كم هي مفزعة تلك التحذيرات التي أطلقها مؤخرًا رئيس الحكومة الأسبق أحمد بن بيتور، وهو يدقّ ناقوس الخطر من بلوغ الجزائريين عتبة الجوع غداة 2021، بالنظر إلى الانخفاض التدريجي لاحتياطي العملة الصعبة، ما سيحول دون تغطية الاستيراد. لا ندري إنْ كان تزامن الأزمة المؤسساتيّة التي نعيشها هذه الأيام مع تفاقم شحّ الموارد الماليّة من حسن الأقدار بنا، لنهُبّ هبّة وطنيّة واحدة تحرِّرنا على كافّة المستويات، أم إنّ ذلك من سوء حظّ الجزائريين، ليجتمع عليهم فقدان “الأمن من الخوف والإطعام من الجوع”؟! وعليه، لا نريد أن تكون 2021 هي سنة الرّمادة في الجزائر، بل نتطلع إلى أن تكون، بإرادة الشعب الواعي، عام الحريّة والرخاء، لكنّ ذلك مرهونٌ أوّلاً بحلحلة سريعة للوضع السياسي المتأزم، وفق كلّ المخارج والآفاق الممكنة دون تأجيل، لأنّ مرور الوقت ليس في صالح مطالب الحراك ومقاصده الإصلاحيّة، ولا يخدم سيْر الدولة ومرافقها العامّة، ما ينعكس في نهاية المطاف بالسّلب على الحياة اليومية للمواطنين. لذا، نؤكد مرّة أخرى أنّ تحديد الأولوية القصوى في إنجاز الاستحقاق الرئاسي، وفق شروط النزاهة الكاملة وضمن أقرب الآجال، هو الخطوة الصحيحة والضروريّة في خارطة طريق الانتقال إلى العهد الجديد، وبعدها يأتي النظر في كل الانشغالات الإصلاحيّة على قاعدة الشرعيّة الانتخابية المفوّضة شعبيّا برسم معالم المستقبل في كافّة الاتجاهات. أمّا محاولات التمييع والتلغيم التي تروّج لها أطرافٌ باسم “التغيير الجذري”، عبر خطابات عدائية ضدّ الجيش أو رفع مطالب فئوية وحزبيّة لا تحقّق الإجماع الوطني، فهي مساع مرفوضة، إن لم تكن مشبوهة، وجب التصدّي لها قبل أن تتحوّل إلى خنجر طاعن في قلب الثورة الشعبيّة. إنّ تأمين مسار الحراك الشعبي بات يقتضي وجوبا الحسم العاجل في ترسيم الحلّ الآمن، سواء بالتزام تنفيذ الأحكام القانونيّة على ظاهرها، أي القبول برئاسة الأمر الواقع، والتوجّه إلى الميدان لترجمة الانتفاضة إلى عمل سياسي يزيح باقي رموز النظام المنبوذ، من خلال صناديق الاقتراع، وإلاّ الاحتكام إلى القواعد الدستوريّة المؤسِّسة للسلطة السياسيّة، وما يترتّب عليها من إجراءات تنظيميّة لضبط المرحلة والهيكلة الانتقاليتين. الظاهر حتى الآن، أنّ ندوة رئاسة الدولة لن تشكّل حدثًا مهمّا، فضلاً عن أن تصنع مبادرة للانفراج، وأقصى ما يُتوقّع منها ربّما هو الدعوة إلى تأجيل الموعد الانتخابي، بالنظر إلى استحالة انعقاده بتاريخ 04 جويلية القادم، مع تعديل حكومي يُبعد نور الدين بدوي وبعض وزرائه المرتبطين بالعملية الانتخابية. لكنّ جميع المؤشرات تؤكد أنّ مُخرجات “ندوة اليوم” لن ترقى إلى مستوى تطلعات الشعب، ما يعني أنّ الوضع المأزوم سيدخل حتمًا مرحلة التعفين، لنكون أمام خيارين لا ثالث لهما: إمّا التنازل من طرف الرئاسة تلبيةً لنداء الشعب، أو إقدام الأخير على خطوة غير تقليدية لاختراق جدار المقاومة الدستوريّة الذي تتمترس وراءه الرئاسة لإحكام قبضتها على تسيير الأحداث. في الحالة الثانية، وهي المرجّحة عندنا، صار من الضروري أن يطوّر الحراك من أساليبه السّلمية، ليبتكر طرقًا أخرى أكثر ضغطًا وحتّى إرباكًا للسلطة، بدل التقوقع على مسيرات الجمعة التي سيُضعفها شهر رمضان مؤقتًا، ويصعب التنبّؤ بمصيرها مع حلول فصل الصيف ونيل الإرهاق من المتظاهرين. موازاة مع ذلك، يجب الإقرار بأنّ الحراك في حاجة ماسّة إلى بلورة رؤية متكاملة، مع التفكير بجديّة في وضع إطار تمثيلي للشعب، لأنّ تطورات الأحداث قد تفرض فتح قنوات للتواصل، حتّى لا نقول الجلوس إلى طاولة التفاوض مع السلطة، لأجل التفاهم على صيغة عمليّة للمرور نحو المستقبل بكل استحقاقاته. وتسهيلاً لإشكاليّة التمثيل، نقترح اعتماد “تكتّل قوى التغيير” مع توسيعه إلى رموز الحراك الشبابيّة، ليكون الفضاء المعبِّر عن مطالبه.