بقلم: خضير بوقايلة: kbougaila@gmail.com بداية أعترف أنني لم أشهد في حياتي حملة انتخابية أروع وألطف من التي وضعت أوزارها قبل يومين، وتبعاً لذلك فلا يمكننا إلا أن نستبشر خيراً بما تحمله لنا انتخابات هذا الخميس من بشائر ونخبة سياسية تقود ناصية البلد تحت الإشراف السامي لصاحب الفخامة والمهابة. يحق للجزائريين الآن أن يناموا مطمئنين على مصير بلدهم الذي سيضعونه بين أيدٍ مخلصة أمينة صادقة. فكل الذين شاركوا في مسابقة الهرولة نحو قبة البرلمان كانوا في مستوى المسؤولية التي ترشحوا لها، وأعتقد أنّنا معشر الناخبين لن نجد أي إشكال في اختيار ما يصلح للبلد. لأول مرة نشاهد حملة انتخابية يشارك فيها مرشحون بعناوين متعددة لكنهم يصبون جميعهم في وعاء واحد، وعاء الإخلاص للوطن والوفاء لبرنامج صاحب الفخامة والمهابة، البرنامج الذي يرفع الجزائر يوما بعد يوم إلى أعلى عليِّين. ودعونا نقول إن هذا البرنامج الساحر ازداد لمعانا وإشعاعاً بمساهمات وحملات المرشحين للتعريف به ودعمه ومساندته. فهو فعلا برنامج يصلح لكل زمان ومكان ويلائم كل الأذواق، الإسلامي يقسم أنه لن يجد برنامجا أفضل منه والشيوعي يعترف أنه برنامج ولا أعدل منه والانتهازي يؤكد أن الجزائر لم تلد برنامجا ولا مبرمجا أحسن منه والوسطي يتساءل كيف أنه لم يهتد من قبل إلى برنامج أعمق من هذا! وإلاّ كيف تفسرون أنّ كل أطياف الخلق السياسي (الوطني طبعاً) يتقاتلون من أجل أن يقدّموا برنامجا واحدا من زوايا متعددة؟! وبما أن الطبقة السياسية المفيدة صارت الآن متقاربة المستوى وموحدة الرؤية والأهداف، فلا يسعنا إلاّ أن نتوقّع مقابلا واعترافا من الطرف الآخر. والمقابل لن يكون فقط مقاعد في البرلمان، لأن تلك مسألة محسومة من زمان في مسابقة شعارها الكل رابح ولا مجال للخسارة، بل سيكون الاعتراف تذاكر أخرى للمشاركة في عرض أسخى وأفيد. وليس هناك جائزة أحسن من مقعد في حكومة العزّة والكرامة، وهذا ليس تكرّما من أي أحد، بل هو جزاء عمل شاق وجاد لا يتقنه إلاّ من تخرّج على أيدي أساتذة كبار في التدريب السياسي عالي الهمّة. وتفادياً لأي سوء تفاهم أو غيرة بين المتنافسين مشهود لهم بمستواهم العالي والراقي في العمل السياسي، أقترح عليّ وعلى إخواني من الذين سيتدفّقون اليوم على مكاتب الاقتراع أن يقترحوا ضمن الورقة التي يختارونها الحقيبة الوزراية الأصلح لزعيم حزبهم المفضّل، وهذا من شأنه أن يساعد أصحاب الحل والعقد في تفقيس حكومة شعبية ديمقراطية أصيلة. وليسمح لي القارئ الكريم أن أسبقه باقتراحاتي التي توصّلت إليها بعد مشاورات دقيقة استمرّت طيلة أيام الحملة الانتخابية المباركة. فأقول إن أفضل من يصلح لقيادة الجوق الحكومي هو الذي نجح في قيادة هذه المجموعة السياسية المباركة نحو أروقة المشاركة ومنع الدخلاء والعاجزين عن مواكبة التطوّر من إفساد العرس، لن أذكر اسمه لكن يمكن لأيّ واحد أن يسأل أيّ واحد من زعمائنا السياسيين المغاوير فيكشف له هوية صاحب الطبخة الألذّ في تاريخ البلد. بعدها تأتي الأسماء حسب الترتيب المنهجي، ولنبدأ بالدكتور علي زغدود رئيس التجمع الجزائري ونقول له هنيئا لك وزارة تزويج وإسكان الشباب. ولرئيس التضامن والتنمية طالب شريف وزارة المعارضة السياسية المفيدة، ولمحبوبة العمال لويزة حنون وزارة السيادة الوطنية المطلقة، ولخالد الذكر أحمد أويحيى زعيم التجمع الوطني الديمقراطي وزارة المصالحة والاستئصال، ولقائد فرقة مجتمع السلم بوقرة سلطاني وزارة الفساد، ولرئيس حركة الانفتاح عمر بوعشة وزارة الثقة المتبادلة، ولرئيس الطبيعة والنمو عكيف وزارة التشجير والتصحّر السياسي، وللأخت الكريمة شلبية محجوبي رئيسة حركة الشبيبة الديمقراطية كتابة الدولة لتحرير المرأة وترقية الأسرة (وإذا رأت أن المهمة شاقة فلا بأس أن تستعين بخدمات ومواهب زوجها رضوان حميدو الذي افتقدناه فعلاً في هذا الموعد الهام). طبعاً لن أفسد العرس بالكشف عن جميع أسماء الفريق الحكومي الجديد، لكن بإمكان كل واحد أن يضع قائمته بكل حرية وديمقراطية وشفافية ويقترح ما شاء من الوزارات حتى يستأنس بها الرابطون والحلاّلون قبل الإعلان عن قائمة الفريق الجديد الذي سيتكفل بتسيير شؤون البلد في واحدة من أعزّ مراحل حياته. أمّا المرشحون لهذا المناصب الذين قد لا تعجبهم هذه الاقتراحات فأقول لهم مثل قال فخامته يوما لوزير سمع أنه مستاء من المنصب الذي عينه فيه لأنه لا يلائمه، فقال له على هامش مجلس الوزراء، اطمئن يا هذا، فهناك الكثيرون في هذه القاعة يجلسون على مقاعد لا تليق بهم، لكنها (والكلام هنا ليس لصاحب المهابة) مشيئة التوازنات الداخلية ومصلحة البلد العليا التي لا نقاش فيها. وقبل أن أغلق ملف الانتخابات أود أن أنوّه بالموثقف الوطني المشرِّف للأخ مدني مزراق ورفاقه الذين دعوا إلى التصويت على مرشحي حزب جبهة التحرير الوطني وعلى جميع الوطنيين الشرفاء الآخرين. طبعاً لم يكن هذا الموقف مفاجئا لي، لأنني توقّعت منذ أن وعد أخونا مزراق أنه سيكون له كلام آخر إذا مُنع ورفاقه من الترشح أن كلامه ذلك لا يحمل أية نبرة تهديدية وأن مزراق الوطني والمحب لبلده سيتغلب في نهاية المطاف على كل أنانية وحسابات حزبية ومصلحية فردية، وقد حصل هذا ولا نملك إلاّ أن نهنئ أنفسنا على هذا النضج السياسي الذي وصل إليه إخواننا ولا بأس أن نرشِّح الأخ الأكبر أو أي واحد من الرفاق لتولي حقيبة المأساة الوطنية. ولن أنتهي قبل أن أسجّل إعجابي الشديد بالكلمات الخالدة التي ختم بها أويحيى الاستئصالي المصالح حملته الانتخابية، حيث اعترف أنّ أعظم إنجاز لوهران أنها أنجبت الشاب خالد، وأنا أضيف أن أعظم إنجاز لكل الجزائر أنها وضعت لنا المخضرم أويحيى، وثق أن الجزائر لن تلد مثلك قبل عشرين قرنا قادمة، وأنا أتوقّع للرجل مستقبلاً زاهيا على المستوى الدولين خاصة بعد أن أعلنها مدوّية (هزمنا الجيا، أي الجماعة الإسلامية المسلحة لمن لا يذكرها، وسنهزم القاعدة)، وأقول له لا تيأس إذا ما تأكد لك أنه لن يكون لك نصيب في الرئاسيات القادمة رغم الوعود الموثوقة، لأن مكانك الآن صار أعلى من رئاسة الجزائر، فأنت مؤهل بعد هذا التصريح لأن تتربع على عرش العالم وتكون الوريث الشرعي الوحيد لجورج بوش وارتقب منهم عرضاً مغريا في الأشهر القادمة، وهذا ليس كلام منجمين! قرأت في مراصد الشروق أمس خبراً أثارني وجعلني أغرق في عملية بحث علمي تسبّبت لي في التأخر عن موعد إنهاء مقالي هذا. الخبر يقول إن العدد الأخير من الجريدة الرسمية للجمهورية الجزائرية تضمن عددا من المراسين كان من بينها إنهاء مهام مدير الموارد البشرية والتكوين بالمديرية العامة للحرس البلدي بسبب الوفاة. استغربت الخبر وقلت لعل الجماعة لم يفهموا ما كتب فانطلقت في رحلة البحث عن آخر عدد من الجريدة الرسمية وهو العدد 28 لمن يريد أن يبحث هو الآخر، وليتني اكتفيت بما قرأت في الشروق، فقد وجدت الخبر صحيحا وزدت عليه أن مهام المتوفى أنهيت بموجب مرسوم رئاسي مؤرخ في الفاتح من أبريل 2007 ومفعول الإنهاء يبدأ من 14 ديسمبر 2006. وقبل أن يصدر عنكم أي رد فعل، تابعوا معي اكتشافا آخر في نفس العدد من نفس الجريدة التابعة لنفس الجمهورية، فهناك مرسوم رئاسي آخر مؤرخ في الفاتح أبريل 2007، أي في نفس تأريخ المرسوم الأول يقضي بإنهاء مهام مدير الصحة في ولاية النعامة ابتداءً من 17 أبريل 2003، نعم 2003 بسبب الوفاة، وأؤكد لكم أن الأمر لا يتعلق بأي خطأ لأنني تأكدت من الخبرين في النسختين العربية والفرنسية. بقي الآن أن نتساءل كيف تنهى مهام موظف وهو في حالة وفاة؟ من يتكفّ بتبليغه قرار إنهاء مهامه؟ بل أكثر من ذلك، كيف تنهى مهام موظف في 2003 ويوقّع مرسوم التوقيف عن العمل في 2007؟ الحقيقة أن الخبر لا يحمل أية غرابة، ليس لأن كل شيء ممكن في الجزائر، بل لأن الجماعة في الجريدة الرسمية وفي مكاتب تحضير وتوقيع المراسيم الرئاسية صاروا يملكون روح دعابة نادرة، وقد أرادوا هم أيضا أن يشاركوا مثل باقي صحف العالم في مهرجان الكذب، ولتتأكدوا اقرأوا مرة أخرى تاريخ توقيع المرسومين لتروا أنهما بتاريخ 1 أبريل!