الحراك الذي حرّر الجميع من الضغوط والترهيب والترغيب، لم يُنه للأسف، جشع وطمع التجار عديمي الذمة، فهذا النوع من البشر، لا يرحم إخوانه الفقراء والضعفاء، حتى في شهر التوبة والغفران، وهذا ليس سبقا ولا سابقة، وإنما تحوّل إلى عدوى قاتلة تعود كلما عاد رمضان، وعادت المواسم كعيدي الفطر والأضحى، وهو ما يتطلب فعلا حراكا اجتماعيا يحرّر الزبائن والمستهلكين من التجار الذين لا يخافون الله! ما تبقى من قدرة شرائية، أتت عليه نار الأسعار التي ضربت الخضر والفواكه واللحوم وكلّ المواد الغذائية التي لها علاقة بمائدة الإفطار والسحور، وهاهي تبعات الأزمات الاقتصادية وتكرار الضائقة المالية، تنذر بمخاطر جمّة على جيوب الجزائريين، واستقرارهم المالي، بعدما تعرّضت مداخيلهم إلى التآكل في ظل استمرار انهيار الدينار الذي فقد “شلاغمو” أمام الدوفيز! الأكيد أن من بين المتظاهرين في مسيرات الجمعة، والمطالبين بالتغيير الجذري للنظام، تجار و”بزناسية” وسماسرة، لا يحللون ولا يحرّمون، يأكلون السّحت ويسرقون إخوانهم الذين يسيرون معهم في “المليونيات”، فأين ذلك التضامن والتآزر والأخوّة والتحضر يا أيها التجار الذين تدخلون أيديكم وأرجلكم في جيوب المعذبين والمنهكين ماليا! الذي بقي من طبع الملايير، ونهب المال العام، والقروض الفلكية والخيالية التي استفاد منها رجال أعمال، وما خسرته الخزينة من تراجع سعر البترول، وما ترتب عن التبذير وسوء التسيير، هاهو هذا الباقي المتبقي من البقية الباقية من بقايا الأجر القاعدي المضمون، يقضي عليه الجشع والمضاربة والاحتكار، التي فضحت وزارتي التجارة والفلاحة، ككلّ عام! نعم، نحن بحاجة أيضا إلى حراك يعيد هؤلاء وأولئك إلى عقولهم، وإلى رحمتهم، وإلى تضامنهم، وإلى عاداتهم وتقاليدهم الجميلة، وإلى دينهم، حتى يتوب جزء من الجزائريين الذين يتعاملون مع الآخرين بمنطق “البروفيتاج”، رغم أنهم يشتكون من سياسة “البريكولاج” و”الصابوطاج” التي أنتجت تراكمات مرهقة انتهت بحراك يرفع شعار التغيير الجذري! مثلما يجب أن يتغيّر النظام، لا يجب بالمقابل أن يتمّ تقنين “الفوضى”، فيركب مثلا التجار على المواطنين ويجرّدونهم من مالهم ورزقهم، بلا حسيب ولا رقيب، وخارج الأعراف والأخلاق، وإذا اشتكى المتضرّر، صرخ “المعتدي” وقال له “روح تشتكي بعيد”، أو بعبارة أكثر وقاحة واستفزازا “دزّ معاهم.. هذا هو القماش أدّي ولاّ خلّي”! فعلا، “لا يغيّر الله ما بقوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم”، فاليافطة التي رفعها الغاضبون في المسيرات “كليتو البلاد يا السرّاقين”، تكاد تتكرّر مع فوارق مختلفة، عند الخضار والجزار والنجّار وغيرهم من “الزوالية” الذين ينهشون إخوانهم الغلابى بلا رحمة ولا شفقة!