الطريقة التي تعاملت بها السعودية مع واقعة اختفاء الكاتب الصحفي جمال خاشقجي طريقة بدائية جدا، تورّط الرياض أكثر مما تبرئها من تهمة الاختطاف أولا، ثم من شبهة الاغتيال الآن! ففي البداية، تلّقى الإعلام السعودي، سواء التابع للحكومة أو الخاص والمنتشر عبر عدة عواصم عالمية من دبي إلى لندن، أوامر وتعليمات بتجاهل الخبر تماما، ثم وعندما باتت القضية ملحّة جدا وأخذت أبعادا خطيرة مع انتشار تسريبات عن مقتل خاشقجي داخل القنصلية السعودية بتركيا، راجع ذلك الإعلام موقفه وبات يتعامل مع الخبر بحذر شديد، بل هنالك من ذهب لعائلة الصحفي المغدور ونقلوا تصريحات ينفي فيها أحد أقاربه علمه بوجود خطيبة له أصلا! فيما بلغ التخبط “قمته” مع فتح قنصل الرياض باسطنبول أبواب دائرته الدبلوماسية لوكالة “رويترز”، حيث ظهر متجولا بين المكاتب والخزائن “بعد 5 أيام من الاختفاء” في مشهد مربك وغير مقنع تماما، زيادة طبعا على تصريح القنصل ذاته بأن الكاميرات المخصصة للرقابة لا تسجل صورا! ثم انتهى الأمر بخروج بعض الأصوات هنا وهناك، وعبر قنوات سعودية مختلفة، للحديث عن قلق الرياض من اختفاء (المواطن) جمال خاشقجي، معتبرين الأمر “مؤامرة استخباراتية للنيل من سمعة المملكة”! والواقع أن ما ينال من سمعة المملكة حقا، هي هذه الطريقة الساذجة في التعامل مع قضية خطيرة توقعت الرياض للوهلة الأولى أنها ستكون حديث أيام قليلة أو مجرد ساعات وستزول، فمهما كان الأمر، من هذا ال(خاشقجي) حتى يقيم اختفاؤه الدنيا ولا يقعدها؟! خاشقجي الذي قال يوما إنه ليس معارضا، بل يريد فقط أن يكتب مقالا، ثم يرجع إلى بيته دون أن يُعتقل! خاشقجي الذي حاول أن يؤسس قناة تلفزيونية لمنافسة الجزيرة فأسماها “العرب” واختار لها المنامة مقرا، رغم أنه عرض عليه تأسيسها في أوروبا، ثم في الدوحة، لكنه رفض، فتم إغلاق قناته بعد 6 ساعات من بداية البث! خاشقجي الذي كان وإلى وقت قريب يعد من الأصوات الليبرالية النادرة التي تحترم الاختلاف وتؤسس له، بل ولم يخرج في يوم ما ليتحدث عن الملك سلمان وولي عهده بطريقة غير محترمة فظل مهذبا ومعتدلا إلى أقصى حدّ! ثمّ ما فائدة الملايير التي صرفها الأمير محمد بن سلمان الآن على شركات الدعاية والصحف في العالم الغربي إن كانت مجرد حادثة اختفاء وغياب الشفافية في التعامل معها قد نسفت بكل تلك المشاريع والمخططات لبناء سمعة جديدة تواكب الإصلاحات الكبيرة التي أعلنها الأمير!؟ الواقع أن اختفاء جمال خاشقجي والحديث عن اغتياله لن يزول مفعوله السيء بمرور الوقت مثلما تعتقد الرياض، بل سيستمر لوقت طويل جدا، وسيكون مثل كرة الثلج التي بدأت صغيرة وها هي تتعاظم يوما بعد آخر بفعل الاعتقالات وأخبار الإعدامات، ثم بداية عمليات الاختطاف والاغتيالات!