المتظاهرون في مسيرات الجمعة 14، رفعوا شعارا مهما كتبوا عليه: “أوقفوا كل العصابات.. أكملوا التحقيقات.. شمّعوا العقارات واحجزوا المسروقات”، فهذا النداء الصريح والواضح وضوح الشمس، يبقى ضروريا، أولا من أجل طمأنة الرأي العام، وثانيا وثالثا وعاشرا بغية استعادة الملايير المنهوبة والهكتارات المؤمّمة خارج القانون والأخلاق، لكن باسم قانون على المقاس! تأميم المؤمّم واسترجاع المسروقات، قد يكون برأي البعض أهمّ وأولى وأبقى من اصطياد الفاسدين والمتورّطين، لكن العقل قد يقول إن توقيف السارق واسترجاع المسروقات، يبقيان في نفس الأهمية والمرتبة، فلا يُمكن استعادة المسروق دون توقيف السارق، ولا فائدة كاملة من قنص السارق دون استعادة ما سرقه ونهبه وأكله من مال وعقار وأملاك! لا يجب أن تتكرّر تجربة “الخليفة” مثلا، وغيرها من الفضائح، التي انتهت بمحاكمات وسجن بعض المتورطين، لكن مع “تحطيم” مشاريع ومنشآت وتسريح عمال وموظفين وقطع أرزاقهم وتجفيف مصدر من مصادر الضرائب، والأخطر من كلّ هذا عدم استرجاع المسروقات! العقوبة بالسجن مهما كانت طويلة، ستنتهي في يوم من الأيام، وسيخرج المتهمون أو المتورطون أو المعاقبون، وسيتوجهون بعدها إلى سحب المسروقات والانتفاع بها بأثر رجعي، ما لم يتمّ استرجاعها، وهنا تطرح علامات الاستفهام والتعجب أمام “العقوبة” التي سلطت على منفذ الجريمة دون أن تردّ الحقوق إلى الناس ولو بشكل تدريجي؟ كان بالإمكان مثلا في قضية الخليفة، تأميم “المجمّع” حتى وإن كان افتراضيا، والحفاظ على مناصب الشغل، مع تطبيق الإجراءات العقابية حسب ما ينص عليه القانون في حقّ كلّ المتورطين والمتواطئين في الفساد، أمّا أن يدخل هؤلاء السجن، ويُطرد بالموازاة مئات وآلاف المستخدمين ويضربون في لقمة عيشهم، فهنا العقاب لابد أن يكون جماعيا، و”راح المحرم مع المجرم”! المطلوب اليوم، هو الحفاظ على مناصب شغل العمال والإطارات الذين قادهم قدرهم إلى شركة أو مجمّع يواجه اليوم “ملاكه” المحاسبة والمتابعات القضائية والتحقيقات الأمنية، وهذا لا يعني السكوت أو التنازل عن المسروقات والعقارات والممتلكات والقروض البنكية التي تمّ الاستحواذ عليها، ولم يستفد منها “الزوالية” بقدر ما كانوا يساهمون عن حسن نية في تسمينها لفائدة بارونات ولوبيات تستفيد ولا تفيد وتأخذ ولا تعطي! استعادة ولو جزء من المسروقات المنهوبة على مدار 20 سنة وأكثر، بوسعها أن تساهم في تنفيس الأزمة الاقتصادية والضائقة المالية، وتنعش ولو جزئيا الخزينة العمومية و”شحيحة” الجزائريين وصندوق ضبط الإيرادات واحتياطي الصرف، التي تواجه منذ فترة شحا متناميا، رغم طبع الملايير باسم التمويل التقليدي، الذي أثبتت الشهادات والتقارير والاعترافات، أنه أدخل البلاد في “حيط”!