خضير بوقايلة [email protected] انتظرت كثيرا وطال انتظاري ولم يتحرك المعنيون فقررت أن أخوض في الموضوع بعد أن اكتشفت أنني أنا أيضا معني. القضية وما فيها أن ثلاثيا جزائريا يشتغل في مجال الأعمال والفكر الدوليين كتبوا عريضة يقترحون فيها ترشيح الرئيس الجزائري لجائزة نوبل للسلام لعام 2008، ودعوا في بيان أعادت نشره عدد من مواقع الإنترنت (كل طبقات الشعب الجزائري وكل المناضلين من أجل السلم المدني في الجزائر وبين الأمم، وجميع العرب المسلمين وغير المسلمين وأيضا كل المسؤولين السياسيين، والوزراء والنواب والدبلوماسيين والجامعيين والمواطنين البسطاء إلى دعم هذا النداء). منذ شهر تقريبا، تاريخ إطلاق المبادرة المباركة، وأنا أترقب وأراقب مختلف وسائل الإعلام المحلية والدولية لقياس مدى استجابة الجزائريين والعرب والمسلمين لنداء هذا الثلاثي الجزائري الغيور، وأعترف أنني عجزت عن الانتظار أسابيع أخرى فرأيت أن أساهم في تحريك المياه الراكدة وحث الجموع المباركة على الالتفاف حول المبادرة النيرة التي من شأنها أن ترفع رأس الجزائر عاليا. لا أحتاج إلى ذكر ما قدمه أصحاب المبادرة المباركة من حجج وتبريرات لترشيح صاحب الفخامة لهذه الجائزة العالمية، فلا أحد تخفى عليه جهود الرجل وتضحياته التي بذلها قبل أن يحل السلم والأمن والأمان في ربوع الوطن الحبيب ولا أحد يحتاج إلى أن نذكره أن الجزائريين، كل الجزائريين، صاروا الآن إخوة لا عداء ولا تخاصم ولا تقاتل ولا تآمر بينهم، حتى الذئاب والخرفان صارت ترعى في حقل واحد وكل واحد يثني على الآخر. لكن ماذا جرى حتى تتعرض مبادرة المفكرين ورجال الأعمال إلى ما يشبه التهميش والإقصاء؟ ربما كان الجميع يريد أن يكون هو صاحب المبادرة أو لعلها فترة الإجازات الصيفية والناس لا يزالون خارج المجال الوطني! لكن مهما يكن فأنا سأظل ألوم المتقاعسين وأحثهم إلى تدارك التأخر في أقرب وقت. أين وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية المفروض أن تكون هي صاحبة السبق في ترويج المبادرة؟ أين التلفزيون الجزائري الحكومي التي يقع على عاتقها واجب استقطاب الجماهير لتبني المبادرة والدفاع عنها؟ أين الإذاعة الجزائرية الحكومية بمحطاتها الدولية والوطنية والمحلية؟ أين الصحف الحكومية التي لم تكلف نفسها نشر النص الكامل لنداء المبادرة وفتح الأبواب أمام جمع التوقيعات؟ وأين الصحف الخاصة الأخرى المعنية هي الأخرى بإنجاح هذه المبادرة المباركة أم أن رفع رأس الجزائر عاليا لا يعنيها؟ بل أين فريق تلميع صورة فخامة الرئيس وتقديمها في أبهى حللها؟ أين الوزراء الذين يتغنون ليل نهار بأفضال صاحب الفخامة ويعلنون أن كل حركاتهم وسكناتهم إنما هي بوحي من فخامته؟ أين أحزاب التحالف والأحزاب الأخرى التي كانت تصر طيلة الحملة الانتخابية الأخيرة على أنها تسير في فلك فخامته؟ أين التنظيمات الجماهيرية العريضة؟ أين خالد بونجمة ومدني مزراق وأين باقي الشلة؟ أين الجزائريون الذين ملؤوا ولا زالوا يملؤون الشوارع تعبيرا عن حفاوة استقبالهم لفخامته في كل مدينة أو قرية يزورها؟ أين كل الذين صوتوا من أجل ميثاق السلم والمصالحة وأين الأغلبية الساحقة من الناخبين الذين منحوا أصواتهم لصاحب الفخامة من أجل البقاء في الحكم عهدة ثانية وأين المنادون بعهدة ثالثة؟ لماذا لا نرى كل هؤلاء الخلق يقرأ بيانات المساندة وينظم التجمعات الجماهيرية ويجمع التوقيعات من أجل إجبار لجنة جائزة نوبل العالمية على اختيار فخامته فائزا بالجائزة للسنة القادمة؟ أعتقد أن الوقت لا يزال في صالحنا ويمكننا أن نستدرك الوقت الضائع بقليل من الجهد والتحرك الجماعي من أجل غلق الطريق أمام كل من تسوّل له نفسه حرمان الجزائر من جائزة السلم العالمية لهذا الموسم. كنت قد تساءلت في مقال الأسبوع الماضي عن سبب تكتم المسؤولين عن الخوض في تفاصيل حياة ومسار الجنرال الفقيد إسماعيل العماري وتحدثت عن رئيس الحكومة الذي قال إن المرحوم هو مسؤول أمني وعن وكالة الأنباء الجزائري الرسمية التي لخصت كل مشوار الرجل في أنه التحق بصفوف ثورة التحرير وهو شاب وانخرط في سلك الشرطة ثم الجيش ورقي إلى رتبة لواء في 1999. استغربت هذا الشح في المعلومات لأنني لم أنك أعرف أن هناك وظائف سرية في مؤسسات رسمية، وحسب علمي فإن عمل المخابرات هو السري أما الأجهزة ورجالها فهم في بلاد العالم معروفون ورتبهم معروفة ويظهرون أمام وسائل الإعلام للحديث عندما تقتضي الضرورة ذلك. وقد وقعت في حرج كبير عندما أرسل إلي أحد القراء الشباب يطلب مني معلومات عن الجنرال إسماعيل العماري الذي توفي الأسبوع الماضي. لكن خرج علينا الرجل الذي أنقذ الموقف وطلع ببيان يعدّد فيه خصال الفقيد ومناقبه، ولا أكون مخطئا إذا قلت إن عددا كبيرا جدا من الجزائريين وغيرهم عرفوا بعد مطالعتهم نعي أمير الجيش الإسلامي للإنقاذ مدني مزراق أن الجنرال إسماعيل العماري كان يطلق عليه اسم الحاج إسماعيل لأنه فعلا حج بيت الله الحرام، وقد فعلها عدة مرات، وفي رصيده أيضا عدة عمرات وكان إنسانا مصليا (وقد علمت من أحد الزملاء أنه كثيرا ما كان يؤم بجماعة مرزاق الصلاة عندما كان يزورهم في الجبل لإقناعهم بضرورة وضع السلاح والعودة إلى أحضان المجتمع). وقد ذكر مسؤولون سابقون عديدون في جيش الإنقاذ أن الحاج إسماعيل كان قد بذل جهودا كبيرة من أجل إرساء السلم في البلد وإطفاء نار الفتنة وأنه من أعمدة المصالحة الوطنية. وكان لنا أيضا الحظ في قراءة قصة اختراق صحيفة الشروق محيط عائلة المرحوم وتجسسها مثلما قالت على أصدقائه، وعلمنا بعد ذلك أن اللواء العماري كان مهندس المصالحة الوطنية وكان حريصا جدا على إنجاح مبادرة المصالحة وعلى إعادة المسلحين إلى جادة الصواب ضمن مبادرة وطنية لجمع شمل الجزائريين وقبل كل ذلك كان له الفضل في إقناع آلاف المسلحين لوضع سلاحهم في إطار ما سمي وقتها اتفاق الهدنة، وكان ذلك في 1997، وكان أيضا من الشخصيات التي تنقلت إلى مستشفى زميرلي لعيادة أحد قادة جيش الإنقاذ مصطفى كرطالي الذي تعرض إلى اعتداء مسلح كلفه ساقه اليمنى. أعتقد أن ما كُتب وما قيل عن الفقيد يكفي الشاب السائل ويكفي العديد من الذين لم يكونوا يعرفون عن الرجل جوانبه المضيئة، وأهم ما يمكن أن يحسب له هو أنه تنقل إلى الجبال والتقى هناك المسلحين مخاطرا بحياته من أجل أن يعود السلم إلى الجزائر. وهذا ما يجعلني أتساءل، ألا يستحق الرجل بعد كل ما فعل ترشيحا لجائزة نوبل للسلام؟ وما دام هو مهندس السلم والمصالحة وعمله بدأ قبل سنوات من وصول صاحب الفخامة إلى سدة الحكم، ألا يحق لنا أن نطالب أصحاب المبادرة على الأقل بإدراج اسمه مع اسم فخامته وقد تعودت لجنة نوبل أن تمنح جائزة السلام مناصفة؟ مجرد اقتراح! ***