عبد المجيد بوزيدي يناقش المجلس الشعبي الوطني، حاليا، مشروع قانون المالية لعام 2008. وهي المرة الأولى التي يكون فيها النواب، الأكثر انتقادا لمشروع الحكومة، هم أنفسهم التابعين للتحالف الرئاسي، خاصة للتجمع الوطني الديمقراطي وبعض من حزب جبهة التحرير الوطني. هل السياق الحالي الموسوم بالتحضيرات للحملة الانتخابية البلدية والولائية هو الذي يفسر ذلك؟ بالتأكيد، إذ يجب كسب هذه الانتخابات والرهان الأكثر حساسية، أي الرواتب والقدرة الشرائية موضوع شائك أكثر من موضوع الرواتب في بلادنا. ومن المؤكد أن العمال الأكثر حساسية لمسألة الرواتب هم أولئك الذين يتواجدون قاب قوسين أو أدنى من الحد الأدنى للأجر الوطني المضمون. فهذه الفئات هي أكثر معاناة من تغيرات تكاليف المعيشة. إن المذهب السائد في بلادنا بخصوص الحد الأدنى للأجر الوطني المضمون هو الذي يربط مستوى هذا الأجر بثلاثة عوامل هي: الإنتاجية العامة المتوسطة الوطنية، ومؤشر الأسعار عند الاستهلاك، والوضعية الاقتصادية العامة. ولابد أن نذكّر، في هذا المقام، بأن القدرة الشرائية في الفترة الممتدة بين 1990 و1998 تدهورت إلى حد كبير، إذ قُدرت ب(-3) بالمائة. وقد ميّزت هذه الفترة بالذات برامج استقرار الاقتصاد الكلي وضبط الهيئات التي فرضها صندوق النقد الدولي في إطار طلب الجزائر إعادة جدولة الديون الخارجية. ومن بين الشروط التي اعتمدتها هذه البرامج تحرير الأسعار وتحري الاعتدال في الأجور. وعقب انتهاء هذه الاتفاقات والشروط التي كانت تفرضها، طالب العمال بسياسة استدراكية للأجور على الأقل. لقد كانت هذه المطالب شرعية ولا تزال كذلك باعتبار أن الأجور الإسمية تضاعفت 10 مرات ما بين 1990 و2004، في حين أن مؤشر سعر الخبز والحبوب ارتفع، في الجزائر العاصمة، في الفترة ذاتها، من 104 عام 1990 إلى 889 عام 2004 (تضاعف ب805 مرة)، ومؤشر سعر الحليب ومشتقاته من 108 عام 1994 إلى 1308 عام 2004، أي تضاعف ب12 مرة. في حين تضاعف مؤشر سعر الزيت ب11 مرة. ومن الملاحظ، على الصعيد الوطني، أن مؤشر أسعار المواد الأساسية في قفة العمال الأجراء تشهد ارتفاعا كبيرا. وبالرجوع، إذن، إلى العوامل الثلاثة التي تحدد الحد الأدنى للأجر الوطني المضمون، يبين مؤشر الأسعار ارتفاعا كبيرا في الأسعار (ارتفاع أكبر من زيادة الأجور). أما فيما يخص العامل الثاني الذي يحدد الحد الأدنى للأجر الوطني المضمون، الإنتاجية العامة، فقد انخفضت ب4.3 بالمائة منذ عام 1979 إلى غاية 1994، ثم بلغت 0.3 بالمائة في الفترة ما بين 1995 و1999. فكانت الدولة أمام معضلة حقيقية: هل يجب الزيادة في الأجور لاستدراك تدهور القدرة الشرائية حتى وإن كانت الإنتاجية العامة ضعيفة أو حتى سلبية على الصعيد الوطني؟ إلا أن الدولة ليست وحدها المطالبة بمواجهة هذه المعادلة، ذلك أن المؤسسة الجزائرية، من جهتها، كانت تعاني من أزمة فتح السوق الداخلية التي تراجعت كثيرا بسبب الاستهلاك القليل والأجور التي كان يصرف منها الجزء الأكبر. فما كان على المؤسسات، إذن، سوى أن تنشط الطلب وتدعم الاستهلاك: المتعهدون وأصحاب الشركات كانوا مع زيادة الأجور، إلا أن هؤلاء أنفسهم كانوا يوصون بسياسة للعرض تنص على خفض التكاليف التي تكبل المؤسسات ومن بينها تكاليف الأجور. إذن، كيف أن نوزع أكثر مما أُنتج وإنتاجية العمل غير كافية؟. ومع أن الأرقام التي قدمها الديوان الوطني للإحصاء والتخطيط تشير إلى أن ثمار النمو، ما بين 1997 و2004، لم تُوزع بشكل عادل بين رأس المال والعمل، فقد شهدت عائدات الخواص ارتفاعا ب9.9 بالمائة، في حين لم يتجاوز ارتفاع أجور العمال 7.9 بالمائة. لكن لابد من التذكير أيضا بأن النقول الاجتماعية للدولة ارتفعت إلى 12.3 بالمائة. إن غياب سياسة رشيدة للأجور يحجبه نشاط اجتماعي للدولة يمكن مناقشة فعاليته. وكخلاصة لما سبق، يمكن التذكير بأربعة عناصر: 1. أن الإنتاجية العامة ضعيفة، وخاصة إنتاجية العمل، 2. أن مؤشر أسعار مواد الاستهلاك الرئيسية ارتفع بشكل ملحوظ، 3. أن الزيادة في الأجور بقيت غير كافية، 4. أن هناك أزمة الاستهلاك القليل التي تدين أيضا المؤسسات. فما العمل إذن؟ - مواصلة سياسة الاعتدال في الأجور يعني معاقبة المداخيل الدنيا التي تعرف مسبقا ضعفا في القدرة الشرائية. - الزيادة في الأجور تعني إعادة بعث الاستهلاك، لكن مع زيادة، في الوقت ذاته، التكاليف بالنسبة للمؤسسات. - وأخيرا، الزيادة في الأجور دون تحسين الإنتاجية تعني إضعاف الوضعية المالية للمؤسسة وللاقتصاد. إن السياق المالي الكلي المريح الذي تعيش فيه الجزائر حاليا يزيد من تعقيد المسألة من خلال الإغراءات التي يقدمها بخصوص توزيع سهل للمداخيل. وفي الختام، ارتأينا أن نشير إلى أن سياسة الأجور لا يمكن أن تخلق من العدم أو أن توجد وحدها في منأى عن السياسة الاقتصادية العامة سياسة العرض والاستراتيجية التنافسية والمخصصات القطاعية للثروات كل هذا من شأنه أن يحدد سياسة الأجور. ترجمة: إيمان بن محمد