قررت محكمة الجنح للشراقة، تأجيل قضية "مادام مايا" المرأة اللغز التي يصل نفوذها إلى رئاسة الجمهورية، والتي جرت كل من الوزيرين السابقين عبد الغاني زعلان ومحمد الغازي، والمدير العام السابق للأمن الوطني، اللواء عبد الغاني هامل، وسيناتور سابق، إلى جانب 10 متهمين آخرين، إلى تاريخ 26 أوت الجاري، فيما طلبت هيأة الدفاع من القاضي، إحضار مستشار رئيس الجمهورية السابق وذراعه الأيمن محمد روقاب بقوة القانون. التأجيل في قضية الحال هو الأول، إذ تم بناء على طلب هيأة دفاع المتهمين من جهة، ومن جهة أخرى عدم إحالة المستشار المحقق ملف كل من الوزير السابق للنقل والأشغال العمومية عبد الغاني زعلان، والوزير السابق للعمل محمد الغازي، اللذين تم التحقيق معهما في المحكمة العليا طبقا لإجراء "الامتياز في التقاضي" وفقا للمادة 573 من قانون الإجراءات الجزائية. شهد محيط محكمة الشراقة منذ الصباح الباكر إنزالا أمنيا مكثفا تحسبا لانطلاق المحاكمة التي تم وصفها بالمهمة، إذ تمثل فصلا جديدا من فصول محاكمات الفساد، وتعكس خبايا النفوذ داخل دواليب السلطة، كما تكشف حقائق جد مثيرة حسب الوقائع التي جاءت في ملف قضية الحال، وكيف استطاعت امرأة جذابة أن تصل إلى رئاسة الجمهورية وتتغلغل داخل محيطها من أجل تكوين ثروة هائلة والتمتع بالحصانة تحت لواء الجنرال ماجور عبد الغني هامل الذي أحاطها برجال ال""sps الذين يستفيد منهم حصريا الوزراء، وكل هذا برعاية الرئيس المستقيل عبد العزيز بوتفليقة الذي كان لا يرفض لها طلبا، ويخاصم شقيقه السعيد من أجلها. وإلى ذلك، فرضت محكمة الشراقة من خلال تعليمات وكيل الجمهورية إجراءات وقائية مشددة تفاديا لانتشار فيروس كورونا وحرصا على التدقيق في هوية جميع الصحفيين الوافدين منذ الصباح إلى مبنى المحكمة. أخيرا.. تظهر المرأة اللغز؟ القضية برمجت في جلسة عادية، حيث تم استخراج المحبوسين من سجني الحراش والقليعة، إذ كان الوزير السابق للنقل والأشغال العمومية عبد الغاني زعلان أول من دخل إلى القاعة، يليه المدير العام السابق للأمن الوطني عبد الغاني هامل، والوزير السابق للعمل محمد الغازي الذي كانت يداه ترتعشان لإصابته بشلل الرعاش المعروف ب"باركنسون"، ثم "المرأة اللغز" المعروفة ب"مدام مايا"، وهي ترتدي وشاحا أبيض وتوزع الابتسامة على الحاضرين، بعد ما كانت محل ترقب وفضول الجميع بعد الأمور التي روجت عنها، يليهم باقي الموقوفين، فيما حضرت ابنتا المتهمة الرئيسية في قضية الحال كمتهمتين غير موقوفتين. وفي حدود الساعة العاشرة صباحا، أعلن القاضي عن افتتاح الجلسة ونادى على المتهمين في القضية الأولى التي أصدر فيها قاضي التحقيق لدى محكمة الشراقة الأمر بالإحالة، وبمجرد استلام رسائل تأسيس المحامين في حق المتهمين، أجل مباشرة القضية إلى تاريخ 26 أوت الجاري، لينادي على المتهمين في الملف الثاني المتعلق بالوزيرين اللذين شملهما الامتياز القضائي والشهود المتهمين في الملف الأول، ليقرر تأجيل القضية لنفس التاريخ. وأفاد محامو الدفاع ل"الشروق"، أن أمر الإحالة الصادر عن محكمة الشراقة يضم 100 صفحة، وهو نفس العدد الخاص بأمر إحالة المحكمة العليا الذي سيصدر قريبا، وطلب تأجيل القضية كان مراعاة لظروف المتهمين وخاصة الوزير السابق زعلان عبد الغني واللواء المتقاعد هامل عبد الغني اللذين أصابهما الإرهاق والتعب لكثرة المحاكمات المتابعين فيها منذ شهر جوان وإلى يومنا هذا وآخرها القضية المبرمجة أمام مجلس قضاء العاصمة والتي أسدل عليها الستار ليلة الاثنين، فضلا عن ارتباط هامل بعدة قضايا مبرمجة خلال الشهر الجاري على مستوى مجلسي قضاء بومرداس والبليدة بتاريخ 16 و23 أوت على التوالي، حسب تصريحات هيأة الدفاع. المتهمون في قضيتي الحال متابعون بتهم ثقيلة تتراوح بين تبييض الأموال في إطار جماعة إجرامية منظمة، المشاركة في سوء استغلال الوظيفة، مخالفة التشريع والتنظيم الخاصين بالصرف وحركة رؤوس الأموال من وإلى الخارج، المشاركة في طلب وقبول مزايا غير مستحقة باستغلال موظف عمومي للحصول على منافع. ابتزاز رجال الأعمال والمقاولين باسم الرئاسة وحسب الأمر بالإحالة الصادر عن قاضي التحقيق لدى محكمة الشراقة، اطلعت عليه "الشروق"، فإن وقائع القضية تعود إلى معلومات موثوقة وصلت إلى مصالح الأمن، تفيد أن المسماة "نشيناش زليخة شفيقة" الملقبة ب"مدام مايا" ربطت علاقات بمسؤولين وموظفين سامين في الدولة وتمكنت بفضل هذه العلاقات واستغلال النفوذ من ابتزاز مقاولين ورجال أعمال وحملهم على دفع رشاوى ومزايا وأموال لقاء التدخل لصالحهم لدى المسؤولين، وتمكنت من فعل ذلك وهي تدعي علاقتها بمحيط رئيس الجمهورية وعائلته، واستطاعت أن تجمع ثروة طائلة من نشاطها الإجرامي المشبوه . وتشير التحقيقات إلى أن زليخة المدعوة "مايا"، قامت بتبييض أموال العائدات الإجرامية، في إطار جماعة إجرامية منظمة من خلال استثمارات وشراء عقارات بأحياء راقية بالعاصمة، وتهريب أموال أخرى بالعملة الصعبة إلى الخارج، خاصة نحو إسبانيا، مستفيدة من تواطؤ بعض الموظفين على مستوى المطار الدولي هواري بومدين، حيث قامت بشراء عقارات وفتح حسابات بنكية في عدد من الدول الأوروبية. وأسفرت عملية تفتيش منزلها بتاريخ 17 فيفري 2017، عن العثور على مبلغ مالي قدره 9 ملايير و500 مليون سنتيم، مقسم على 3 حقائب كبيرة الحجم، وتبين أن المبلغ حصلت عليه مدام "مايا" كرشوة نظير خدمة تقدمت بها لصالح المسمى "ي.ع" وعدد من أصدقائه، وهذا بعد تدخل الوالي السابق لوهران لصالحها. وبعد التحقيق المعمق، تم حجز مبالغ مالية أخرى بالعملة الوطنية والصعبة ومصوغات وعقود لعقارات تمتلكها المعنية سواء وحدها أو على الشيوع مع ابنتيها "ب.إيمان" و"ب.فراح"، كما يشتبه أن تكون هذه الأموال الطائلة من العائدات الإجرامية، كما صرحت المتهمة الرئيسة أنها على علاقة بنافذين في الدولة ومنهم السكرتير الخاص لرئيس الجمهورية الذي تعرفت عليه سنة 2004، والذي عرفها بدوره على الرئيس عبد العزيز بوتفليقة ومقربيه. وزراء وإطارات في عين الإعصار إضافة إلى قضية حجز المبالغ المالية الكبيرة بموريتي، وحسب ما تضمنه الأمر بالإحالة، فإن المتهم محمد الغازي يتابع في قضية حال بصفته واليا سابقا لولاية الشلف، أين تم اتهامه بمنح قطعة أرض للمدعوة "مايا" من أجل إنجاز حظيرة التسلية، حيث صرح أمام المستشار المحقق أنه قام بتنفيذ أوامر محمد روقاب، مستشار برئاسة الجمهورية وسكرتير بوتفليقة الشخصي، كما قامت مدام "مايا" بإقحام نجل محمد الغازي، شفيع الغازي في قضية الحال. كما يتابع كل من الوزير السابق للنقل والأشغال العمومية بصفته والي ولاية وهران والذي منح أيضا قطعة أرض للمدعوة "مايا"، دون وجه حق، وكذا المدير السابق للأمن الوطني اللواء عبد الغاني هامل الذي قام بتوفير الحماية الشخصية ل"مدام مايا"، باستعمال أفراد الحماية "SPS" التابعين للأمن الوطني. ويبرز من قائمة الشهود الذين تم استدعاءهم في الملف المفتوح أمام المحكمة العليا ومنهم من وجه له الاتهام في ملف التحقيق أمام محكمة الشراقة، أن المدعوة "مايا"، كانت تستغل سائقي عدة مؤسسات وهيآت لخدمة مصالحها وتحقيق أغراضها، كما ذكر اسم المدير العام السابق لأملاك الدولة جمال خزناجي، ومحافظ الشرطة "متيجي عبد الغاني" رئيس مصلحة حماية الشخصيات بالمديرية العامة للأمن الوطني، وكذا المدير العام السابق للصندوق الوطني للعمال الأجراء وغير الأجراء، وعدد أخر من إطارات الدولة. وإلى ذلك، طلبت هيأة الدفاع من رئيس المحكمة إحضار مستشار الرئيس السابق محمد روقاب للشهادة، باعتباره العلبة السوداء للقضية، وأن اسمه ذكر عدة مرات في التحقيق القضائي على مستوى المحكمتين الابتدائية والعليا.