لا شك أن الهجومات التي وجهت للأمين العام للافلان عمار سعداني، بعد انتقاده لجهاز الاستخبارات لها وعليها. وبغض النظر عن مضمون الانتقادات التي تكلم عنها سعداني، بخصوص تدخل جهاز الاستخبارات في كل صغيرة وكبيرة داخل هيئات ومؤسسات الدولة، فإنه يتعين ابتداء الاتفاق على عدم جواز المساس والإضرار بالمؤسسة العسكرية من أي شخص كان داخل أو خارج السلطة، على اعتبار أن الجيش كان ولا يزال وسيظل الضامن الأكبر لوحدة البلاد واستقرارها، وقد تجلى هذا الدور خلال الأزمة الدامية التي عرفتها البلاد، إذ لولا تماسك الجيش والحصانة التي تمتع بها ضد كل الاختراقات لتعرضت البلاد لا قدّر الله لتهديدات كبرى أهونها التقسيم أو الحرب الأهلية. بعض الردود على سعداني، حملت في طياتها تجاوزات خطيرة ومساسا بوزارة الدفاع أكثر من ذلك الذي يعتقد أن سعداني، قد وقع فيه ضد مديرية في الوزارة نفسها، خاصة أن الأخير وجه انتقادات محددة بالتقصير دون أن يمس باستقرار الجهاز ولا بوطنية العاملين عليه أو يحرض ضدهم، بينما جاءت تصريحات بعض متقاعدي الجيش ومنهم الجنرال المتقاعد حسين بن حديد مثلا، في سياق أكثر إضرارا بالجيش وقياداته ومساسا بتماسك المؤسسة، إذ نزل النقاش من دور جهاز الاستخبارات وتقصيره لدى سعداني إلى عدم كفاءة وأهلية القائمين على وزارة الدفاع برمتها لدى بن حديد وهو إنزلاق غاية في الخطورة، من شأنه أن يهدد بالفعل تماسك المؤسسة الموكل لها ضمان سيادة واستقرار البلاد. من الخطورة بما كان أن يخرج علينا منتسبون سابقون للجيش، فيزعزعون الثقة بين أركان المؤسسة العسكرية وضباطها وجنودها بالتشكيك تارة في كفاءة القادة، والزج تارة أخرى بالمؤسسة في ''عفن التخلاط'' السياسي، إلى درجة يوصف فيها الرجل الأول في الجيش، نائب وزير الدفاع قايد صالح ب''عديم المصداقية ولا وزن له في الجيش'' من طرف منتسب سابق للجيش، غاب عنه الشعور بالمسؤولية حيال مئات الآلاف من الضباط والجنود الذين يستقبلون هكذا تصريحات، في ظرف ينبغي لهم فيه الالتزام والتماسك خلف قيادة الجيش مهما كانت هذه القيادة، حماية للوطن ومنعا لأي إرباكات قد تزعزع وحدة واستقرار البلاد المهددة أصلا عبر حدودها، فضلا عن كون قائد الأركان المستهدف، هو واحد من الرعيل الأول المجاهد الذي لا يمكن إطلاقا التشكيك في وطنيته وكفاءته، تماما مثلما لا يمكن أبدا التشكيك في وطنية وكفاءة رئيس جهاز الاستخبارات الذي طالته هو الآخر انتقادات أمين عام الآفلان. إذ كيف نتصور شعور الضباط والجنود وهم يطالعون يوميا من يشكك لهم في قادتهم، ويصفهم بأقبح النعوت في سلوك قد يفهم أنه تحريض صريح لإرباك هذا الجسم الوطني المتماسك، في وقت تميّعت وتهالكت فيه أغلب مؤسسات البلاد الأخرى، سواء المعينة أو المنتخبة بما في ذلك رئاسة الجمهورية. ينبغي أن يكون الجيش خطا أحمر يمنع المساس بوحدته واستقراره ليس فقط على سعداني، الذي انتقد مديرية في وزارة الدفاع فهاجمه الجميع، وإنما على كل من أراد أن يدلي بدلوه في معركة الاستقطاب الشرسة هذه الأيام بين مؤيدي العهدة الرابعة والمعارضين لها، معركة من الواضح أنه حضرت فيها كل الأسلحة وانهارت فيها الكثير من القيم، وتغلّبت فيها المصلحة الشخصية على قضايا الوطن.