كشفت مصادر مطلعة أنّ التطورات الأخيرة التي فرضها النظام المغربي بالتدخل العسكري في منطقة الكركرات، جعلت الجزائر تضبط مقاربتها الجديدة تجاه القضية الصحراوية، باعتبارها تمثل من الآن فصاعدا قضية سياديّة تتعلق أساسا بالعمق الأمني الاستراتيجي لإقليمها الوطني، ولم تعد مقتصرة على كونها مسألة مبدئية ترتبط بتقرير المصير، وفق ثوابتها الخارجية في دعم قضايا التحرر العادلة عبر العالم منذ اندلاع ثورة الفاتح نوفمبر. وبذلك، يضيف المصدر السامي، فإنّ مؤسسات الدولة الجزائرية، المدنية منها والأمنية، تتعامل حاليا مع المشهد الصحراوي، ليس من منطلق السعي لتصفية آخر استعمار في المنطقة فقط، بل وفق مقاربة صيانة مصالحها العليا وحماية أمنها الإقليمي من تصرفات المخزن في المنطقة، وبالأراضي الصحراوية المحتلة تحديدا، بعد ما تجرّأ على انتهاك الشرعية الدولية وخرْق اتفاق وقف إطلاق النار، بتواطؤ إماراتي وصهيوني وفرنسي. وأوضح مصدرنا أنّ التحالف المغربي الصهيوني الخليجي يرشح الإقليم المغاربي ليكون ساحة توتر ساخنة، مستباحة دوليّا من أطراف معادية لمصالح الجزائر الإستراتيجية، وهذا ما يدفع بها إلى أعلى درجات التأهب والاحتياط العسكري وفق توقّع أسوأ السيناريوهات خطورة وتعقيدا. وأكد المتحدث أنّ الجزائر لا ترغب مطلقا في تدشين حرب أو نزاع مسلّح جديد مع المغرب، لأنّ ويلاتها ستكون مدمرة على المنطقة، غير أنها بالمقابل لن تتسامح أبدا مع الاقتراب المغربي، ولو بشبر واحد، من حدودها الغربية، وفي هذه الحالة ستكون كل الردود مشروعة بالنسبة لها، وعلى رأسها الردّ العسكري الكاسح، لردع كل من تسوّل له نفسه التعدّي على سيادتها بأي شكل. وأدرج المسؤول الرفيع بناء قاعدة عسكرية مغربية، تحت إشراف تدريبي لإسرائيل، بإقليم جرادة الحدودي، ضمن التحرّش المبيّت بالسيادة الجزائرية، يفضح الرؤية الحقيقة للنظام المخزني تجاه الجزائر، بصفتها "العدو" الواقعيّ، خلافا لما يعبّر عنه دبلوماسيّا بخطاب الأخوة والجوار والروابط التاريخية، والسعي نحو نهج التهدئة في العلاقة مع بلادنا، وإلا فما مبرّر التواجد العسكري المغربي في تلك الحدود؟ على حد سؤاله. وتحدث المصدر بثقة كبيرة عن القوة العسكرية للجزائر إقليميا وقاريّا، مؤكدا أنها قوة غير قابلة للمنافسة في المنطقة بحكم الفارق الشاسع في موازين القوى، وسيكون من المجازفة الحمقاء الاقتراب من حدودها الترابية. لا آفاق للقضية الصحراوية خارج الإرادة الجزائرية وفي سياق الوضع الصحراوي، شدّد المصدر على أنّه وفق مقاربة الجزائر التي تعتبر القضية في تطوراتها القائمة امتدادا طبيعيا لأمنها القومي، فإنه يستحيل الوصول إلى أي حل للنزاع، وتحت أي صورة، دون مشاركة مباشرة للجزائر كطرف رئيس معني في المنطقة بالصراع وآثاره، وبذلك لن تقبل أي مبادرة مستقبلا تتعامل معها بصفة المراقب، كونها الآن دولة متأثرة بالقضية الصحراوية، بالنظر إلى مخاطرها على أمنها الإستراتيجي، ما يستوجب حضورها الفعلي على طاولة التفاوض بين البوليساريو والمغرب. بل ذهب المتحدث إلى التأكيد بأنه يستحيل فرض أي حلّ خارج الإرادة الجزائرية وتصوّرها وشروطها، ما يُبقي الوضع على ما هو عليه، ولن تغيره المناورات والتحالفات والتواطؤات مهما كان مصدرها وأطرافها. وقال مصدرنا إنّ الجزائر، وفق تجربتها التاريخية والميدانية، لا تثق أبدا في نيّات المخزن تجاهها، لأنه عوّدها على الغدر والطعن في الظهر عبر محطات التاريخ المختلفة، مفسّرا تحركه حاليا نحو تعفين الوضع في الكركرات بقراءة خاطئة، من الملك محمد السادس وحاشيته، مفادها أن الجزائر في حالة ارتباك بسبب غياب ومرض الرئيس عبد المجيد تبون، وهو سلوك يعكس، برأي المتحدث، حقد المخزن ودناءته السياسية والأخلاقيّة في التربّص بالجزائر وترصّد أوضاعها كلما توهّم بلاط الملك عبثًا أنها في حالة ضعف. استياء من الإمارات والسلطة الفلسطينية بسبب التواطؤ من جهة أخرى، كشف محدثنا أن الدولة الجزائرية مستاءة جدا من الإمارات العربية المتحدة على خلفية انخراطها في استفزاز الجزائر مؤخرا، موضحا أنه كان مفهوما الدعم التاريخي لأطروحة المغرب الاحتلاليّة في الصحراء، بحكم التأثير الجوهري لحاكم أبو ظبي، محمد بن زايد، فقد عاش الأخير بالمغرب مع بداية سبعينيات القرن الماضي، حيث انتسب إلى المدرسة المولوية الموجودة داخل القصر الملكي في الرباط، وعمره 14 عاما، كعقاب من والده، بل إنه شارك خلالها في المسيرة الخضراء المزعومة سنة 1975. لكن أن تتواطأ أبو ظبي ضد مصالح الجزائر ويتم توريطها بالوكالة عن الكيان الصهيوني في ابتزازها وخلط الأوراق بجوارها، فإنّ ذلك سيترك آثاره حتما على علاقات البلدين، يضيف المصدر، والذي هوّن أصلاً من فتح قنصلية إماراتية في العيون المحتلّة، معتبرا إيّاها "لا حدث"، بل مجرد يافطة فوق بناية مهجورة. نفس الموقف تجاه السلطة الفلسطينية، حيث أكد مصدرنا أن الجزائر منزعجة كثيرا من تلاعب بعض الفلسطينيين ومناوراتهم غير المقبولة، بل اعتبر أن خطابهم المزدوج صار مصدر غضب للمؤسسات الرسمية الجزائرية، مستغربا تحيّز سلطة رام الله بطرق احتيالية لصالح المغرب في نزاعه مع الصحراويين، رغم أن الرباط ما فتئت تاريخيّا تضر بالقضية الفلسطينية في السرّ والعلن من خلال خذلان الحقوق الفسلطينية الثابتة. وقال المسؤول الكبير إنّ السلطة الفلسطينية تمارس لعبة تبادل الأدوار المكشوفة من خلال تصريحات دبلوماسييها المنحازة ضد قضية عادلة مثلها مثل المسألة الفلسطينية، ثم يتم التدخل من أعلى بالتراجع والنفي، وهذا برأيه أسوأ من الدعم العلني الصريح، كما أنه يسيء إلى جوهر القضية الفلسطينية، باعتباره مناقضا لمبدأ تقرير المصير الذي تكافح "منظمة التحرير" وفصائل المقاومة من أجله. واستغرب المتحدث كيف يتحيز الفلسطينيون لصالح المغرب على حساب الجزائر، مع أنّ الأخيرة تدفع الضريبة من أمنها واستقرارها وأموالها وحتّى مستقبلها من أجل دعم الحق الفلسطيني في دولة مستقلة وعاصمتها القدس الشريف، فهي الدولة العربية الوحيدة التي تدفع 52 مليون دولار، مع مطلع رأس كل سنة دون تأخر، لدعم السلطة الفلسطينية، بينما تساير الرباط الأنظمة الخليجية في الهرولة نحو التطبيع ومحاصرة الفلسطينيين، وهو ما رفضته الجزائر رفضا مطلقا، في سباحة قوميّة شجاعة ضد تيّار الضغط الإقليمي والإكراه الدولي. ومع ذلك، فقد أكد المصدر أنّ الجزائر لن تحيد قيد أنملة عن موقفها التاريخي الثابت تجاه المسألة الفلسطينية، لأنها تبقى في سياستها الخارجية قضية مبدئية لا ترتبط بالأشخاص والمنظمات مهما كانت أخطاؤها. عاطفة الجزائر مع الأفارقة… والجيل الجديد في البوليساريو من جانب آخر، يعتقد مراقبون أنّ الجزائر فوّتت على نفسها فرصة استعمال ورقة المال والديون مع الأنظمة الأفريقية لتجييشها في صالح موقفها بالمنطقة، حيث وفي الوقت الذي تمكّن المخزن من شراء قادة أفارقة بآلاف الدولارات، لضمان تحيزهم مع المغرب في نزاعه مع الصحراويين، وهو ما مكنه مؤخرا من العودة إلى بيت الإتحاد الأفريقي بعد قرابة 40 عامًا من العزلة القاريّة، فإنّ الجزائر تعاملت بعاطفة، إذ مسحت ديونا بقيمة 3.5 مليار دولار ل14 دولة إفريقية لأسباب إنسانيّة، حسب ما صرح به مدير مركز العمليات للهجرة بوزارة الداخلية، حسان قاسيمي، في أفريل 2018، وكان الأوْلى بتقديرهم تركها كورقة ضغط مع تلك الأنظمة، كلما اقتضى الحال لمساندة مواقفها الإقليمية. كما يرى محلّلون بان وضع السكون والرتابة التي تعيشها "البوليساريو" في السنوات الأخيرة، جعلها تراوح نفسها وتفقد الكثير من المتعاطفين معها، فهي، من منظور جيل الشباب الجديد، لم تتطور ولم تفرض ديناميكية دولية لصالح القضيّة الصحراوية في مواجهة مبادرات المغرب، وهو ما أدّى إلى تقلّص مساحاتها الخارجيّة بسحب بعض الدول الاعتراف بها. هذه المراوحة أفرزت، برأي مراقبين، صعود جيل جديد من الشباب غير واثق من مقاربة القيادة بالاعتماد على الآليات الدبلوماسية التفاوضية والقنوات الأممية لكسب الحرية والاستقلال، وهو ما يعبر حاليا عن تطلعات كبيرة لدى هؤلاء المناضلين الجدد نحو العمل المسلح لإنهاء الاستعمار المغربي في المنطقة، وذلك ما سيعيد، وفق قراءتهم للأحداث الجارية، ترتيب أوراق المشهد على المدى القريب، بفرض قواعد لعبة متوازنة، تمنع تمرير أي مشاريع خارج مبدأ وآلية تقرير المصير الحرّ.