بعد الأمطار الطوفانية التي ضربت ولاية سكيكدة وعزلت القل عن العالم، تحولنا مع فريق الإنقاذ لنقل معاناة المواطنين، فصدمتنا مشاهد، تأكدنا من خلالها أن الطوفان ليس وحده من أتعب العائلات، وإنما الحرمان أيضا، كما هو حال عائلة بوتسبيح أحمد، البالغ من العمر 49 سنة، الذي يقطن رفقة زوجته فاطمة بقرية بوماخوط، بمنطقة تمنارت السياحية، قرب منزل الفقيد عبد الرزاق بوحارة، في كوخ قصديري، رفقة أولادهما الأربعة، حيدر 20 سنة، وقد غادر مقاعد الدراسة بسبب الفقر، أما الطالبة الجامعية سمية، 19 سنة، فتقضي عطلتها في الاقامة الجامعية للبنات بسكيكدة بسبب ضيق المسكن، والطفل عبد السلام، ودعاء، ذات التسع سنوات التي تدرس بالابتدائي وتعاني من مرض ضعف البصر، حيث بكت بحرقة بسبب انعدام التلفاز بالمنزل، وتحلم ليلا ونهارا بمتابعة الرسوم المتحركة لأنها تسمع كل يوم رفيقاتها في المدرسة وهن يتحدثن عن برامج قناة طيور الجنة للأطفال، لأن كوخ أبيها فارغ لا تلفاز فيه ولا مذياع ولا ثلاجة ولا مدفأة، غير "كانون" من الحطب تجتمع حوله العائلة، لأن البيت يتحول في معظم أيام وليالي فصل الشتاء إلى ثلاجة، كل الأولاد لم يصلوا سن العمل، فلا سقف يحميهم من أمطار الشتاء وبرده، ولا يحميهم من حرارة الشمس الحارقة في فصل الصيف. عندما دخلنا إلى الكوخ، صدمنا من هول المفاجأة، ومن حجم المنظر الصعب، الذي يعبر عن مدى مأساة هذه العائلة الفقيرة، التي لا تجد أدنى متطلبات الحياة. قابلنا رب الأسرة البطال، أحمد، الذي استقبلنا بابتسامة خلفها الأسى والحزن الكبيران، قائلاً: "أحيا هكذا منذ سنوات، وأنا أتجرع مع أبنائي مرارة العيش، أحلم أن يصبح بيتي يفي بأدنى متطلبات الحياة". وأضاف: "أريد أن يعيش أبنائي الصغار كما يعيش زملاؤهم في المدرسة، فهم ينظرون إلى غيرهم بعين الحسرة والأسى، الطوفان من أمامنا والحرمان من خلفنا، أشاهدهم بحزن وقلبي يكاد ينفجر، وعيناي ما عادتا تحتملان البكاء جراء الحالة الصعبة". وتابع: ".. أتمنى عملا، ولو منظفا أو كناسا أرفع القمامة، أريد تحقيق أحلام أطفالي الصغار، في بيت كريم، وحياة كريمة، أفكر أحيانا في الانتحار عندما أتذكر أننا نعيش على صدقات المحسنين التي تذهب لسد أبسط الاحتياجات". وتحلم طفلته الصغيرة دعاء أن يكون بداخل كوخ أبيها تلفاز لمشاهدة قناة طيور الجنة للأطفال وفقط، "لأني كما تقول لم أحقق أدنى أحلام الطفولة، في العيش كطفلة مثل بقية الأطفال"، هي دموع وآلام ذرفتها أمامنا البنت دعاء، وتضيف: "أنا لا أحب أن أعرّض والدي للإحراج، فلا أطلب منه شراء أي شيء، لأني أعلم جيدا أنه لا يملك المال، فأكتفي بالدموع في جنبات بيتنا، والحمد لله على كل حال". أما والدتها فاطمة فتناشد أصحاب الضمائر الحية النظر إلى حال عائلتها، خاصة السلطات المحلية لبلدية الشرايع، لمدّ يد المساعدة بمنحهم سكنا ريفيا، خاصة أن الوالد يخشى العمل بعيدا ويترك العائلة للذئاب، والذئاب البشرية. هذه هي حال عائلة بوتسبيح أحمد، والصور تعبر عن نفسها؟