يعاني عمال الكثير من المؤسسات المصرفية عبر المستوى الوطني، من مشاكل عويصة تتكرر بصفة يومية، خاصة عندما يتعلق الأمر بترويج أوراق نقدية غير صالحة للتداول، إما بسبب تمزقها أو اتساخها، وهو ما يجعلهم يبذلون مجهودات مضنية لعزل تلك النوعيات الرديئة، باعتبار أن الأوراق النقدية تعد رمزا من رموز الدولة، وهي الفكرة التي جعلتنا نقترب من بعض القابضين على مستوى المؤسسات المصرفية، لمعرفة كواليس هذا العمل المضنى. البداية كانت من البنك الوطني الجزائري الكائن بحي أسامة بوهران، حيث روى لنا السيد العربي، ما صادفه خلال سنوات طويلة من العمل على مستوى شباك الدفع، أين أكد أن هناك فئة من المواطنين ممن صاروا لا يعيرون العملة الوطنية، أدنى اهتمام، أين وصل بالكثير منهم إلى اعتبار تلك الأوراق قصاصات ورقية تدوَن فيها أرقام الهواتف، أو العناوين الشخصية، وحتى هناك من راح لأبعد من ذلك من خلال تسجيل على تلك الأوراق النقدية أسماء أعلام، سواء تعلق الأمر بالمشاهير في صورة نجوم هوليوود أو حتى نجوم الفكاهة المحلية، وأحيانا أخرى تخص أسماء عشاق، وفي هاته النقطة استحضر السيد العربي حادثة طريفة صادفها خلال سنوات عمله، أين لفت انتباهه وهو يحاول تسديد أجرة عمال، ورقة نقدية ذات 500 دينار، رسمت عليها شفاه فتاة، بلون أحمر فاقع وهو ما يؤكد أن الورقة كانت مهداة لحبيب غائب، كما تذكر حادثة أخرى أكثر غرابة من سابقها والمتمثلة في استخدام الأوراق النقدية للسحر والشعوذة، حيث وصلت إلى يديه ورقة من فصيلة 200 دينار، كتبت عليها تعاويذ وطلاسم غير مفهومة وقد تم الاستنجاد بأحد أئمة الحي، الذي أكد أن الأمر يتعلق بطلاسم تخص الشعوذة، والسحر التي يمارسها أشخاص منعدمو الضمير، لضرب أشخاص وإلحاق بهم الفقر والفاقة. جرذ يقضي على ثروة شيخ كما يتذكر أيضا حادثة لا تخلو من الغرابة عن سابقتها والخاصة بشيخ قصد البنك وهو يذرف الدموع، وحاملا كيسا بلاستيكيا، وهو يردد بصوت مبحوح، “أكل كل مالي، ذهب جهد سنوات”، وبعدما استرجع أنفاسه داخل أحد مكاتب الموظفين، سرد لنا كيف لجرذ عاش داخل مسكنه، التهم كمية كبيرة من أمواله التي كان يخفيها عن أفراد عائلته، غير أن صدمته كانت كبيرة، حين حاول فتح الكيس ذات مرة، ليتفاجأ بأوراق نقدية ممزقة، وتيقن بأن جرذا قد فعل فعلته، فانهار بشكل كلي، وقد تقرب من البنك لإيجاد حل لمعضلته . أوراق ممزقة تهدد آلات الصرف تركنا السيد العربي وقصدنا بنكا مصرفيا على مستوى نهج الصومام بوسط مدينة وهران، وهناك استقبلنا أحد القابضين الذي رفض الكشف عن هويته حفاظا على واجب التحفظ، وقد كشف لنا عن عدة نماذج من الأوراق النقدية التي فقدت كل معالمها، منها الممزقة ومنها التي أحيطت من كل جانب بالشريط اللاصق، في حين تعدى تهور ولا مبالاة بعض الزبائن، أقصى درجاتها حين ذكر القابض أن هناك أوراقا نقدية وصلته مغلفة بشريط يستعمل في أشغال الكهرباء، والمعلوم أن مثل هاته النماذج ممنوع تداولها في السوق، لسببين أولهما الحفاظ على هيبة الدولة، وثاني نقطة هي تسبب تلك الأوراق في تعطل أجهزة العَد، ولو عمد القابض إلى تمريرها يمكن للآلة أن تصاب بالضرر وتتوقف عن العمل لساعات إن لم نقل أياما لغاية تصليحها يقول المتحدث، مضيف بأن عدد الأوراق النقدية الممزقة والبالية والمرقعة بالشريط اللاصق تزايد بشكل مقلق، إلى درجة أنه أصبح يعرقل عمل البنوك التي وجدت نفسها مضطرة إلى التصدي لهذه المشكلة على حسابها الخاص، حيث تلجأ المؤسسات المصرفية إلى تعيين ثلاثة إلى أربعة موظفين، تكمن مهمتهم في فحص وعد الأوراق الممزقة، وتفادي تمريرها عبر الجهاز حفاظا عليه من الخلل، والأدهى من ذلك أن تلك النماذج تصير غير قابلة للتشفير وبالتالي تصنَف في خانة المزوَرة، بدليل أن الأوراق الجديدة التي تم طرحها مؤخرا من طرف البنك المركزي أخذت وقتا حتى يتم تشفيرها وبالتالي إدراجها في آلات الحساب. يحدث هذا في وقت بات الكثير من الشباب المتهوَر، يلجأ خلال مقاطع فيديو إلى طرق مشينة، تجاه الأوراق النقدية الوطنية، مثل حرقها أو تمزيقها، لاسيما قوافل الحراقة، إذا ما قاربوا على الوصول للضفة الأخرى في صورة غير مقبولة وغير متحضرة، تسيء للجزاٍئر برمَتها وليس للدينار الوطني فقط.