يُعتبر الأستاذ، سنوسي إبراهيم، إحدى الشخصيات التي يُعزى إليها الفضل، في تسليط الضوء على قضية رفات المقاومين، وكان نشاطه هو والباحث فريد بلقاضي على هذا الصعيد، محل إشادة الوزير الأول جراد أول أمس. وفي هذا الحوار الذي أجرته معه "الشروق" بمسقط رأسه معسكر، يعود سنوسي إلى العريضة التي أطلقها في العام 2016، للمطالبة بإعادة الرفات، وكان لها صدى كبير وقتها، حيث وقع عليها زهاء 300 ألف شخص، غالبيتهم من الفرنسيين، كما يعلق على عملية إعادة الرفات إلى الوطن. كيف ترسخت لديك فكرة، تبني مطلب استرجاع رفات شهداء الجزائر من فرنسا؟ بحكم تواجدي في فرنسا، أين أعمل في مجال التعليم العالي وانطلاقا من مسؤوليتي كمواطن، أرى أنه بإمكاني المحاولة والسعي والعمل على تحقيق نتيجة في هذا الاتجاه، فقد بادرت إلى إطلاق حملة لجمع التوقيعات على عريضة تطالب السلطات الفرنسية بإرجاع جماجم شهدائنا، المتواجدة بمتاحفها في علب كرتونية بينما نحن الأحق بها في بلدنا من أجل إكرامها بالدفن. وقد انطلقت من حيث انتهى الأستاذ بلقاضي الذي جمع قدرا معينا من التوقيعات. كم كان عدد التوقيعات ومن هي أبرز الشخصيات الموقعة على العريضة؟ تمكنت من جمع أكثر من 300 ألف توقيع لنخبة من الإعلاميين والمفكرين والعلماء والمثقفين والشخصيات البارزة، غير أن ما حز في نفسي أن أغلب الموقعين فرنسيون، تعاطفوا مع القضية الجزائرية، واعتبروا مطلبنا شرعيا، وكان ضغطهم على سلطات بلدهم له وقعه وتأثيره. هل كان هناك متعاطفون مع هذه القضية، داخل السلطة الفرنسية وهل استقبلت من قبل مسؤولين فرنسيين؟ نعم ثمة كثير ممن تعاطفوا، سواء من النخبة أم المجتمع المدني أم الرسميين في فرنسا، ومن بينهم مستشار الرئيس الفرنسي ماكرون، الذي استقبلني وعبر لي عن تمنياته بانتهاء القضية لصالح الجزائر، غير أنه لم يكتب له أن يشهد الحدث المتميز الذي جرى نهاية الأسبوع بسبب إنهاء مهامه من قبل الرئيس، الذي أقاله من منصبه كمستشار له. تابعت مشاهد عودة رفات شهداء الوطن، وقد كنت الساعي لذلك، ما هو شعورك وأنت ترى الطائرة العسكرية تحط بالمطار وعلى متنها جماجم المقاومين؟ لم يكن أمامي سوى البكاء، وهو طبعا شعور انتاب كل جزائري غيور على وطنه له نخوة الذود عن بلده وعن شهداء ثورته. يتملكك شعور حب الوطن وتغزوك العزة والفخر بالانتماء إليه. الحق أنهم شهداء عند ربهم يرزقون، ووجب الاقتداء بهم والمشي على أثرهم والحفاظ على أمانتهم. برأيك.. ما هي الخطوة القادمة التي تجب مباشرتها بعد هذا الإنجاز؟ يجب الدخول في مرحلة أخرى من النضال، لا بد من العمل على استرجاع بقية جماجم الجزائريين من فرنسا، فالرقم 24 هو ضئيل جدا مقارنة بآلاف من الجماجم المتواجدة هناك. فالداخل لشبكات الأنترنت يجد أن ثم الآلاف من الجماجم لا تزال في فرنسا، ينبغي استعادتها، ثم إن ثم أمورا أخرى يلزم الحديث عنها، ويتعلق الأمر بالمجازر المرتكبة على يد المستعمر على أرض الجزائر. ومن ذلك أحداث 8 ماي، وكل الجرائم المقترفة. والتاريخ يذكر حادثة قيام جنود الاستعمار، بربط مجاهدين بمؤخرة سيارة، وسحلهما بسرعة فائقة، قبل أن يقوموا بدفنهما وهما لا يزالان على قيد الحياة، وأتذكر في هذا المقام والدي الشهيد الذي لا نعرف قبره إلى حد الساعة. شهدنا في السابق محاولات من بعض السياسيين، من أجل سن قانون لتجريم الاستعمار غير أنه لم ير النور ما هو السبب في نظركم؟ كل مبادرة تختلط مع العمل السياسي، يحكم عليها بالفشل مسبقا. ذلك لأن فيها تبادلا للمصالح والمنافع الضيقة، لذلك فإن أي مجهود في هذا الاتجاه تُنتظر من ورائه منفعة، إلا وفشل، خلافا لما تكون المبادرة نابعة من المجتمع المدني. وما قمت به شخصيا، نابع من كوني من أسرة ثورية وابن شهيد، ومواطن لا يريد سوى عزة بلده وفخر وطنه. وكان مجهودا دعمه جزائريون ونخبة من الفرنسيين، لدرجة أن جمعا من المؤرخين حرروا نصا تاريخيا، ونشروه بجريدة "لوموند" الفرنسية لتعزيز قوة أدلتنا، وهي خطوات لن تتأتى للسياسيين.