآن والدعاء والصلاة. وازدادت حالة يدي سوء، وأصبحت لا أستطيع تحريكها، حينها قال لي الطبيب المتابع لحالتي بالحراش إنه علي أن أبقى في مستشفي البليدة بعد الحصة الأخيرة من الكيمائي، ولكنهم عاملوني بقسوة شديدة وتركوني في رواق المستشفى أبكي واصرخ من الألم، ولم يكترثوا لي، بل كان الطبيب سيحقنني بالكيمائي في اليد المريضة قائلا أنها كل شيء عادي، فرفضت، فأجبروني على توقيع الخروج من القاعة ولم يرحموا دموعي وألمي، بل طلبوا مني أن أتوجه إلى مستشفى الدويرة لعلاج الحروق لأنهم كما زعموا، الأمر ليس من اختصاصهم مع أنهم هم من تسبب بهذا الخطأ الطبي. خرجت ركضا أنا وعائلتي إلى المستشفى الخاص بتيزي وزو، وهناك سقطت في الساحة من التعب والألم فحملوني إلى الغرفة، كنت أرى الأطباء يفتحون الجرح في يدي بالمشارط ويستخرجون الجراثيم المتراكمة ثم يقومون ببتر الجزء المتعفن، حتى اضطروا لاستدعاء طبيب العظام، وبعد شهور عاودني الألم واكتشف الطبيب أن الكيمائي الذي تسرب تحت الجلد أحرق أوتار اليد فلم أعد قادرة على تحريك يدي، وأخبرني أنه علي أن اخضع لعميلة ثانية لتنقية اليد وإخاطة الأوتار وغلق الجرح كليا، وها أنا الآن أتابع التأهيل الحركي. وبعد أن قطعت نصف الطريق في علاج السرطان، بفضل عائلتي وصديقاتي وأحباب الخير الذين قدموا لي المساعدة المادية والمعنوية، وأوجه الشكر لكل واحد منهم باسمه، تأكدت أن المرض نعمة وليس نقمة، ولا أخجل من كوني مصابة بالسرطان، ولست قلقة بشأن المستقبل لأن الله وحده يعلم ما فيه، وليس لدي أي مشكلة في التصريح بنوع المرض الذي أعاني منه، بالعكس، أتمنى أن أكون قدوة لكل المصابين به الذين أنصحهم بأن يكونوا أقوياء وأن يتمسكوا بالإرادة والإيمان، وأقول لكل سليم البدن اعتني بصحتك لأن الصحة تاج لا يعرف قيمته إلا من فقده، وافعل الخير وتسامح مع غيرك وازرع بذور الخير في طريقك.