يقترح الدكتور عبد الناصر السباعي، عميد كلية العلوم الإنسانية بفاس بالمغرب، في هذا الحوار طريقة جديدة في استغلال واختيار الزمن المثالي في مواقيت العمل والعطل السنوية التي تأخذ بعين الاعتبار التوقيت الإسلامي، واستغلال الطاقة البشرية على عكس ما تعتمده غالبية الدول الإسلامية في توقيتها السلبي المحاكي للغرب. * ما هو المشكل الذي ترونه في مواقيت العمل المطبقة اليوم في البلدان الإسلامية؟ - إن توقيت العمل المطبق اليوم في الدول الإسلامية والمقتبس من الدول الغربية يطرح مشكلات حادة على مستويين، المستوى الأول يتعلق بعدم ملاءمته للظروف المناخية لأكثر دول المنطقة والثاني بتعارضه مع التوقيت الإسلامي المتمحور حول مواقيت الصلاة. ولتوضيح هذه المشكلة بشكل ملموس، سنتناول التوقيت المستعمل في الجزائر والمغرب، حيث يبدأ العمل صباحا من الساعة الثامنة إلى الساعة الثانية عشرة زوالا، والعمل في مرحلة ما بعد الزوال إلى الساعة الخامسة زوالا، أما في الإدارات العمومية أو في بعض المؤسسات الخاصة فيطبق نظام التوقيت المستمر من الساعة الثامنة والنصف صباحا إلى الساعة الرابعة بعد الزوال، هذا التوقيت لا يأخذ بعين الاعتبار تغيّر مدة النهار عبر الفصول ويجعل نهاية العمل في بداية الليل في الشتاء ويبدأ متأخرا في الصباح أثناء فترتي الربيع والصيف. أما التوقيت المستمر فأكثر سوءا، ذلك أنه يبدأ في منتصف الفترة الصباحية حين ترتفع الشمس في السماء ويبدأ الحر وفي منتصف النهار تبلغ الشمس أوجها وتستمر كذلك حتى العصر، الأمر الذي يجعل العمل يتوقف فعليا بين الساعة الثانية عشرة حتى الساعة الرابعة بعد الزوال بسبب الحرارة العالية بينما نلاحظ أن أفضل عمل في الصيف هو في الساعات الأربعة التي تلي الفجر لأنها أقل حرا، وللأسف يقضيها غالبية الجزائريين والمغاربة في النوم ولهذا يفضل العمال عندنا أخذ إجازتهم السنوية في الصيف لأن العمل في الظروف التي يفرضها هذا التوقيت عذاب يتبين ما فوقه عذاب. * ما هو التوقيت البديل الذي تقترحونه؟ - التوقيت البديل الذي نقترحه هو في حقيقة الأمر طبّق منذ 14 قرنا، وقد حقق نتائج رائعة من حيث الإنتاجية، حيث تبدأ فترة الصباح عند الفجر حين يحل وقت صلاة الصبح فيصلي المسلم ثم ينطلق إلى عمله فورا. وتعتبر هذه الفترة هي فترة العمل الرئيسية في اليوم إذ تمتد حتى منتصف النهار. ونظرا لطول فترة العمل الرئيسية هذه يتوقف المسلم عن العمل وقت الضحى ليتناول فطوره ثم يزاول عمله وتنتهي الفترة الصباحية عندما يعلن المؤذن صلاة الظهر، فيتوقف الناس عن العمل لأداء الصلاة ثم يؤوبون إلى منازلهم لتناول طعام الغداء وليقيلوا حتى صلاة العصر فتكون فترة الظهيرة مخصصة بكاملها للاستراحة. وبعد صلاة العصر تبدأ فترة العمل الثانية وهي أقل من الفترة الصباحية إذ تستمر حتى المغرب، يعود بعدها العمال إلى منازلهم لتناول العشاء والاستراحة، ويكره السهر ليلا بغير ضرورة لأنه يؤخر استقاض المسلم للعمل صباحا. * يبدو أن هذا التوقيت مرتبط أساسا بمواقيت الصلاة، لماذا؟ - إن ارتباط مواقيت الصلاة بدوران الأرض حول نفسها وحول الشمس يضفي على البرنامج اليومي للمسلم طابع الانسجام مع الحركة الفلكية، غير أن طول النهار غير ثابت إذ انه يعرف زيادة ونقصانا مستمرين بحسب فصول السنة وهذا ما يدفع للتساؤل عن مدى التناسب بين فترات الراحة وأوقات العمل بالنظر إلى أن النهار الذي يطول في الصيف وتطول معه فترات العمل وبالمقابل يقل الليل لدرجة أنه لا يتوفر أن تكفي مدته للاستراحة من عناء النهار الطويل، إن هذا الاعتراض يضفي خاصية مهمة في حياة المسلم لأنه يشمل فترتين للاستراحة فترة الليل وفترة الظهيرة . ويرتبط طول كل منهما بالآخر ارتباطا عكسيا، بمعنى انه كلما ازداد طول الليل تقلصت مدة الظهيرة والعكس بالعكس، الشيء الذي يجعل قصر فترة الليل في الصيف تعوضه طول فترة الظهيرة الذي يكفي طولها للراحة، هذا التوازن المرن بين فترتي الليل والظهيرة يحافظ بدقة على التوازن الضروري للإنسان بين فترات النشاط وفترات الراحة في البرنامج اليومي الإسلامي. * لقد انتقدتم توقيت العطل المطبق حاليا، هل لديكم بديل آخر؟ - توقيت العطل السنوية في البلدان الإسلامية غير خاضع لأي اعتبار علمي بناء على المعرفة بحاجة الجسم الإنساني إلى الاستراحة في بعض فترات السنة أكثر من غيرها، فقد قلدت البلدان الإسلامية نظام العطل المستنسخ عن الغرب، حيث كان يخصص فصل الصيف في القرن التاسع عشر لإجازة التلاميذ والطلاب التي تفصل بين عام وآخر لأن سواعدهم كانت ضرورية لمساعدة آبائهم في أعمال حصاد الزرع وقطف العنب، فهي استجابة لحاجة اقتصادية وبيئية في مجتمع زراعي بنسبة 80 بالمائة... ولذلك فإن وضعنا يبدو غريبا من وجهة نظر علوم الطب والأحياء، فنحن نأخذ عطلتنا في الصيف أي في وقت يكون فيه جسمنا أقل ما يكون حاجة للراحة، علما أن دراسات علمية حديثة أثبتت أن الإنسان يكون مستعدا فكريا وجسميا لبذل أقصى طاقته الإنتاجية في الصيف، أما في الشتاء فيقل استعداده للعمل وتقل قدرته المناعية ضد الأمراض فيكون حينئذ أكثر حاجة للعطلة والاستراحة. ويتبين مما سبق أن فصل الصيف يوفر أطول وقت للدراسة والعمل ويكون الإنسان فيه في أفضل حالة صحية لممارسة نشاطه، حيث يضيّع اليوم هدرا بسبب سوء استثمار الزمن، ذلك بأن التوقيت الصيفي المعمول به حاليا لا يسمح حاليا باستغلال أربع ساعات في اليوم في أحسن الأحوال وفي هذا تبديد للطاقة الإنسانية. * ألا ترى أن نظام التوقيت الذي اقترحتموه مثالي ويستحيل تطبيقه حاليا بحكم العادة والاتباعية شبه الكاملة للبلدان الإسلامية للغرب في مختلف المجالات؟ - بالعكس، النظام الذي اقترحته واقعي وجاء وفق دراسات غربية حديثة تثبت فاعلية الإنسان في الساعات الأولى من الصباح خاصة في فصل الصيف، وإضافة إلى ذلك، فإن هذا التوقيت طبّق من طرف المسلمين الذين برعوا في شتى المجالات وفتحوا الأندلس ... كما أني أدعو مختلف الباحثين إلى التدقيق في دراسة هذا التوقيت الذي سنسعى في تطبيقه في المغرب نسبيا في بعض المؤسسات والمدارس الخاصة. بلقاسم حوام