باستقالة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، يكون الحراك الشعبي، قد ناصف الطريق نحو “الجمهورية الجديدة”، فبعد ما تجاوز مخاطر المنعرجات السابقة، ستكون المسافة المتبقية، مفتوحة لإكمال التغيير الذي طالب به الجزائريون خلال 6 جمعات مليونية، ولن يتحقّق ذلك برأيهم، إلاّ إذا اختفى جميع “رموز العصابة”، ورحل كلّ المتورّطين في “نظام بوتفليقة”! الشعب الجزائري طلب وطالب واشترط، لكن السلطة تماطلت وتقاعست و”تحايلت”، لتصطدم في نهاية المطاف، بتكتّل الجيش مع شعبه، بعد ما رفع الحراك يافطات “الجيش.. الشعب.. خاوة خاوة”، ولم تنتظر المؤسّسة العسكرية، طويلا، لتقف إلى جانب المطالب المشروعة للجزائريين، وأمام هذا الانسجام والتناغم، لم تجد السلطة السياسية، حيلة، إلاّ بترك الحيل، والإعلان أخيرا عن رحيلها باستقالة رئيس الجمهورية! كان ظاهرا منذ أول جمعة بتاريخ 22 فيفري الماضي، وعلى مدار 6 جمعات سلمية، أن التغيير قادم حتما، وأن نصر الشعب سيكون حتما مقضيا، لكن هذا “الثابت”، لم يبدّد مخاوف وقلق الجميع، بسبب حربائية السلطة، وقراراتها التي كانت تعلن عنها بالتقطير، وقد تنامى الاستفزاز بعد ما أريد الالتفاف على مطالب الحراك الشعبي، والتعامل معه بتقنية الخداع والنصب والاحتيال! لقد أثبت الشعب الجزائري، وليس في ذلك شك أو تشكيك، أنه واع وناضج ومتحضر ووطني وسلمي، وسياسي مخضرم أيضا، فقد كشفت الشعارات واليافطات واللافتات التي رفعها طوال فترة المسيرات والمظاهرات، أن الجزائر فوق كلّ اعتبار، وان لا سيّد في هذه البلاد إلا الشعب، وأن الجميع ترك أيديولوجيته وانتماءاته وحزبيته وأفكاره وحساباته، بعيدا عن الحراك، وتمسّك الكلّ بالعروة الوثقى لبناء جزائر جديدة! آن الأوان، في الداخل والخارج، أن يستفيد هؤلاء وأولئك من الدرس الجزائري، وهذه الموعظة الديمقراطية الاستثنائية والمتميّزة، و”الثورة السلمية”، التي حققت أهدافها بالورود والتآزر والتضامن والتآخي والتلقائية، وهذا هو سرّ انطلاق مسيرة التغيير، التي بدأت برحيل الرئيس وملاحقة العصابة، ومحاسبة المتورطين في الفساد ونهب المال العام، وستكتمل بأشواط أخرى، لاحقا، قد تكون الأهمّ في المهمّ! من بين انجازات ومكاسب الحراك، أن الجيش أثبت مرّة أخرى أنه وطني شعبي، لا يُمكنه إلاّ أن يصطفّ مع الشعب في السرّاء والضراء، فهما جزء لا يتجزّأ، مرآته العاكسة جيش التحرير الوطني، الذي تكاتف مع شعبه وأبنائه، خلال الثورة التحريرية، إلى غاية طرد الاستعمار الغاشم، شرّ طردة، ونيل الاستقلال بالحديد والنار وقوافل من الشهداء الأبرار والمجاهدين الأحرار. نعم، لكلّ بداية نهاية، والجزائري سينتصر بأنفته وكبريائه وذوده عن وطنه، وما حدث في فيفري ومارس وأفريل، من مسيرات وتطورات ومتغيّرات وقرارات، سيدخل التاريخ، وستحكي عليه الأجيال، وسيُخبر الأوّلون القادمون، والسابقون اللاحقون، بأن الشعب الجزائري، هو فعلا ليس ككلّ الشعوب، وأن جيشه ليس ككلّ الجيوش، وأن الجزائر ليست ككلّ البلدان!