رفض بحر الأسبوع الفارط عشرة مقاولين من أصل 45 مقاولا الإمتثال لاستدعاء قاضي التحقيق بمحكمة بن جرمة، للاستماع إليهم في التجاوزات التي عرفها برنامج الامتياز الفلاحي، عقب توقيف الرئيس المدير العام للامتياز الفلاحي وإيداعه الحبس الاحتياطي، ورفض غرفة الاتهام الإفراج عنه. وفي غياب معطيات دقيقة حول هذا الملف الشائك، تمكنت "الشروق اليومي" من الحصول على نسخة من احد التقارير المهمة التي تعود لسنة 2004، وهو التقرير الذي أعدته لجنة الفلاحة بالمجلس الشعبي الولائي آنذاك، ويحدد بدقة بعض التفاصيل حول الأغلفة المالية المرصودة والمحيطات التي تتواجد بها المشاريع المبرمجة في إطار الامتياز الفلاحي، وكذا النسب المتفاوتة في الإنجاز، والأسباب التي اعتمدت في إلغاء بعض المشاريع التي انطلقت ميتة ودون فائدة تذكر. وبالاستناد إلى هذا التقرير، فقد شملت عملية الامتياز الفلاحي عبر ولاية الجلفة 37 محيطا بمساحة مقترحة تقدر ب 64995 هكتار، منها 13050 هكتار مخصصة للغراسة الرعوية وهو ما يعادل 20.07%، أنجز منها 2165 هكتار، أي بنسبة 16.60%، أما المحميات فقد قدرت مساحتها ب 45800 هكتار، وهو ما يمثل 70.46%، وقد أكد التقرير أنه لم ينجز منها أي شيء!! كما خصصت 4251 هكتار لغرس الأشجار المثمرة، ما يمثل 6.54%، أنجز منها 830.50 هكتار، أي بنسبة 19.52%، وقد شمل إنتاج البذور (الحبوب) مساحة 500 هكتار، أي بنسبة 0.76%، أنجز منها حسب التقرير 400 هكتار، أي بنسبة 80%. وبهذا، فإن المساحة الإجمالية المستصلحة 3550.5 هكتار، أي ما يعادل 5.46%، "وإذا استثنينا مساحة الغراسة الرعوية يمكننا القول أن النتيجة المحققة من خلال هذا البرنامج هي 1385.5 هكتار أراضي مسقية"، ويذهب التقرير إلى التأكيد على وجود "عدم تطابق بين الدراسة والواقع" بعد أن أشار إلى عدد المثبتين بلغ 641 من مجموع 1587 مؤهلا للإستفادة، ما يعادل نسبة 40.39%، علما أن عدد المستفيدين الحقيقيين 1451، وهو ما يعني وجود فائض في عدد المؤهلين حسب ما جاء في التقرير دائما 37 محيطا.. ومحميات مهملة وفي حصيلة برنامج الامتياز الفلاحي على مستوى الولاية وبناء على ما جاء في تقرير لجنة الفلاحة للمجلس الشعبي الولائي، فقد عرف البرنامج عديد التجاوزات سنقف عليها لاحقا، حيث تم تسجيل 15 مشروعا، عبر 37 محيطا، فيما بلغ عدد المستفيدين 1451 مستفيدا، و1587 مؤهلا، و641 مثبتا، وقد قدر المبلغ الإجمالي للمشاريع 3.267.622.060.00 دج، تساهم الدولة فيها بمبلغ قدره 2.287.335.442.00 دج، حيث استهلك من هذا المبلغ خلال سنة 2004 ما قيمته 1.249.926.919.06 دج، أي بنسبة 54.65%. وتكشف الأشغال المنجزة حجم التجاوزات، ففي مسح الأراضي أنجز 82.7. هكتار من أصل 64.955 هكتار، بنسبة إنجاز قدرها 12.72%، وفي مجال الأشجار المثمرة غرست مساحة قدرها 780.05 من أصل 4126 هكتار، أي بنسبة 18.91%، أما الغراسة الرعوية فقد بلغت نسبة الإنجاز بها 16.60%. أما المحميات التي بلغت مساحتها ب 45800 هكتار، فلم ينجز منها أي شبر، وبلغت نسبة الإنجاز 0 %!! وقد اشتركت بعض الأشغال من حيث النسب الهزيلة في الإنجاز، كالسقي بالتقطير الذي بلغت نسبة الإنجاز فيه 8.25%، إنجاز آبار رعوية بنسبة 25%، كاسرات الرياح بنسبة إنجاز قدرها 18.53%، وبخصوص السواقي الممتدة عبر 30 كم لم تنطلق الأشغال بها أصلا، والوضع نفسه بالنسبة لكل من دراسة سد تحويلي وإنجاز شبكة سقي. من جهتها استفادت بلديتا دلدول وسد الرحال سنة 1999 من عديد الأشغال التي تدخل في إطار الامتياز الفلاحي، عبر 09 محيطات، استفاد منها 321 مستفيدا، وقدرت المساحة المقترحة 57500 هكتار، استصلح منها 1645 هكتارا فقط، بمبلغ إجمالي قدره 1.166.455.000.00 دج، استهلك منها 617.631.452.33 دج، أي بنسبة 75.64%، وقد بلغت نسبة إنجاز مسح الأراضي 08%، فيا وصلت نسبة غرس الأشجار الرعوية 12.20%، أما الأشجار المثمرة فبنسبة 27 %، والسقي بالتقطير بنسبة 12.41%، فيما لم تنجز 06 آبار عميقة كانت مبرمجة للحفر، وقد طرح التقرير ملاحظة تتعلق بسير الأشغال ببلدية سد الرحال، حيث "تعرف الأشغال تأخرا كبيرا، ويوجد فائض في عدد المؤهلين مقارنة بالمساحة الفلاحية المقررة، وهي الملاحظة نفسها التي وجهها التقرير لبلدية دلدول. أربعة فلاحين فقط في محيط واد الحجل و إلغاء مشاريع بالملايير استفادت بلدية عين الإبل من مشروعين "العرفات"، و"واد الحجل"، فالمشروعان نصبا بتاريخ 03/09/2001، غير أن الأول لم تنطلق الأشغال به، رغم تخصيص الدولة لمبلغ قدره 58.350.000.00 دج، لعدم توفره "على القابلية الإجتماعية" مثلما جاء في التقرير، أما المشروع الثاني فقد انطلقت الإشغال به بتاريخ 30/01/2001، وخصص له غلاف مالي قدره 61.590.000.00 دج، استهلك منه 3.733.601.60 دج، ولم تنطلق فيه أغلب الأشغال، وكشف التقرير أنه "تبين خلال الزيارة الميدانية لمشروع واد الحجل أن هناك أربعة فلاحين فقط ينشطون في هذا المحيط، ويوجد نزاع بين مواطني بلدية عين الإبل ومواطني بلدية تعظميت حول الأراضي الموجودة بجوار الآبار القديمة المنجزة من طرف مصالح الفلاحة"، وهذا دليل آخر على حجم التجاوزات الحاصلة، إذ عمل المسؤولون على تخصيص أغلفة مالية معتبرة لمشروع، اكتشفوا فيما بعد عدم نجاعته لغياب القابلية الإجتماعية. وتعد بلدية قطارة البلدية الوحيدة عبر ولاية الجلفة، التي نجح فيها نسبيا مشروع ضمن مشاريع برنامج الامتياز الفلاحي بناء على تقرير لجنة الفلاحة، حيث نصب المشروع بتاريخ 01/07/2002، مع مشروع ثان بالبلدية نفسها بمنطقة بويقلة، وقد رصد للمشروع الأول غلاف مالي قدره 34.640.000.00 دج، استهلك منها 24.122.000.00 دج، وإذا كان المشروع الأول قد شارف على الغلق سنة 2004، فإن المشروع الثاني الذي رصدت له خزينة الدولة 87.935.000.00 دج لم ينطلق، عدا الشروع في إنجاز بئر عميق (1500 م/ط)، وهو ما يثير عديد علامات الاستفهام. وقد تفاوتت نسبة الإنجاز في بلديتي المجبارة والشارف، واللتين استفادتا من برنامج الامتياز الفلاحي، حيث تم تخصيص مبلغ قدره 108.641.000.00 دج للمجبارة، و136.000.000.00 دج للشارف. وقد شدد تقرير اللجنة على أنه يجب إعادة النظر في تحديد مساحة محيط المعلبة بمشروع المجبارة، مع احترام المساحة المخصصة للمطار التي قدرت ب 553 هكتار، مع التأكيد على عدم المساس بمساحة المطار وحل مشكل الفلاحين الموجودين داخل محيطه في إطار هذا المشروع. وقد استفادت "أم الشقاق" ببلدية القديد من مشروع آخر، رصد له مبلغ 79.180.000.00 دج، انطلقت الأشغال به بتاريخ 30/01/2001، أما بلدية الإدريسية فقد استفادت هي الأخرى من مشروع بمنطقة "القاعة"، بمبلغ إجمالي قدره 154.205.000.00 دج، والذي عرف نسبة ضعيفة من حيث الإنجاز. هذا، وقد توزعت باقي المحيطات على باقي البلديات الأخرى عبر تراب الولاية كريريش وعين الصفراء بالزعفران، بمبلغ إجمالي قدره 502.608.000.00 دج، وبلدية حاسي العش بكل من فيض الشيح، ضاية بن علية، العذمية، بمبلغ إجمالي قدره 183.124.000.00 دج، وهنا نوه التقرير إلى أن محيط ضاية بن علية تتميز مياهه بملوحة كبيرة! وضمن السياق ذاته، استفادت بلديات حاسي فدول وسيدي لعجال، والخميس من مشاريع مماثلة، حيث خصص للخميس بمنطقة البطحة غلاف مالي قدره 108.880.000.00 دج مع اقتراح إلغاء مشروع ثان بمنطقة البدعة نظرا لكثرة التجزئات، وتخصيص 493.106.000.00 دج لبلديتي حاسي فدول وسيدي لعجال. واستفادت البيرين بمنطقة الطويلة من مشروع بقيمة مالية قدرها 61.144.060.00 دج غير أنه اقترح للإلغاء بسبب نزاع إجتماعي مثلما جاء في التقرير وهكذا تشطب الملايير بجرة قلم في لحظة، مرة بسبب عدم الملاءمة الإجتماعية، وأخرى بسبب كثرة التجزئات، وأخيرا نتيجة نزاع اجتماعي. واستنادا لهذا التقرير الذي حرر سنة 2004، فإن المبلغ المرصود آنذاك لبرنامج الامتياز الفلاحي قدر ب 228.7 مليار سنتيم كمساهمة من الدولة، فيما وصلت القيمة الإجمالية للبرنامج 326.7 مليار سنتيم، استهلك منها 125 مليار سنتيم، وهي إحصائيات قديمة غير أنها تترجم حجم التجاوزات التي شهدها هذا البرنامج، والذي كان يمكن أن يساهم ولو بنسبة بسيطة في تغيير وجه الولاية فلاحيا واجتماعيا واقتصاديا، لو توفرت الإرادة والضمير لدى المسيرين، والأكيد أن الأيام القادمة كفيلة بالكشف عن التجاوزات الحقيقية في هذا الملف الشائك، بعد أن باشرت العدالة تحقيقا، قد يؤدي إلى إماطة اللثام عن عديد الأسماء من الوزن الثقيل، التي استفادت من الملايير، دون إنجاز الأشغال ميدانيا. كريم يحيى