محمد يعقوبي:[email protected] ثمّة سببين على الأقل جعلا هذا الكم الهائل من الوزراء يترشحون للبرلمان حتى وهم في أعلى هرم النظام.. الأول أنهم يريدون أن يضمنوا إحدى "الحسنيين" إما النيابة أو الوزارة، ولأن الوزارة في الجزائر على كف عفريت ولا يمكن الوثوق بديمومتها، فإن غير الواثقين في أنفسهم من الوزراء أرادوا أن يحتاطوا لأنفسهم بالترشح للبرلمان. أما السبب الثاني، فلعله رغبة بعض الوزراء كي يثبتوا للرئيس أنهم يستحقون الإستوزار وأن لديهم قبولا شعبيا يجعلهم في مستوى الحقائب الوزارية التي يطمحون إليها، وهو الأمر الذي دفع 18 وزيرا إلى النزول 19 يوما من أيام الحملة الانتخابية للإحتكاك المباشر مع المواطنين وهم من تعودوا المكاتب الفارهة والمكيفة، ليرغمهم التمسّك بالمنصب على إستنشاق غبار الأسواق الشعبية لأيام ربما هي الأسوأ منذ سنوات. الخروقات الدستورية التي عايشناها مع بداية العهدة النيابية الجديدة، يتحمّل مسؤوليتها بالدرجة الأولى الوزراء الذين يريدون أن يمسكوا بكل شيء في آن معا، حتى إذا استغنى الرئيس عن خدماتهم بقيت النيابة في حوزتهم. لكن المشكلة، ليست في الطموح إلى المنصب، بل في كون هذا الكم من الوزراء النواب، لم يفكر أحد منهم في الاستقالة من الحكومة على خلفية أن الشعب اختاره لتمثيله في البرلمان ولا يجب أن يخيّر عن الشعب أي طرف آخر، بل كلهم حافظوا على المنصبين معا لقرابة أسبوعين، ولو أن الرئيس أطال عمر الحكومة الحالية لما تحركت شعرة واحدة في رأس وزير من هؤلاء النواب، حتى وإن كان في ذلك خرق صريح للدستور الذي يمنع الجمع بين وظيفتين رسميتين. الذي يتحمّل أيضا مسؤولية الخروقات الدستورية هو المجلس الدستوري نفسه الذي يفترض أنه الساهر الأمين على احترام الدستور، لكننا لم نره تحرك لا في التأجيل غير القانوني لجلسة تنصيب المجلس ولا في إرغام الوزراء النواب على الاحتفاظ فقط بواحدة من هاتين الوظيفتين وهو ما لم يحدث حتى تدخل الرئيس وأوقف المهزلة بإرغامه الوزراء النواب على الإنسحاب من قطاعاتهم الوزراية إلى حين سد هذا الفراغ بوجوه جديدة. يبدو أن ثقافة الدولة لاتزال غائبة في هذه الدولة وبدونها سنظل نقتات من قشور التعددية ولا نلامس أبدا جوهرها وجذورها.