يتحدث رئيس النقابة الوطنية لقضاة مجلس المحاسبة، أحمد شيخاوي، عن الوضع الذي آلت إليه هذه الهيئة الرسمية، وعن دورها في ممارسة الرقابة البعدية على المال العام، الدور الذي لم يعد يضطلع بها كما يجب، وفق شيخاوي، الذي نزل ضيفا على “منتدى الشروق”، حيث كشف عن ضغوطات كبيرة على قضاة المجلس عندما يقتربون من الملفات التي تحوم حولها الشكوك. شيخاوي تأسّف لكون رئاسة المجلس وأمانته العامة تحولت إلى أداة لضرب معنويات القضاة والتأثير عليهم من أجل عدم القيام بالمهمة الموكلة إليهم قانونا، وهي كشف التلاعب بالمال العام، وتحديد مكامن التقصير في التسيير، والذي لا يتوقف عند تسليط الغرامات على الفاشلين والفاسدين، بل يتعدى ذلك إلى متابعتهم قضائيا. مسؤولون نافذون عرقلوا عملهم صلاحيات واسعة واستهداف منظم لقضاة المحاسبة كشف أحمد شيخاوي، رئيس النقابة الوطنية لقضاة مجلس المحاسبة، أن نحو 200 ملف مشبوه بالفساد، لا تزال عالقة منذ تسعينيات القرن الماضي، وأرجع السبب إلى الظروف التي يعاني منها المجلس، والذي يبقى مكبلا بسبب ممارسات رئيس المجلس وأمينه العام، ضد القضاة. وأوضح شيخاوي لدى نزوله ضيفا على “منتدى الشروق”، أن هذه الملفات تتعلق بمسؤولين محليين، ومع ذلك عجز المجلس عن البت فيها، والسبب برأيه راجع إلى عدم تكييف النظام الداخلي، وعدم إيلاء المجلس المسؤولية التي يستحقها، مستشهدا بوجود سيدة على مشارف التقاعد، على رأس واحدة من أهم الغرف في المجلس، وهي غرفة الانضباط. وذكر شيخاوي أن قضاة مجلس المحاسبة يتوفرون على صلاحيات كثيرة، منها طلب المعلومات بخصوص قضية ما، أو التنقل إلى هيئة أو مؤسسة عمومية، ودخول مقرات الهيئات والمؤسسات العمومية دون إخطار مسبق، غير أن هذه الصلاحيات الهامة، لم تساعد قضاة مجلس المحاسبة على القيام بمهامهم كاملة، بما يساعد حماية المال العام من التلاعب أو السرقة. شيخاوي لاحظ أن قضاة مجلس المحاسبة يتعرضون لضغوط كبيرة عندما يشرعون في دراسة بعض المسؤولين الذين تلاحقهم شبهات، حيث عادة ما يعمد هذا المسؤول -يقول شيخاوي- إلى تفعيل نفوذه من أجل الضغط على القضاة لدفعهم إلى الحياد عن صياغة تقارير تدين تسييرهم للمؤسسة أو الهيئة العمومية التي يديرها. وما يحز في النفس، وفق ما جاء على لسان رئيس النقابة الوطنية لقضاة مجلس المحاسبة، أن رئيس المجلس وأمينه العام عادة ما ينحازون إلى المسؤول النافذ وينساقون معه في تسليط الضغط على القضاة المكلفين بدراسة ملفه، وهو ما لم يستسغه القضاة، ونددوا بمثل هذه الممارسات في أكثر من مناسبة، جسدتها مواقف النقابة التي تمثل قضاة هذه المؤسسة الدستورية المعنية بالرقابة على سلامة أموال الشعب. وأشار المتحدث بهذا الخصوص إلى أن “بعض الزملاء إما تم توقيفهم بسبب قيامهم بمهامهم على أكمل وجه، أو تعرضوا للإهانة وطلبوا الحماية من رئيس مجلس المحاسبة، غير أن هذا الأخير لم يقم بما يجب القيام به وهو توفير الحماية المكفولة قانونا، بل بالعكس حاول معاقبتهم بناء على شكوى المتقاضي، وهذه رسائل سلبية يراد إيصالها لقاضي مجلس المحاسبة حتى لا يندفع كثيرا في مهنيته، لمحاسبة المتهمين بالفساد”، على حد قول القاضي بمجلس المحاسبة. وضرب شيخاوي مثالا بحالة وقعت لبعض زملائه القضاة، حيث أنجزوا تقريرا حول أحد المسؤولين المحليين، وخلص هذا التقرير إلى إدانة هذا المسؤول وتم تكييف قضيته على أنها جزائية في العام 2015، وأحيل ملفه للنائب العام المختص وأدين، وعندما قام هذا المسؤول برفع دعوى قضائية ضد قضاة مجلس المحاسبة، فيما بقيت رئاسة مجلس المحاسبة تتفرج، بل الأخطر أنها أخضعتهم للتحقيق على مستوى مجلس المحاسبة. يفترض أن يكون أكبر مزود للعدالة بملفات الفساد “الرؤوس الكبيرة” خارج محاسبة مجلس المحاسبة يؤكد رئيس نقابة قضاة مجلس المحاسبة، أحمد شيخاوي، وجود نية لدى رئيس المجلس عبد القادر بن معروف، لتحطيم المجلس، ومن الخيبات التي تعتري هذه الهيئة “تغييبها عمدا عن متابعة كبرى ملفات الفساد التي فتحتها العدالة”. يقول شيخاوي، إن بمجلس المحاسبة حاليا 140 قاض، لمتابعة كل الوزارات والدوائر والهيئات والشركات العمومية، وهو أمر غير معقول وغير منطقي، وبصيغة التساؤل يتحدث “كيف يمكن ل140 قاض فقط متابعة ميزانية مقدرة ب10 آلاف مليار دينار، فيما كان عددهم 250 قاض منتصف التسعينيات وكانت ميزانية الدولة 800 مليار دينار”. وبخصوص فضائح الفساد التي شرعت في فتحها العدالة مؤخرا، خاصة سوناطراك والطريق السيار شرق – غرب، وأخرى في عدد من الدوائر الوزارية، يقول ضيف منتدى الشروق “كان من المفروض أن يتولى مجلس المحاسبة كشف وقائع الفساد وتسليم تقارير مفصلة إلى جهاز العدالة، لكنه لم يتحرك”، ويذهب أبعد من ذلك، حيث ينقل تصريحا “مريبا” لرئيس المجلس قال فيه “المجلس غير معني بمكافحة الفساد”، ويرد شيخاوي على هذا التصريح، مستشهدا بالنصوص القانونية لسير عمل مجلس المحاسبة التي تؤكد أن دوره المحوري يكمن في تعزيز الرقابة ومكافحة الفساد. ويؤكد شيخاوي، أنه وفق الصلاحيات الواسعة التي يتمتع بها مجلس المحاسبة، يفترض أنه أكبر مزود للعدالة بالملفات التي تخص الفساد في الدوائر والمؤسسات الحكومية، لكن المجلس اكتفى بمتابعة عدد قليل من المسؤولين المحليين، ولم تصل “يده” إلى الحوت الكبير، ليخلص بصيغة الجزم “الرؤوس الكبيرة ظلت بعيدة عن المحاسبة من طرف مجلس المحاسبة”. بن معروف عمل على تحطيم المجلس لعقدين من الزمن نسائم التحولات لم تصل مجلس المحاسبة بعد يعتقد رئيس نقابة مجلس المحاسبة، أحمد شيخاوي، أن التغيير الذي تعرفه البلاد منذ 22 فيفري الماضي، وتمكن من الإطاحة ببوتفليقة وعدد كبرا من “رجالات” نظامه، لم يصل لحد الساعة إلى أسوار المجلس بعد، ويجزم المتحدث أن “الأمل في التغيير باق”. ويستغرب القاضي النقابي، السر وراء “تسمر” عبد القادر بن معروف، في منصبه رئيسا لمجلس المحاسبة سنوات عديدة، دون أن يزحزحه أحد، إضافة إلى “الحصيلة الهزيلة” للمجلس، وتخليه عن الوظيفة التي أسس من أجلها، ويقول شيخاوي في حديثه، ردا على استفسار يتعلق بوجود بوادر تغيير في هذه الهيئة الدستورية، أسوة بما يحصل في البلاد منذ 6 أشهر “الأمل في التغيير موجود… والتغيير قادم لا محالة لمجلس المحاسبة”. ويستغرب ضيف “الشروق”، من “البروباغاندا” التي شرع فيها بن معروف قبل فترة، ويعلق عليها بالقول “مسؤول بهذا الحجم يتعهد أمام الأسرة الإعلامية، بعقد ندوة صحفية، ثم يتراجع عنها، ثم يجري سلسلة حوارات فارغة من المحتوى، ويتحدث عن يوم إعلامي… ماذا سيقدم فيه؟”، ويتابع شيخاوي “الأهم ما سيقدم بن معروف، وهل حقيقة سيكون مجلس المحاسبة أداة فعالة للمساهمة في الجهد الوطني لمكافحة الفساد؟”. ويستبعد القاضي شيخاوي، فكرة أن “تقاعس” مجلس المحاسبة عن أداء دوره الرقابي، مرده غياب الإرادة السياسية، حيث يحمل رئيس المجلس المسؤولية لوحده عن الهوان الذي آلت إليه الهيئة طيلة عقدين من الزمن، ويؤكد “المسؤولية لا يتحملها أحد غيره، فقد عمل على تحطيم المجلس”. فيها المالية أو المتابعة القضائية أو الاثنين معا غرامات مجلس المحاسبة على الفاشلين والفاسدين تختلف التقارير التي يعدها مجلس المحاسبة عن حيثيات أوجه صرف المال العام، وتسيير الهيئات والمؤسسات العمومية، عن غيرها من التقارير أو الأحكام التي تصدر عن المؤسسات الشبيهة مثل المحاكم والمجالس القضائية العادية، أو المحاكم الإدارية أو مجلس الدولة. ووفق رئيس نقابة قضاة مجلس المحاسبة، فإن التقارير التي تصدر عن غرف الانضباط التابعة لمجلس قضاء المحاسبة، نوعان، تقرير يثبت في حق المسؤول الذي استهدف بالتحقيق تجاوز أو مخالفة في مجال الميزانية والمحاسبة، فتسلط عليه غرامة لا تتعدى الأجر السنوي للمعني، لكن في حال الحصول على مزية غير مبررة، يمكن أن تؤدي إلى مضاعفة الغرامة. كما يمكن للتقرير الذي يثبت تورط المسؤول المستهدف بالتحقيق، حيث تسلط عليه الغرامات حسب المعايير السالف ذكرها، لكن من دون أن تسقط عنه المتابعة القضائية، لأن ملفه سيحول حينها إلى القضاء العادي، وتتم محاسبته كأي متهم. غير أن اللافت في الأمر، هو أنه ورغم من ملفات الفساد الكبيرة وغير المسبوقة، التي عاشت البلاد على وقعها وخاصة في فترة حكم الرئيس السابق، عبد العزيز بوتفليقة، مثل قضية الخليفة، وسوناطرك واحد واثنين، وملف الطريق السيار، إلا أن أيا من هذا الملفات لم تصل إلى مجلس المحاسبة. خلاف حول الوصاية مع بنك الجزائر يتلقى مجلس المحاسبة ملفات كل الآمرين بالصرف في أية مؤسسة عمومية تخضع لرقابة مجلس المحاسبة، ما عدا بنك الجزائر، لكونه يتميز بنوع من الاستقلالية. ووفق رئيس نقابة القضاة، فإنه قبل سنة 2010 كان هناك خلاف بين مجلس المحاسبة وبنك الجزائر، فمجلس المحاسبة يؤكد أن بنك الجزائر هو مؤسسة عمومية ومن ثم يخضع لرقابة مجلس المحاسبة، في حين يذهب بنك الجزائر غير ذلك، ويؤكد على تنزيهه من التبعية للرقابة مجلس المحاسبة. ويؤكد أحمد شيخاوي أنه في العام 2010 وبعد تعديل نص الأمر 20-95 المؤرخ في 17-07-95، أضيفت صلاحيات قانونية وإدارية لمجلس المحاسبة، منها إخطاره من قبل المؤسسات والهيئات العمومية، ومع ذلك فقضاة مجلس المحاسبة يختلفون عن القضاة المعروفون، فلكل قانونه الأساسي الخاص به، ومع ذلك، فقضاة مجلس المحاسبة يملكون صفة مستشار خاص بالمحكمة العليا، كما أن مجلس المحاسبة يعتبر هيئة مستقلة عن أية وصاية، في حين أن القضاة العاديين تابعون لوصاية وزارة العدل. تسيير كارثي للمجلس 140 قاض فقط لمتابعة ميزانية ب10 آلاف مليار دينار وصف رئيس نقابة مجلس المحاسبة، تسيير المجلس ب”الكارثي”، وسجل عجزا فادحا في المورد البشري المعني بمتابعة مراقبة طرق صرف المال العام، في الوزارات ومختلف الهيئات والشركات العمومية. يذكر شيخاوي الذي كان ضيف منتدى “الشروق”، أن هنالك 140 قاض حاليا، وهو عدد قليل للغاية، حسبه لا يمكن لهم متابعة ميزانية الدولة المقدرة ب10 آلاف مليار دينار، ويعطي مثلا عن تراجع عدد القضاة والذين كانوا في حدود 250 قاض العام 1994، وحينها كانت ميزانية الدولة لا تتعدى 800 مليار دينار فقط، وهذا ما يفسر حسبه “الحصيلة الهزيلة” للمجلس. عن السبب وراء “الحصيلة الهزيلة” للمجلس، يقول شيخاوي إن ذلك راجع لمسؤوليه، ويتحدث عن رئيس المجلس والأمين العام، ويسجل “الوضع الذي يعيشه المجلس مرده التسيير الكارثي له، والتسيير الكارثي سببه الرئيس والأمين العام”، ويشير كذلك إلى الموارد البشرية، ويصف نمط تسييرها بالكارثية كذلك، ويؤكد أن البرنامج السنوي لعمل المجلس “هزيل للغاية”، حيث لم يأخذ مكامن الخطر، ولم يأخذ على عاتقه متابعة المشاريع الاستثمارية الكبرى، وأغفل مراقبة المؤسسات الكبرى ومآلات الرقابة. فضيحة تومي ونوري.. احتمالان لا ثالث لهما قال رئيس نقابة مجلس المحاسبة، أحمد شيخاوي، إن البيان الصادر عن وكيل الجمهورية لدى محكمة تلمسان، بخصوص فضيحة اختفاء الخيمة العملاقة التي تم استيرادها في تظاهرة “تلمسان عاصمة الثقافة الإسلامية”، والمتابع فيها وزيرة الثقافة السابقة ووالي تلمسان الأسبق عبد الوهاب نوري، تحتمل أمرين لا ثالث لهما. ويذكر شيخاوي، أن القاضي المقرر، يكون قد أعد تقريرا عن وقائع تحمل طابعا جزائيا، ويفترض وفق الإجراءات أن يتم رفعها إلى النائب العام المختص إقليميا، ويحتمل أن التقرير لم يصل إلى النيابة العامة، لطول مدة الإجراءات المتخذة، لكن محدثنا يستغرب أن لا يتم إعداد التقرير منذ العام 2013 حتى 2019، والاحتمال الثاني أن مجلس المحاسبة لم يرفع تقريرا بشأن الوقائع أصلا. يشار أن بيان وكيل الجمهورية لدى محكمة تلمسان، الصادر الثلاثاء، أفاد إلى أن “المحكمة تطالب بنسخة من التقرير الذي أعده مجلس المحاسبة سنة 2013، للاطلاع عليه وتحديد الخروقات التي سجلت آنذاك”، لافتا إلى أن مصالح الأمن لا تزال تحقق مع مصالح الولاية والمالية في هذه القضية.