مساهمة: الشيخ قسول جلول* تعتبر الفتن والمصائب والابتلاء ووباء كورونا محطة تمييز وتمحيص واختبار للسلوكيات والأخلاق والقيم قال -تعالى-: (وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْف فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَاوَالآخِرَةَ) الحج:11 وقال -تعالى-: (مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ) آل عمران:179. فعند نزول المصائب وحدوث الفتن والبلاء والأبتلاء والوباء واحتدام الصراعات والخلافات بين الأفراد والمجتمعات وتنتشر الإشاعات وتقل الثقة بين الناس وتكثر التهافت وحب الذات وتظهر أخلاق وسلوكيات وتصرفات تنبئ عن نفسيات مريضة وقيم متأصلة في النفوس ومبادئ توجه الإنسان في هذه الحياة فتظهر حقائق كانت كامنة في النفوس وقد تنكشف مفاهيم خاطئة يتبناها بعض الناس خيراً أو شراً قال –تعالى: وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ . الأنبياء:35. وقد حذرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (من الفتن وسرعة التعاطي معها دون علم أو تثبُّت أو بصر فقال صلى الله عليه وسلم (سَتَكُونُ فِتَنٌ الْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْقَائِمِ وَالْقَائِمُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْمَاشِي وَالْمَاشِي فِيهَا خَيْرٌ مِنَ السَّاعِي مَنْ تَشَرَّفَ لَهَا تَسْتَشْرِفْهُ فَمَنْ وَجَدَ فِيهَا مَلْجَأً أَوْ مَعَاذًا فَلْيَعُذْ بِهِ رواه البخاري. كأنها تؤسس للحجر الصحي والمكوث بالمنزل لأننا في فتنة كورونا طاعون العصر وفتنة العصر وإن من أعظم الأسباب التي تعين المسلم على الثبات على القيم العظيمة والأخلاق الفاضلة وبها ينال حفظ الله ورعايته اللجوء إلى الله والاتصال به والالتزام بأمره قال -تعالى-: (وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا وَإِذًا لَآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا)النساء:66-68.ذلك أن الإنسان عندما يتعرض للفتن والمصائب والمحن يطيش عقله وتسوء تصرفاته وتزيد ذنوبه ومعاصيه وتكثر همومه وأحزانه فيخسر دينه ودنياه وآخرته ولا يثبت على الحق والخير والمعروف إلا من وطن نفسه على طاعة الله ولم ينشغل بما أصابه عما أوجبه الله عليه قال –تعالى(إِنَّ الإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً إِذَا مَسَّهُ الشَّرُث جَزُوعاً وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً إِلَّا الْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ) المعارج:19-23 وقال تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) البقرة:153 وكان -صلى الله عليه وسلم- إذا ادلهمت الخطوب وكثرت الهموم وتوالت المصائب والابتلاءات لا يجد ملجأ وطريقاً للراحة إلا في عبادته وفي صلاته فكان يقول(أرحنا بها يا بلال) صحيح أبي داود. بل بين -صلى الله عليه وسلم- أهمية العبادة وفضلها عند نزول البلايا والمصائب والفتن قال النَّبِي -صلى الله عليه وسلم- (الْعِبَادَةُ فِي الْهَرْجِ كَهِجْرَة إِلَيَّ) رواه مسلم. الْمُرَادُ بِالْهَرْجِ هُنَا الْفِتْنَةُ وَاخْتِلَاطُ أُمُورِ النَّاسِ . وَسَبَبُ كَثْرَةِ فَضْلِ الْعِبَادَةِ فِيهِ أَنَّ النَّاسَ يَغْفُلُونَ عَنْهَا وَيَشْتَغِلُونَ عَنْهَا وَلَا يَتَفَرَّغُ لَهَا إِلَّا أَفْرَادٌ. تسمع كل ما من شأنه أن يبعدك عن الله وعن الصلاة كثرة الكلام كثرة الجشع كثرة الطمع الناس يخوف بعضهم بعضا ؟؟؟جاءت كورونا لاختبار الناس في إيمانهم ووطنيتهم ليميز الله الخبيث من الطيب . إذا كثرت الإشاعة عمت الفتن اشتغلت القلوب وإذا تعبد متعبد حينئذ دل على قوة اشتغال قلبه بالله -عز وجل- فيكثر أجره. وعلى المسلم أن يكثر من ذكر الله والدعاء والتضرع بين يديه قال -تعالى-: الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلابِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ الرعد:28. والذكر من خير الأعمال وأزكاها عند اللهِ فعن معاذِ بن جبل -رضي الله عنه- أنه قال: قال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: ألا أنبِّئُكم بخيرِ أعمالِكم وأزكاها عند مليكِكِم وأرفعِها في درجاتِكم وخير لكم من إنفاقِ الذهب والفضّة ومِن أن تلقَوا عدوَّكم فتضرِبوا أعناقَهم ويضربوا أعناقكم؟ قالوا: بلى يا رسولَ الله قال: ذكرُ الله رواهأحمد والترمذي. وكفى بذكرِ الله شَرفًا أن الله -سبحانه وتعالى-يذكر صاحبه فعن أبي هريرةَ -رضي الله عنه- أنه قال: قال رسول الله: يقول الله -تعالى-: أنا عِند ظنِّ عبدي بي وأنا معَه إذا ذكرني فإن ذكرَني في نفسِه ذكرتُه في نفسي وإن ذكرني في ملأ ذكرتُه في ملأ خير منهم رواه البخاري. ولا بد أن نكثر من ذكر الله ودعائه والتضرع بين يديه حتى ندفع البلاء ونتجنب الفتن ونستمطر الرحمات والفرج في هذا الضيق والملمات وفي هذا البلاء والابتلاء والوباء كورونا .من السلوكيات المطلوبة من المسلم في مثل هذه الأحوال العصيبة (والتي وصلت فيها القلوب الحناجر خوفا من وباء كورونا ) أن يساهم في نشر الطمأنينة والخير وبذل المعروف وتقديم النفع وإحقاق الحق وتهدئة الخواطر وجبر المصاب. بل لا بد للمسلم في زمن المصائب والفتن أن يتنازل عن حظوظ نفسه ومصالحه الشخصية من أجل مصلحة العامة فالطمع والجشع وحب الذات يظهر في النفوس لأنه لا يثبت على الأخلاق العظيمة في مختلف الظروف إلا العظماء قال -صلى الله عليه وسلم-: صنائع المعروف تقي مصارع السوء والآفات والمهلكات وأهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة صححه الألباني في صحيح الجامع. لا مضاربة ولا احتكار في الإسلام وخاصة في أيام الشدة وأي شدة أكبر أن يهدد الوباء أرواح البشر بسبب وباء كورونا. هذا عثمان بن عفان -رضي الله عنه- في عام الرمادة وقد اشتد بالمسلمين الفقر والجوع بسبب القحط جاءت تجارته من الشام ألف بعير محملة بالتمر والزيت والزبيب فجاءه تجارالمدينة وقالوا له: تبيعنا ونزيدك الدرهم درهمين؟ فقال عثمان بن عفان -رضي الله عنه- لهم: لقد بعتها بأكثر من هذا. فقالوا: نزيدك الدرهم بخمسة؟ فقال لهم عثمان -رضي الله عنه-: لقد زادنيغيركم الدرهم بعشرة. فقالوا له: فمن الذي زادك وليس في المدينة تجار غيرنا؟ فقال لهم عثمان -رضي الله عنه-: لقد بعتها لله ولرسوله فهي لفقراء المسلمين. ماذا لو لم يكن يحمل بين جوانحه ضمير المؤمن الحي؟ لكانت هذه الفرصة لا تعوض ليربح أموالا طائلة ولو كانت على حساب البطون الجوعى والأجساد العارية وآهات المرضى والجرحى والثكالى وهموم أصحاب الحاجات. كأمثال من نشاهدهم بتخزين السميد والفرينة والمواد الغذائية واسعة الاستهلاك يريدون بناء تجارتهم وأموالهم على جماجم ضحايا وباء كرونا ... وقد وصف الله المجتمع المسلم وهو في أحلك الظروف وأشد الأوقات بقوله: وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ الحشر:9. ومن السلوكيات والأخلاق التي ينبغي أن نتحلى بها نشر الأمن والأمان فلا يجوز ترويع المسلم أو تخويفه ووقت النوازل والفتن يكون الأمر أشد حرمة لأن القلوب تكون وجلة وخائفة ومتوجسة مما يحدث ويحتاج الجميع إلى نشر الأمن والأمان وبث الأمل ونشر الثقة بين أفراد المجتمع فقد حذرت الشريعة الإسلامية من ترويع المسلم وتخويفه ولو على سبيل المزاح فقال عليه الصلاة والسلام(لا يأخذ أحدكم متاع أخيه لا جاداً ولا هازلاً)حديث صحيح.فإذا كان هذه التحذير والوعيد من مجرد ترويع المسلم وتخويفه فكيف بمن يستحل طعام وعرضه وماله ويكون سبباً في ترويع الناس ونشر الخوف في المجتمع بأفعاله وسلوكه؟. وعن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: كنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في سفر فانطلق لحاجته فرأينا حُمّره (أي: طائر) معها فرخان فأخذنا فرخيها فجاءت الحُمّرة تعرّش (ترفرف) فجاء النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: مَن فجَع هذه بولدها؟ ردوا ولدها إليها حديث صحيح . فلنكن جميعاً مصدر أمن وأمان في مجتمعاتنا برعاية بعضنا لبعض وتفقد بعضنا لبعض وتعاون بعضنا مع بعض ويرحم بعضنا بعضا ونأمر بالمعروف وننهى عن المنكر ونصلح فساد قلوبنا وسوء أعمالنا. وعندنا أمل أن بعد الليل فجرا ساطعا وأن بعد الخلافات أخوة وتعاونا وأن بعد الشدائد والمحن حياة طيبة وسعادة غامرة وخيرا وفيرا إن صدقنا مع الله وأخلصنا في أعمالنا وصدقنا في حبنا لبعضنا البعض وعملنا جميعاً من أجل الوقاية من مرض كورونا وأخذ الحيطة والحذر