لم نستطع تحمل النظر الى أطفال صغار يصرخون من شدة ألم لا يحتمل ،ولا إلى ملامح وجوههم وأجسادهم التي شوهتها الحروق العميقة، يمكثون منذ اشهر في غرف العلاج بالعيادة المتخصصة للمحروقين "باستور"سابقا، وكلهم ضحايا الحوادث المنزلية التي تقع نتيجة الاهمال أو في لحظة استهتار، فمن ينجو من الموت حرقا فإنه يحي مشوها مدى الحياة.. صور رهيبة لأطفال اسعفوا من مختلف ولايات الوطن تعرضوا للحروق بشتى الوسائل، فمنهم من أحرقه الماء الساخن أو الزيت المغلي أو انفجار الغاز أو الكهرباء بالضغط العالي، فهناك حالات عديدة لضحايا الحروق وسط الاطفال من عمر الصفر اي حديثي الولادة الى سن ال15، منهم "وليد" أحد الاطفال الذين نجو من الموت حرقا، طفل شجاع من إحدى مدن ولاية بومرداس يبلغ من العمر 13 سنة يتماثل للشفاء من حروق من الدرجة الثالثة، التهمت السنة النيران انسجة جسده بصورة كبيرة على مستوى الصدر البطن والظهر، يمكث في العيادة المتخصصة للمحروقين منذ ثلاثة اشهر تقريبا، يروي لنا كل التفاصيل كيف ركض لمسافة امتار وهو كتلة ملتهبة من النيران ولم يجد من يطفئه إلى غاية أن ألقى بنفسه في بركة من الماء قائلا "مساء عيد الفطر المبارك كنت راجعا من الدكان ورأيت دخانا كثيفا يتصاعد من بيتنا ركضت نحوه فوجدت النيران في كل مكان، كانت والدتي تقوم بإبعاد الصفائح المليئة بالبنزين فاصطدمت بها فتدفق الوقود على جسدي فلم أجد نفس إلا وانا مشتعلا ... في تلك اللحظة لم اخف وأردت أن انجو بنفس فخرجت لأبحث عمن يطفئني لكن احد الجيران عندما رأني هرب خائفا فلم أيأس ولم اتوقف عن الركض باتجاه بركة مليئة بالمياه ألقيت بنفسي فيها" لكن كيف احترق المنزل؟ تقول والدته أن بيتهم فيه جناح كبير يمارسون فيه الميكانيك، وفيه مستودع للزيوت والوقود حاول شقيقه إحضار بعض العتاد فقام بإشعال ولاعة سجائر لكنها وقعت منه في الارض فشب الحريق ". "وليد" اليوم يعرف جيدا أنه نجا من الموت لكنه يحمل آثار الحروق البليغة في جسده، تطلب علاجه عمليات زرع أنسجة على مستوى الظهر والذراعين والصدر نزعت من باقي جسده لترقيع الحروق أو ما يسمى بالجراحة البلاستيكية ويتم اللجوء في بعض الحالات الى اخذ أنسجة من الام أو الاب لترميم الجلد التالف، وهي عملية تستغرق وقتا طويلا خاصة في حالات رفض الانسجة من طرف جسم المصاب، وتجدر الاشارة في هذا الموضوع إلى أن عمليات الترميم في الجزائر ناجحة في إعادة الوظائف الى الاجزاء المصابة فقط لكنها لا تعالج التشوهات، وقال لنا أحد المسؤولين بالعيادة أن الجزائر لا تعتمد تقنية زراعة الانسجة من "الخنزير" كما في فرنسا كونها عملية جد مكلفة وتطرح إشكالا دينيا وفقهيا . ليس بعيدا عن غرفة "وليد" ترقد طفلة صغيرة اسمها "مريا" من برج الكيفان بالعاصمة لم يتجاوز عمرها ثلاث سنوات، اسعفت منذ تسعة ايام الى العيادة وهي في حالة خطيرة نتيجة تعرضها لحروق من الدرجة الثانية على مستوى الراس الوجه واعلى الصدر، تقول والدتها أنها كانت تسخن قدرا من المياه لتستحم، وحملته بين يديها من المطبخ باتجاه الحمام فاصطدت بابنتها فانسكب الماء المغلي فوقها وتتلقى الطفلة الصغيرة العلاج على يد أطباء متخصصين. . "البركوكس" أحرق رضيعا عمره سبعة ايام حالات عديدة من ضحايا الحروق وسط صغار السن لأسباب أكثرها الاهمال او الاستهتار من طرف الامهات اللاتي "احرقن" أولادهن بأخطاء كلفتهم حياتهم أو تسببن لهم في تشوهات يعيشون ها مدى الحياة، فمن بين الحالات التي سجلت في العيادة لأم "أحرقت رضيعها ولم يتجاوز عمره سبعة ايام كانت في فترة النفاس ممددة في فراشها ومن العادات الاجتماعية أن تتناول المرأة في هذه الفترة " البركوكس" الساخن وقدم لها في صحن فامسكته بيدها بينما كان رضيعها في حجرها فسكب الطبق الساخن فوقه فأحرقه وقد تم اسعافه في وضعية كارثية الى العيادة وبقي لمدة ثلاثة اشهر يتلقى العلاج لكن الرضيع اصيب بتشوهات على كامل الجسم والوجه، نفس الاخطاء ترتكب من الامهات إحداهن اشعلت شمعة بعد انقطاع الكهرباء وثبتتها على حافة مهد طفلها الرضيع فوقعت واشتعل المهد وأحرقت النار ابنها، وأخرى أدخلت ابنتها في الماء الساخن مباشرة لاستحمامها ونسيت أن تضيف له الماء البارد، ومن بين الحالات الخطيرة التي اسعفت الى العيادة بالجزائر العاصمة ثلاثة أخوة من مدينة تقرت بالجنوب توفين متأثرين بحروق بليغة من الدرجة الثالثة، وقد تسبب والدهم في الحادث حيث اشعل شمعة في الغرفة بعد انقطاع الكهرباء وأراد أن يشرب "القازوز" فوجده ساخنا وبسذاجة أراد أن يثلج المشروب على طريقته، فقام بفتح قارورة غاز البوتان لتبريد الزجاجة فاحترقت الغرفة وتسبب في موت بناته. . الحروق أفقدتهم أطرافهم، وأعضاءهم الجنسية يقول مسؤول بالعيادة أن 80 بالمائة من المحروقين بسبب الحوادث المنزلية من أوساط اجتماعية فقيرة، في حين أن الاغنياء يحرقهم "البارب كيو".. كما أن يجدر التنبيه الى حالات كثيرة للاحتراق بالكهرباء من الضغط العالي بسبب إهمال السلطات للكوابل وتعريتها ووقوعها دون التدخل من المصالح المعنية لإزالة الخطر، فمن بين ضحايا حروق الكهرباء طفل من مدينة أزفون بولاية تيزي وزو عمره 11 سنة نقل على جناح السرعة الى العيادة المخصصة بالجزائر العاصمة بعد تلقيه صعقة كهربائية من كابل للضغط العالي ومن المحتمل جدا أن يتم بتر ذراعيه ، كما فقد طفل منذ خمس سنوات أطرافه الاربعة بسبب حروق بكهرباء الضغط العالي نتيجة صعقة كهربائية من كابل كان ملقى في منطقة تفريغ. فالحروق في الوجه والرأس والصدر والأطراف يخلق اشكالا كبيرا بعد العلاج، خاصة في مواجهة المجتمع الذي لا يرحم، فهؤلاء الصغار سيلتحقون بالمدارس بوجوه وأجسام مشوهة ثم يكبرون وهم يحملون اثار الحروق مدى الحياة فلا يستطعون أن يعيشوا حياة طبيعية ،خاصة عندما يفقد الطفل اعضاء من جسده كبتر الاقدام والذراعان ويتشوه عضوه الجنسي، أو تصاب الفتاة بحروق تفقدها ثدييها، فبالنسبة لهؤلاء ستكون الحياة صعبة جدا تقودهم في اغلب الاحيان في التفكير في الانتحار. . الإسعافات "الشعبية" خطر كبير يعود العلاج الشعبي للحروق بكارثة كبيرة على المصاب فأغلب الامهات يلجأن الى وسائل غير صحية وليس لها اي تفسير طبي كإسعافات اولية، كاستخدام معجون الطماطم وطحين العدس المحمص المخلوط بالعسل، او معجون الاسنان أو الثلج، أو صفار البيض، واغرب علاج شعبي هو استخدام الصابون ولف الحروق بواسطة ورق الجرائد، فهذه العادات تعقد عمليات العلاج حيث يلجا الطبيب الى إزالة كل هذه المواد مما يعمق الاصابة ويصعب من علاجها، وقد حذر الاطباء من استخدام الاسعافات الشعبية والاكتفاء بوضع الطفل المصاب بالحروق تحت مياه الحنفية التي تحد من الالم وتوقف عمق الاصابة، وتفادي نزع الملابس الملتصقة بالجسم الى غاية نقل المصاب الى المستشفى. ويكلف علاج المحروقين سنويا مبالغ مالية باهظة علما أن عيادة باستور هي الوحيدة على المستوى الوطني لعلاج حروق الاطفال من عمر الصفر الى15 سنة بقدرة استيعاب 64 سرير فقط وهي طاقة قليلة مقارنة بعدد الضحايا، كما يستغرق علاج الحروق على الأقل ثلاثة اشهر في المستشفى ومرحلة الإنعاش لتلقي المضادات الحيوية لأن المحروق عادة يموت بسبب فقدان "البلازما"من الجسم أو ما يسمى بالنزيف الابيض مما يستدعي انعاشه في ال24 ساعة الاولى. وعادة ما يتدهور وضع المصابين بالحروق وتزداد التشوهات نتيجة النمو غير الطبيعي للطبقة الداخلية للجلد فتنتفخ، حيث يحتاج الطفل الى لباس خاص ضاغط على الجسد ليمنع التشوهات، هذا اللباس يحتكره المستوردون الخواص للمواد الصيدلانية ويباع بمبالغ مالية باهظة تصل أبسط قطعة منه 2 مليون سنتيم، وأغلب الاولياء لا يستطيعون شراءه. . طلاق في المستشفى حسب شهادات العاملين بالعيادة فإن أغلب الامهات طلقن من طرف ازواجهن بسبب تعرض أطفالهم الى حروق كن سببا فيها، فقد طلق يوم الخميس الماضي رجلا زوجته وألقى عليها اليمين امام كل عمال العيادة وهي حالات تتكرر باستمرار، وتتوقعها كل زوجة تعرض إبنها الى حوادث منزلية.