يشكل ملف التشغيل بمناطق الجنوب الكبير عثرة حقيقة أمام الشباب البطال الذي فقد الثقة في الإدارة بعد أن عجزت هذه الأخيرة عن احتواء المواقف والأزمات التي عرفتها الجهات الجنوبية على العموم منذ الإعلان عن حل وكالات المناولة بقرار وزاري شهر مارس 2004وهي السنة السوداء التي انتفض حينها ' الشومارة " علي ما وصفوه بالإقصاء والتهميش بالشركات البترولية العاملة في منابع النفط والغاز المنتشرة بالمواقع الصحراوية في الوقت الذي يعاني فيه الشباب بعاصمة الواحات ورقلة من عراقيل وصعوبات جمة ماذا يحدث بالضبط عاد الشباب البطال إلى أساليب الاحتجاج مرة أخرى أمام المقرات الرسمية حيث عرفت عدة مناطق الشهور الماضية على غرار"حاسي مسعود" القلب النابض للبترول و "عين البيضاء" "وسعيد عتبة" التي شهدت انتفاضة شملت حرق شاحنة تابعة لشركة أجنبية في وقت سابق وقطع الطريق العام على مرتين آخرها منتصف الشهر الجاري، كما اعتقلت قوة مكافحة الشغب أكثر من 20شابا بطالا الشيء الذي ضاعف من حدة الأزمة التي تزامنت مع الانتخابات المحلية المقررة أواخر الشهر الجاري ،بحيث تتهم بعض الإطراف أحزاب سياسية بصب الزيت على النار من خلال الحملات الجوارية التي عزفت على وتر التشغيل و التنمية ومحاولة منها استعطاف شريحة البطالين ولو بدون قصد ، رغم مشروعية مطالبهم التي بقيت تراوح مكانها منذ سنوات في ظل انسداد قنوات الحوار المجدي مع المسئولين المباشرين على الملف وتراجع أداهم ، فلماذا فشلت الدوائر المكلفة بدراسة هذا القضية في إيجاد حل نهائي للازمة الخانقة؟ ومن المسوؤل عن التشغيل بالشركات الوطنية والأجنبية؟ وكيف يمكن التحكم في سوق اليد العاملة وهل يلزمنا قطع أشواط كبيرة للسيطرة على الوضعية وتوفير البدائل؟ كلها أسئلة باتت تطرح بحدة في صفوف البطالين بولاية تملك "مال قارون " وبإمكانها خلق فرص للعمل خارج مجال المحروقات فمن" فيروس " وكالات المناولة التي أنهكت قوى الغلابى لسنوات طويلة قبل أن يتم حلها بطريقة سحرية و لازال البعض منها يعمل بطرق ملتوية ،إلى ظهور ما بات يعرف برجال الظل من الأعلى الذين حولوا مناصب التشغيل إلي أساليب المحاباة علي حساب الفئات المحقورة التي هي بحاجة إلى إعانة حقيقة حتى أصبح الانطباع العام يلوح نحو سيطرة هؤلاء الأشخاص علي سوق الشغل أكثر مما تتحكم فيه الجهات الوصية ،و باختصار فهم ا للاعب الأساسي في المعادلة وتحمل العبء الأكبر في القضية بسبب التدخلات إما باستغلال المناصب التي يشغلونها أو بفرض الرأي وتبادل المصالح علي عتبا ران ورقلة تشكل قبلة لكل المعادن لعدة دواعي أهمها موقعها الجهوي الهام حيث تضم غالبية المصالح الإدارية الهامة وبالتالي استقطاب الكثيرين ومنه السعي وراء تقاسم " الكعكة " في حين يشتكي أعداد من الشباب العاطل من عدم سريان تعليمة القاضي الأول في البلاد الرامية إلي أولوية التشغيل لأبناء المناطق والذي أعاد تكرارها أثناء خطاب ورقلة التاريخي وفي مناسبات ثانية و حث علي الاهتمام بفئة الشباب في أخر خطاب له ،الشيء الذي خفف وقتها من حدة الأزمة لتعود الأمور إلى ما كانت عليه. تضاربا الأرقام وضعف في الرقابة وراء الغليان كشف مدير الوكالة الجهوية للتشغيل 'عبد الجبار مسعودي' في تصريح سابق للشروق اليومي أن الأرقام الخاصة بالفئة البطالة مضبوطة بشكل مرتب بحيث تضمن حقوق طالبي العمل المسجلين بصفة فعلية، مشيران مصالحه لأتوفر مناصب العمل كما يعتقد الكثيرون وهي وظيفة الشركات وإنما السهر على دراسة طلبات الراغبين في التشغيل والبحث عنهم ومن ثمة تقديم العروض التي تطلبها المرافق النفطية المذكورة طبقا للقوانين الجديدة بعد أن كانت تحكم سوق الشغل تشريعات من عهد الاستعمار لأكثر من نصف قرن ، غير أن توضيح ذات المسئول ينظر إليه بعض المحايدين المتابعين للملف المعقد على أنه لا يبدوا منطقيا علي اعتبار أن العملية لم تعرف استقرار منذ سنوات فضلا عن تزايد عدد الشكاوى وتنامي الشعور بالإقصاء في صفوف البطالين والفوضى الحاصلة في الوكالة المحلية لأكثر من سنتين ،توحي حسبهم بان سوق التشغيل غير متحكم فيها بطريقة جيدة منها الاختلالات الحاصلة وتخوف الجهات المعنية من الكشف على لأرقام وتجنب إظهارها بسبب عدم مطابقتها للواقع بحيث تحاول في كل مرة التنصل من المسؤولية بينما ينعم آخرون بما تجود به الشركات، هذه الأخيرة تحولت حسب قول إلى البطالين المرفوضين من العمل ما يشبه التوريث إذ أصبح لأبناء بعض العمال النافذين الحق في مناصب عمل أوقات العطل الصيفية تمهيدا لتوظيفهم بينما يبقي الآخرين ينتظرون الدور، ومن بين العوائق التي ولدت هذا النوع من الاستياء والسخط هو غياب الإحصائيات والنسب التي تضبط اليد العاملة فالمعطيات الموجودة بين يد الأعوان بالوكالة المحلية للتشغيل، تتضارب عموديا مع ما هو موجود ميدانيا بسبب عدم احترام تسلسل بطاقات العمل وإدراج أسماء من خارج الولاية استفادت من مناصب في السبق ، وتدخل عناصر أخرى ، مما أ بقى الوضع على ما هو عليه بمساعد أطراف تحاول الاصطياد في المياه العكرة فيما تسعى الجمعيات الفاعلة إلى كشف الحقائق وتنوير الرأي العام بالتجاوزات المسجلة في أكثر من مرة ،ولكن ما يثير الاستغراب في هذا الشأن هو تزايد أعداد البطالين وبحوزتهم كشوف عمل ممنوحة من طرف الوكالة المحلية للتشغيل لكن بدون جدوى نظر للشروط التعجيزية المفروضة من طرف الشركات منها إجادة اللغات الأجنبية والخبرة التي تفوق 10سنوات ،بالإضافة إلى البنية المرثولوجية لمناصب عمل بسيطة زيادة على التأخر في إرسال العروض بينما يتم التكتم على المناصب ذات لأجرة الكبيرة هو الدور المنوط بالجهات المهتمة بالتفتيش إذ تكتفي بتحرير المخالفات ومتابعة النز القليل من المخالفين قضائيا. شركات في ثوب إمبراطوريات الشركات الناشطة في ميدان المحروقات سيما "بحاسي مسعود"و "حاسي العقرب " و "بركين"و "إرارة " و"بركاوي" الدخول إليها بدون تأشيرة يعد من المحرمات علي المهمشين وهي التي كانت في سنوات السبعينيات تلهث وراء العمال لتامين المشاريع الاستثمارية غير أنها اليوم أصبحت بمثابة الحلم بالنسبة للشباب الراغب في الحصول علي فرصة تمكنه من تجاوز العقبات و تكوين مستقبله فحتى خريجي الجامعات من المهندسين في المجال البترولي لا يتحقق لهم ذلك بعد سنوات ورغم تعين مراقبين فإ'ن متابعة الشركات بدقة يعتبر ضربا من الخيال حسب رأى البطالين بحكم الدراية الكافية بشؤون تسيير مثل هذه المرافق الخاضعة للمركزية وليس للإدارة المحلية ومن بين المشاكل التي نبهت إليها لجنة الشبيبة والتشغيل بالمجلس الشعبي الولائي السنة الماضية في تقرير مفصل هو عدم تطابق العروض في كثير من الحالات مع مؤهلات طالبي العمل المسجلة لدى المكاتب وبروز الشروط غير الموضوعية المصاحبة لعرض العمل وإلغاء البعض منها دون سابق إنذار، زيادة على الرفض غير المبرر للموجهين إلى العمل والسكوت المطبق على الاحتياطيين في كثير من الأحيان وكلها انشغالات لازالت مسجلة. البديل غير مجدي تتحجج السلطات المحلية في كل مرة بوجوب توجيه الشباب البطال نحو المؤسسات الصغيرة والمتوسطة للخروج من التعقيدات الحاصلة لكن المعضلة الكبيرة تكمن في رفض البنوك تمويل المشاريع بسبب التجارب السابقة وتهرب المستفيدين من إرجاع المبالغ الممنوحة في إطار تشغيل الشباب وكذلك الشأن بالنسبة للصندوق الوطني للتامين عن البطالة والوكالة الوطنية للقرض المصغر مع نقص الاستثمار في الصناعات التحويلية وحفظ الإنتاج الفلاحي وغياب الدراسات الحقيقية في الميدان الاستثماري فضلا عن انعدام التخصصات العليا في قطاع المحروقات خاصة عمليات الحفر و الإنتاج ،كما أن الفلاحة لم تؤتي أكلها في ولاية تأكل مما لا تنتج فهل يكون هذا القطاع بديلا عن مناصب التشغيل بالشركات مستقبلا؟ في ظل ظهور ما بات يسمى بفكرة الشباب الرافض للعمل حيث تعد من بين المشكلات التي ولدت تصادما بين الجهات المسؤولة و هذه الشريحة، و ترى بعض الدوائر أن التشغيل في المواقع الصحراوية ليس بمطلب أساسي و هو ما تتخذه الشركات ذريعة لفرض كلمتها ، و يرجع الشباب رافضي العمل أسباب ذلك إلى تأخر تسديد الأجرة أو ضعف الراتب بالنظر إلى المصاريف التي يتحملونها منها تكاليف الإيواء و الإطعام و كذا التوجيه غير السليم للو رشات أما مفتشيه العمل و لما تمثله من سلطة رقابية فغالبا ما تصطدم بتشريعات تحد من فعاليتها منها القانون 19/04 الذي يحدد كيفية تنظيم اليد العاملة بالإضافة إلى انعدام إمكانيات العمل الميداني حسب ما ورد في ذات التقرير كالمركبات و عدد المفتشين و تباعد المكاتب و تباطؤ إجراءات التقاضي مع المؤسسات المخالفة للنصوص التشريعية و جميعها معطيات قللت من التحكم في هذه القضية التي تحولت إلى هاجس بات يقلق المسؤولين على اعتبار أن المنطقة بحاجة إلى تفعيل حقيقي لثلاث ملفات هامة أولها التنمية المحلية ثم السكن و التشغيل بحيث تعد من بين العوامل التي يراهن على تجسيدها ميدانيا لكن دون نتائج فعلية تحقيقات في مهب الريح لكونه المسوؤل الأول على قطاع التشغيل و أول من نزل إلى عاصمة الولاية ربيع 2004 صحبة الوزير"جمال ولد عباس"بأمر من رئيس الجمهورية لتهدئة ثورة الشباب البطال وباعتباره المعني بمتابعة للشؤون التشغيل ،أوفد وزير العمل و الضمان الاجتماعي والتضامن الوطني "الطيب لوح " ممثلة عنه لتقصي الحقائق و معرفة خلفية هذا الملف و لماذا عادت الاحتجاجات من جديد و قد حاولت موفدة الوزارة معرفة المزيد عن التفاصيل والخبايا من خلال اجتماعها بممثلي البطالين الذين طالبوا بإعادة النظر مجددا في الوكالات المحلية للتشغيل و تشديد الرقابة على الشركات البترولية و تسريع الحلول قصد تفويت الفرصة على بعض الانتهازيين ،و منه المطالبة بمقاليد جديدة للخروج من بؤرة التوتر، وهو ما لم يتجسد على ارض الواقع ويبقى السؤال عالقا كم يكفي من لجنان تحقيق لطي أوراق هذا الملف نهائيا وملفات أخرى تنتظر الحل . تحقيق /حكيم عزي