كُتب على الجزائريين أن يقضوا أيامهم وسط "الخلايع"، فمن "خلعة" انهيار القدرة الشرائية، و"خلعة" متاعب التمدرس، و"خلعة" الازدحام المروي، و"خلعة" الفساد، و"خلعة سوء التسيير"، و"خلعة" التهميش والإقصاء والتمييز والمفاضلة، و"خلعة" نار الأسعار، و"خلعة" التوظيف والترقية والتقاعد في مختلف القطاعات، و"خلعة" المشاكل الزوجية والعائلية، و"خلعة" الطلاق والخلع وحروب الإرث، هاهي "خلعة" كورونا تصنع الحدث! صحيح أن الجزائريين "ضرب عليهم البارود"، وصحيح أن الجزائريين "موالفين الخلايع"، صحيح أيضا أن الجزائريين تعايشوا مع مختلف "الخلايع" وتكيّفوا معها، إلى أن أصبحت هذه "الخلايع" تخافهم وتخشى الاقتراب منهم، وإذا جاءتهم فمن باب الاضطرار وليس الاختيار! عمادة الأطباء مثلا، تدعو إلى الابتعاد عن الترويع، وتقول بأن ارتفاع درجة الحرارة، ونحن على مقربة من فصل الربيع وبعده الصيف، كفيلة بالقضاء على فيروس كورونا، لكن العمادة لم تقل بأن فيروسات أخرى أشدّ خطورة وفتكا، وهي تعيش في كلّ الفصول الأربعة وجميع الأشهر الهجرية والميلادية، وهذه الفيروسات تحمل تسميات متعدّدة ومتلوّنة! فيروس "الحقرة"، وفيروس "النهب والسلب"، و"فيروس" التزوير، و"فيروس الرشوة" و"التشيبا"، وفيروس الصفقات المشبوهة، وفيروس حماية خرق القانون بقانون على المقاس، وفيروس تحصين الفساد من الحساب والعقاب.. هي فيروسات قاتلة، عانت منها البلاد والعباد، لعدّة سنوات، إلى أن جاءت "حرارة" الحراك السلمي فانكشف "الفيروسيون" لكنهم لم ينقرضوا! الأكيد، مثلما يقول المثل القديم: "مصائب قوم عند قوم فوائد"، فمثلما يسقط ضحايا لكورونا، كما سقط ضحايا بسبب الطاعون والكوليرا والتيفوئيد ومختلف الأوبئة والأمراض، على مرّ الأزمنة والعصور، هناك منتفعون من هذه المآسي، ومنهم من يحترف سرقة الأموات والأحياء معا، ولعلّ رفع أسعار الكمّامات على سبيل المثال، واختلاق ندرة في الأدوية والتلقيحات، على مستوى العالم، من طرف مخابر مختصة و"مافيا" محترفة، هي واحدة من أعراض الجشع والطمع واستغلال تراجيديا الضحايا! فعلا، لا داعي للترويع وتغذية الخوف والهلع، لكن من الضروري بالمقابل، إتقان مهمة تسيير الأزمة، بوسائل وتقنيات ذكية، تجمع بين الشفافية ومحاربة التعتيم، وبين قول ما يجب قوله، فليس كلّ ما يُعرف يُقال، حتى لا ينقلب السحر على الساحر، وتعمّ الإشاعة وتتغذى من القيل والقال، وطبعا من كثر كلامه كثر ملامه، وبعدها لا ينفع النبيه الفطنة! مصيبتنا أننا جمهور يتلقى الإشاعة والدعاية بشراهة، وعنوان الأغلبية، وربما الجميع دون استثناء كلمة سرّ مفادها "راهم يقولوا"، والعهدة طبعا على الراوي، وفي ذلك، مكر وذكاء، من أجل تجنب المساءلة والإفلات من "مسح الموس" والعقاب في مكان الآخرين!