حوّل بعض الجزائريين الهاتف النقال خاصة الذكي من وسيلة للتواصل والتعلم، من خلال التقنيات الحديثة التي يحتويها، إلى وسيلة لالتقاط صور الفتيات عبر الشوارع وبالشواطئ، وداخل غرف تبديل الملابس بالمحلات، أو أثناء تواجدهن مع أصدقائهن في أماكن معينة، بعدها يقومون بنشر الصور والفديويهات عبر الإنترنت أو ابتزاز صاحباتها. انتشرت مؤخرا صور وفيديوهات عادية أو غريبة أو مُخلة بالحياء، لجزائريين وجزائريات عبر مواقع عديدة بالإنترنت. والسؤال المطروح، من يقوم ويساهم في نشر هذه الصور، رغم أن بعضها عادي جدا لا فائدة من وضعها على مواقع التواصل الاجتماعي؟ مثل فيديو فتيات وهن يسرن بشارع بالعاصمة، أو صورة متحجبات داخل قاعة شاي، وأخرى لشاب مع خطيبته أو صديقته على الشاطئ.. فهذه الصور والفيديوهات يلتقطها مهووسون، لا شغل لهم في الحياة إلا تصوير الجزائريين رجالا ونساءً في الشارع، بواسطة هواتفهم النقالة، ثم ينشرون صورهم على نطاق واسع على الإنترنت.
يصورهن في غفلة منهن كثيرة هي الشجارات التي نصادفها بالشارع، وتندلع شرارتها بعد اكتشاف فتاة ما، أن شخصا قام بالتقاط صور لها في غفلة منها وهي تسير في الشارع، الأمر الذي يجعلها تثور وتطالبه بمسح صورها في الحال. وفي هذا السياق نذكر حادثة شهدتها محطة القطار بالسكوار بالعاصمة مؤخرا، حيث جلست فتاتان في كرسي بالقرب من شاب يبدو في الأربعين من عمره، وكان طيلة فترة جلوسه يتفقد هاتفه النقال، وعندما نهضت الفتاتان استعدادا لركوب القطار، تبعهما الشاب ودائما هاتفه في يده، وما هي إلا برهة حتى بدأت امرأة تسير خلفه في الصراخ بصوت عال "الشاب يقوم بتصوير الفتاتين بهاتفه"، وشرعت في معاتبته، فما كان من الشخص إلا الفرار ولكن دون مسح الصور، بينما بقيت الفتاتان في حالة ذهول. وتتعرض بعض الفتيات إلى التعنيف وحتى القتل من عائلاتهن، بعد اكتشاف صورهن، حتى ولو كانت عادية على الإنترنت، وهو ما عاشته مدينة تلمسان، حيث أقدم شاب على قتل شقيقته بسبب صورة، وأخرى بالولاية نفسها أقدمت على الانتحار بعد نشر صورها. وانتهز بعض المهووسين، تواجدهم خلال العطلة الصيفية بالشواطئ، والتقطوا صورا للفتيات بملابس السباحة، وحتى بملابس عادية، وأيضا لنساء متزوجات، والتي حتما سيُسرّبونها لاحقا.
صوّر فتيات عاريات على الشاطئ أما أشخاص آخرون، فيقومون بنشر صور لفتيات على الإنترنت، وحجّتهم في ذلك، "دفع هؤلاء الفتيات إلى التوبة"؟! ومنها قصة غريبة لشاب من مستغانم، نشرها عبر وسيلة إعلامية لطلب المشورة والنصح، وحسب روايته فإنه قصد الصائفة الحالية أحد الشواطئ، وهناك لفت نظره ثلاث فتيات - لم يحدّد أعمارهن - نزلن إلى البحر شبه عاريات، وكن يقهقهن، ويرحن ويجئن بين المصطافين، ولأن هذا التصرف أثاره، تملكه الغيظ لدرجة أراد قتلهن، ليتوصل إلى فكرة تصويرهن في وضعيات مختلفة دون علمهن عبر هاتفه النقال، تمهيداً لنشرها عبر الإنترنت بعد تركيبها ودمجها. وحسبه، فإن هدفه من ذلك هو حثهن على التوبة إذا رأين صورهن منشورة عبر الإنترنت. وهذا الشخص لا يدري أن صُوراً كهذه قد تشيع الفاحشة في المجتمع، بعدما يطّلع عليها كثيرون ويُحمّلها آخرون، كما أنه قد يُعرِّض الفتيات إلى الفضيحة، وخطر غضب عائلاتهن إن كانت جاهلات بفعلتهن، أما في حال كن من عائلات "متفتحة" فلن تنفعُهن نصيحتُه.
من ستر مسلما كان كمن أحيا موؤودة وينصح الإمة ناشري صور الأشخاص، أن يتأملوا حديثا صحيحا رواه مسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي - عليه الصلاة والسلام - أنه قال: (من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة)، وفي الصحيحين من حديث ابن عمر - رضي الله عنه - عنهما عن النبي -صلى الله عليه وسلم - أنه قال "المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يُسلمه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرَّج عن مسلم كربة فرَّج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة. ويُحكى أن عقبة بن نافع رضي الله عنه، كان له كاتب، وكان جيران هذا الكاتب يشربون الخمر، فقال يوما لعقبة "إن لنا جيرانا يشربون الخمر، وسأبلغ الشرطة ليأخذوهم" فقال له عقبة "لا تفعل وعِظهم"، فقال الكاتب: إني نهيتهم ولم ينتهوا، وأنا داعِ لهم الشرطة ليأخذوهم، فهذا أفضل عقاب لهم، فقال عقبة "ويحك لا تفعل، فاني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول من رأى عورة وسترها كان كمن أحيا موؤودة".