بعد استقالة بوتفليقة، ها هو الطيب بلعيز يستقيل من رئاسة المجلس الدستوري، تحت ضغط الحراك الشعبي الذي يتمسّك إلى الآن بحتمية وجدوى رحيل “الباءات الأربعة”، وقد رحل باء من الباءات، ليبقى الدور حسب مطلب الشعب، مغادرة الباءات الثلاثة المتبقية، في انتظار “انتخاب” بدائلهم من باب “التعيين” الذي يجب أن يُرضي الحراك أوّلا! رحيل بلعيز، ليس النهاية، دون شك، مثلما يسجله مراقبون، وإنّما هو بداية جديدة لمرحلة متجدّدة من الحراك الذي انطلق بمسيرات مليونية في 22 فيفري، واستمرّ إلى جمعة ثامنة، ويصرّ على التغيير الجذري للنظام، ورحيل رموزه التي تورّطت مع “نظام بوتفليقة” خلال العشرين سنة الماضية! الشارع تنفّس أمس، عند إعلان قرار أحد “أوفياء” الرئيس المستقيل، بالانسحاب، لكنه، توقف عن الاحتفال بهذا “النصر”، واستأنف مسيرة مطالبه المشروعة، المطالبة برحيل “الباءات الثلاثة”، بعدما سقط الرابع، أو الأوّل، في سلّم الترتيب، من أجل الدخول الفعلي، في مرحلة انتقالية بشخصيات توافقية تجنّب البلاد استمرار المأزق، وتمنح الفرصة الفعلية لمباشرة بناء الجمهورية الجديدة! لقد حقّق الشعب الجزائري، نصرا بعد، نصر، منذ ميلاد حراكه الشرعي والمشروع، فقد أسقط العهدة الخامسة، وأسقط تمديد العهدة الرابعة، وأسقط “الندوة الوطنية”، وأسقط رئاسيات أفريل، وأسقط رئيس المجلس الدستوري، وأسقط الحكومة قبل استقالتها بمطاردة الوزراء في الولايات ومنعهم من تدشين المدشّن وترسيم مهمتها التي قالت إنها لتصريف الأعمال فقط! الجزائريون انتصروا كذلك، في الدفاع عن وحدتهم وسيادة وطنهم، وانتصروا بالتصدّي لأيّ محاولة أجنبية يائسة تريد التدخل في شأنهم الداخلي، وانتصروا في سلمية المسيرات المليونية وحضاريتها التي أبكمت العالم، وانتصروا في عزل أيّ مسعى لتمرير شعارات حزبية أو إيديولوجية أو فرض أيّ “تخلاط” على الحراك الشعبي، وانتصروا في “الاستمرارية” إلى غاية تحقيق جميع مطالبهم، وأوّلها الانصياع إلى كلمتهم التي تُعلى ولا يعلو عليها! كلّ هذه الانتصارات المتتالية، والتي تحققت في فترة زمنية قصيرة ومتسارعة، وبكلّ سلمية وتحضّر، عكس تجارب أخرى في عديد البلدان، تؤكد أن الشعب الجزائري هو بالفعل والقول والعمل، فاعل وليس فعلا أو مفعولا به، وهو متبوع وليس تابعا، يتنازل أحيانا عن حقوقه، ويتناسها، و”يسمح فيها”، من باب الإيثار والأثرة والنخوة والكرم! .. لكن هذا الشعب عندما يشعر بأن من تكرّم وأشفق عليهم، يحاولون بائسين إهانته أو استعباده، فإنه ينتفض بقفازات ناعمة وثورة سلمية، لا تحدث إلاّ في الجزائر التي تصنع في كلّ منعرج التميّز والاستثناء!